يفرّق المعجميّون بين فئتين أساسيتين من المعاجم أحادية اللغة؛ الأولى هي معاجم اللغة العامة التي تقدّم تعريفات الكلمات المتداولة، والثانية هي المعاجم المتخصّصة والتي تشتغل على حقل بعينه مثل معاجم الطب والرياضيات والفلسفة والمسرح.
في العقود الأخيرة اتخذ إنجاز المعاجم المتخصّصة سبلاً جديدة، حيث لم يعد يقتصر على الحقول المكرّسة بل بات يجعل من أي مجال موضوعاً له، لنجد معاجم عن المدن أو الشخصيات التاريخية، أو أمور أكثر بساطة وعفوية في الحياة مثل كرة القدم وتقليعات الموضة. وفي كل مرة يعبّر إنتاج معجم من هذا النوع عن نشوء كتلة من الكلمات خاصة به.
في السنوات القليلة الماضية، صعدت ظواهر سياسية كثيرة جرى وسمُها بـ الشعبوية، وتحوّل هذا المصطلح إلى أحد أكثر المفاهيم تداولاً في تفسير المشهد السياسي لهذا البلد أو ذاك، حيث لا تخلو حياة سياسية، خصوصاً في البلدان ذات الأنظمة الديمقراطية، من سياسيين يصنّفون ضمن خانة الشعبوية.
بروز هذه الظاهرة وما ينجرّ عنها من دراسات وأبحاث يُفضي بشكل طبيعي إلى تكوّن مجموعة من الكلمات الخاصة بها، ما ينتج طلباً على إنتاج معجم خاص بها، وهو ما أقدمت عليه منشورات "سارف" الفرنسية بإصدارها مؤخراً "قاموس الشعبوية"، وهو عمل جماعي ضخم (1230 صفحة) أشرف عليه أوليفييه دار، وكريستوف بوتان، وفريديريك ريفوا، فيما كان عدد المساهمين الإجمالي 107 باحثين من 12 بلداً، وهؤلاء لا يأتون فقط من اختصاص العلوم السياسية، بل فيهم مؤرّخون ورجال قانون ومتخصّصون في الأدب والفلسفة والأنثروبولوجيا وعلم النفس وغيرها من المجالات.
لعلّ هذا التنوّع يشير إلى استحالة مقاربة الشعبوية من منظور أُحادي، خصوصاً انطلاقاً من أقرب الميادين المعرفية لدراستها، أي العلوم السياسية، حيث إن السياسيّين الشعبويين طالما كانوا يقدّمون خطابات لا تخضع لنواميس العمل السياسي، عازفين على أوتار تمسّ الغرائز والهوية الجمعية والذاتية، وضاربين عرض الحائط بتقاليد التواصل الاجتماعي.
يطرح المعجم مجموعة التعريفات الأساسية بالمفاهيم المتداخلة بالشعبوية، ومنها المصطلح نفسه، والذي يؤكّد المقال المخصص له أنه لم يعد من الممكن استعماله في صيغة المفرد إلا كناية عن الجمع، فالشعبوية هي في الحقيقة شعبويات، ولكل منها مفكّروها وملهموها.
يضمّ المعجم في مجمله 260 مدخلاً، كما يتضمّن مجموعة من المقالات الفرعية التي تجيب عن أسئلة مطروحة اليوم مثل: لماذا لا تمثّل الشعبوية مجال دراسة معروفاً؟ وبأي معنى يتداولها الناس؟ وما الذي يجعل دراسة الشعبوية أمراً مهماً؟ بل إن المعجم يجيب عن سؤال: أي مشروعية لإنجاز قاموس حولها؟