*طوت أميركا موسم الانتخابات الرئاسية مع تسلّم دونالد ترامب السلطة في البلاد. وقد استبق الرئيس الأميركي الجديد وصوله إلى البيت الأبيض بإعلان نيته نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. هل نحن أمام تغيير جذري في السياسة الأميركية تجاه عملية السلام؟
لا يوجد لدى الرئيس الأميركي الجديد وجهة نظر متكاملة وواضحة حول القضية الفلسطينية، وسبل إيجاد حل للنزاع العربي الإسرائيلي. هناك رؤوس أقلام ورغبة أعلن عنها خلال الحملة الانتخابية للقيام بدور من أجل التوصّل إلى اتفاق سلام على الرغم من الإقرار بصعوبة ذلك.
يتناقض ذلك مع الإعلان عن نقل السفارة الأميركية إلى القدس، لأن قضية القدس هي من عمر القضية الفلسطينية. وعلى الرغم من أن القانون الأميركي يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، إلا أن الكونغرس ترك مجالاً للرؤساء الأميركيين بعدم تنفيذ هذا القانون، انسجاماً مع موقف الإدارة الأميركية الذي يرى أن حلّ مسألة القدس مرتبط بمفاوضات الوضع النهائي.
لقد تحدث ترامب مراراً عن نيته نقل السفارة الأميركية، وانتقد سياسة إدارة باراك أوباما التي اعتبرها مسيئة لإسرائيل. كما عيّن دايفيد فريدمان سفيراً للولايات المتحدة وهو من دعاة الاستيطان ومن المتبرّعين للاستيطان، وهو كذلك من الملتزمين بنقل السفارة من تل أبيب إلى القدس. السؤال هو هل ستكون سياسة الإدارة الأميركية الجديدة تجاه القضية الفلسطينية نابعة من أفكار ترامب أم من أفكار فريدمان؟.. شخصياً أتوقع تغييراً جذرياً في الموقف الأميركي وخروجاً عن السياسات التي اعتمدتها الإدارات الأميركية السابقة، الأمر الذي قد ينتج عنه اختلال في ميزان القوى وتكريس الاحتلال الإسرائيلي، عندها ستفقد الولايات المتحدة دورها كوسيط في عملية السلام. لست متفائلاً بترامب ومحيطه فهم ليسوا جاهزين للتغيير الكبير.
*ما هي الأسباب التي غيّرت موقف ترامب من الكلام عن نيته لعب دور الوسيط المحايد في عملية السلام إلى الانحياز الكامل لصالح موقف الاحتلال؟
من المعروف أن ترامب رجل أعمال، بهذا المعنى هو إلى حد ما مستقل لا يملك مواقف سياسية وأيديولوجية ثابتة تجاه كافة العناوين، خصوصاً تجاه القضية الفلسطينية. عندما تكلّم كرجل عادي تحدّث عن الحيادية من منطلق وساطة رجل الأعمال. ومع دخوله التدريجي في السياسة الأميركية بدأ يتعرّض للضغوط، وبدأت تظهر تغييرات في مواقفه نتيجة تلك الضغوط. كما أُجبر على اتخاذ مواقف تتعلّق في التفاصيل بعدما تحوّل إلى مرشح جدي للرئاسة الأميركية.
يقوم أسلوب ترامب في إدارة الأمور على تعيين مساعدين يثق بهم على المستوى الشخصي. قد ينجح ذلك في مجال الأعمال لكن ليس في إدارة دولة عظمى. في هذا السياق عبّر الرئيس الأميركي الجديد عدة مرات عن رغبته في تعيين صهره غيرد كوشنر وسيطاً للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين، لكن السؤال هو ما هي مؤهلات كوشنر للقيام بمثل هذه المهمة. خصوصاً أن شخصيات سياسية أميركية مخضرمة فشلت في الوساطة في عملية السلام. هل الأمر يتعلق فقط بأن صهره من اليهود. وإذا كان الأمر كذلك فإن ذلك يعتبر تفكيراً عنصرياً، كأن يتم تعيين رجل شرطة أسود للتعامل مع المجرمين السود في أميركا.
*ما هي أبرز المعايير التي اعتمدتها الإدارات الأميركية المتعاقبة في العلاقة مع إسرائيل ومع القضية الفلسطينية، وهل بإمكان ترامب مخالفة السياسات الأميركية التقليدية؟
تقوم السياسة الأميركية في الشرق الأوسط على ثوابت أساسية منها الحفاظ على توازن عسكري يميل دائماً لصالح إسرائيل وأمن إسرائيل، وكذلك الحفاظ على استقرار الدول الصديقة للولايات المتحدة وضمان استمرار ضخ البترول بأسعار مقبولة، لكن مشكلة الأميركيين تبرز عندما تتضارب المصالح وفق سلم الثوابت. ولم ينجح أي رئيس أميركي في المواءمة بين المصالح المتضاربة. على سبيل المثال يتناقض في أحيان كثيرة أمن إسرائيل مع استمرار ضخ النفط، كما حصل خلال حرب 1973 بقرار العاهل السعودي الراحل فيصل بن عبد العزيز وقف ضخ النفط إلى الغرب.
في الماضي كان بالإمكان الفصل بين السياسة الأميركية الداخلية والسياسة الخارجية، أما اليوم فإن الاعتبارات الداخلية تتحكم إلى حد بعيد بالسياسة الخارجية. من هنا يأتي تأثير اليهود في صناعة السياسة الخارجية إضافة إلى مصالح الولايات المتحدة .
لكن في الحسابات الداخلية الأميركية فإن إسرائيل مهمشة إلى حد ما بسبب وجود عامل أهم هو محاربة الإرهاب. الفاصل بين السياسات الداخلية والخارجية تصدّع وأصبحت سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط مبنية على أساس عوامل داخلية نابعة من مجموعات الضغط واللوبيات. على سبيل المثال لم يعد مستغرباً أن يصادق عضو في الكونغرس على مشروع قانون مثل قانون جاستا حتى لو لم يقرأه من أجل إرضاء الناخبين في الدائرة الانتخابية التي يمثلها.
*وجّه الرئيس الأميركي الجديد انتقادات قاسية للرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما لعدم استخدام (الفيتو) الأميركي من أجل حماية إسرائيل في مجلس الأمن. ما هي الإجراءات التي يمكن لإدارة ترامب القيام بها رداً على القرار الدولي بتجميد الاستيطان الإسرائيلي؟
بإمكان إدارة ترامب إهمال القرار الدولي وعدم الالتزام به. كان البعض يراهن على مفاجآت أميركية جديدة في مجلس الأمن على المسار الفلسطيني قبل مغادرة أوباما البيت الأبيض، لكن وزير الخارجية الأميركي جون كيري سدّ الطريق على ذلك من خلال مواقفه المطمئنة لإسرائيل في مؤتمر باريس للسلام. لقد كان متوقعاً من مؤتمر باريس أن يتقدّم خطوة أعلى من إدانة الاستيطان الإسرائيلي وتكريس ما جاء في خطاب كيري. لقد راهن الفلسطينيون على قرار جديد يكرّس مرجعية مفاوضات السلام.
يساوي الأميركيون بين الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة وبين فلسطينيي الـ 48. ومن الناحية العملية تعترف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل .السؤال هو هل حان الوقت لإسقاط ورقة التوت. هذا القرار يرتبط بمدى استماع ترامب إلى المتطرفين المقربين منه الذين يقللون من أهمية تصريحات كيري حول رد فعل عربي وفلسطيني إزاء خطوة نقل السفارة الأميركية. وفي هذا السياق أظهر وزير الدفاع جايمس ماتيس موقفاً جريئاً بتحذيره من مخاطر هذه الخطوة. وزير الخارجية ريكس تيليرسون اتخذ موقفاً مشابهاً يتناقض مع موقف مجموعة المتطرفين المحيطين بترامب ومنهم نائب الريس مايك بينس الجمهوري الأيديولوجي المتشدّد.
*مقابل مؤشرات انحياز الإدارة الجديدة إلى جانب إسرائيل تُظهر استطلاعات الرأي تحولاً في مواقف الرأي العام الأميركي من إسرائيل. كيف تقرأ هذا التحول؟
التغيير الأهم الذي طرأ على الموقف من إسرائيل في الولايات المتحدة هو اختلاف نسبة التأييد بين اليمين واليسار، إذ تظهر استطلاعات الرأي تأييد نسبة كبيرة من الجمهوريين لإسرائيل مقابل تدنّي نسبة التأييد لها في أوساط الحزب الديمقراطي، التغيير الثاني يتمثّل باختلاف موقف الأجيال اليهودية الجديدة عن موقف الأجيال التقليدية، على الرغم من أن مصلحة إسرائيل بالنسبة لليهود الأميركيين ما زالت فوق أي اعتبار.
*ما هو دور اليهود الأرثوذكس، وما هو حجم تأثيرهم على توجهات إدارة ترامب بشأن عملية السلام؟
برز دور اليهود الأرثوذكس من خلال الدور المتوقع أن يلعبه صهر الرئيس الجديد غيرد كوشنر. في الماضي كانت هذه الفئة من اليهود تعادي الصهيونية وتعتبرها تتعارض مع الديانة اليهودية لكن منذ أكثر من عقدين تحوّل اليهود الأرثوذكس إلى مؤيدين لإسرائيل، بعد المنافع والامتيازات التي حصلت عليها الأحزاب اليهودية المتشددة في إسرائيل. بهذا المعنى فإن الحديث عن دور لكوشنر في عملية الوساطة بين إسرائيل والفلسطينيين ليس خبراً جيداً للفلسطينيين.
*كيف تنظر إلى الدور الروسي في ظل الحديث عن نية إدارة ترامب التنسيق مع الروس في أوروبا والشرق الأوسط. وهل يمكن أن يكون لموسكو دور محدد في عملية السلام في الشرق الأوسط؟
لن تسمح إسرائيل بوسيط في عملية السلام غير الوسيط الأميركي. وهي لا تريد سماع تلميحات إلى التعاطف الروسي مع قضايا العرب. شخصياً لست متفائلاً بقيام روسيا بدور ما لحل القضية الفلسطينية. لدى موسكو أجندتها الخاصة في المنطقة، وهي تنسّق كل حركتها مع إسرائيل وتتقاسم معها الأجواء السورية. أضف إلى ذلك أن في موسكو لوبي صهيونياً بات أقوى من اللوبي الموجود في العاصمة الأميركية.
*إزاء هذا الواقع الدولي المعقّد، كيف تقيّم الموقف الفلسطيني، وما هي الخيارات المتاحة؟
الموقف الفلسطيني الرسمي يشبه الموقف العربي الذي يلعب دور المتفرج. الرئيس محمود عباس الذي لوح بورقة سحب الاعتراف بإسرائيل في حال نقل السفارة إلى القدس متخوّف من إجراءات في الكونغرس الأميركي قد توقف المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية التي تبلغ نحو 800 مليون دولار.
طبعاً إمكانية التأثير الفلسطيني في موقف الإدارة الأميركية الجديدة محدود جداً. مع العلم أن ذلك لا يتم إلا من خلال اللقاءات والوفود. ومقابل الغياب الفلسطيني نلاحظ حجم الحضور الإسرائيلي الكبير والمشاركة المكثفة لزعماء الاستيطان الإسرائيلي في حفل تنصيب الرئيس الجديد.
لا يوجد لدى الرئيس الأميركي الجديد وجهة نظر متكاملة وواضحة حول القضية الفلسطينية، وسبل إيجاد حل للنزاع العربي الإسرائيلي. هناك رؤوس أقلام ورغبة أعلن عنها خلال الحملة الانتخابية للقيام بدور من أجل التوصّل إلى اتفاق سلام على الرغم من الإقرار بصعوبة ذلك.
يتناقض ذلك مع الإعلان عن نقل السفارة الأميركية إلى القدس، لأن قضية القدس هي من عمر القضية الفلسطينية. وعلى الرغم من أن القانون الأميركي يعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، إلا أن الكونغرس ترك مجالاً للرؤساء الأميركيين بعدم تنفيذ هذا القانون، انسجاماً مع موقف الإدارة الأميركية الذي يرى أن حلّ مسألة القدس مرتبط بمفاوضات الوضع النهائي.
لقد تحدث ترامب مراراً عن نيته نقل السفارة الأميركية، وانتقد سياسة إدارة باراك أوباما التي اعتبرها مسيئة لإسرائيل. كما عيّن دايفيد فريدمان سفيراً للولايات المتحدة وهو من دعاة الاستيطان ومن المتبرّعين للاستيطان، وهو كذلك من الملتزمين بنقل السفارة من تل أبيب إلى القدس. السؤال هو هل ستكون سياسة الإدارة الأميركية الجديدة تجاه القضية الفلسطينية نابعة من أفكار ترامب أم من أفكار فريدمان؟.. شخصياً أتوقع تغييراً جذرياً في الموقف الأميركي وخروجاً عن السياسات التي اعتمدتها الإدارات الأميركية السابقة، الأمر الذي قد ينتج عنه اختلال في ميزان القوى وتكريس الاحتلال الإسرائيلي، عندها ستفقد الولايات المتحدة دورها كوسيط في عملية السلام. لست متفائلاً بترامب ومحيطه فهم ليسوا جاهزين للتغيير الكبير.
*ما هي الأسباب التي غيّرت موقف ترامب من الكلام عن نيته لعب دور الوسيط المحايد في عملية السلام إلى الانحياز الكامل لصالح موقف الاحتلال؟
من المعروف أن ترامب رجل أعمال، بهذا المعنى هو إلى حد ما مستقل لا يملك مواقف سياسية وأيديولوجية ثابتة تجاه كافة العناوين، خصوصاً تجاه القضية الفلسطينية. عندما تكلّم كرجل عادي تحدّث عن الحيادية من منطلق وساطة رجل الأعمال. ومع دخوله التدريجي في السياسة الأميركية بدأ يتعرّض للضغوط، وبدأت تظهر تغييرات في مواقفه نتيجة تلك الضغوط. كما أُجبر على اتخاذ مواقف تتعلّق في التفاصيل بعدما تحوّل إلى مرشح جدي للرئاسة الأميركية.
يقوم أسلوب ترامب في إدارة الأمور على تعيين مساعدين يثق بهم على المستوى الشخصي. قد ينجح ذلك في مجال الأعمال لكن ليس في إدارة دولة عظمى. في هذا السياق عبّر الرئيس الأميركي الجديد عدة مرات عن رغبته في تعيين صهره غيرد كوشنر وسيطاً للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين، لكن السؤال هو ما هي مؤهلات كوشنر للقيام بمثل هذه المهمة. خصوصاً أن شخصيات سياسية أميركية مخضرمة فشلت في الوساطة في عملية السلام. هل الأمر يتعلق فقط بأن صهره من اليهود. وإذا كان الأمر كذلك فإن ذلك يعتبر تفكيراً عنصرياً، كأن يتم تعيين رجل شرطة أسود للتعامل مع المجرمين السود في أميركا.
*ما هي أبرز المعايير التي اعتمدتها الإدارات الأميركية المتعاقبة في العلاقة مع إسرائيل ومع القضية الفلسطينية، وهل بإمكان ترامب مخالفة السياسات الأميركية التقليدية؟
تقوم السياسة الأميركية في الشرق الأوسط على ثوابت أساسية منها الحفاظ على توازن عسكري يميل دائماً لصالح إسرائيل وأمن إسرائيل، وكذلك الحفاظ على استقرار الدول الصديقة للولايات المتحدة وضمان استمرار ضخ البترول بأسعار مقبولة، لكن مشكلة الأميركيين تبرز عندما تتضارب المصالح وفق سلم الثوابت. ولم ينجح أي رئيس أميركي في المواءمة بين المصالح المتضاربة. على سبيل المثال يتناقض في أحيان كثيرة أمن إسرائيل مع استمرار ضخ النفط، كما حصل خلال حرب 1973 بقرار العاهل السعودي الراحل فيصل بن عبد العزيز وقف ضخ النفط إلى الغرب.
في الماضي كان بالإمكان الفصل بين السياسة الأميركية الداخلية والسياسة الخارجية، أما اليوم فإن الاعتبارات الداخلية تتحكم إلى حد بعيد بالسياسة الخارجية. من هنا يأتي تأثير اليهود في صناعة السياسة الخارجية إضافة إلى مصالح الولايات المتحدة .
لكن في الحسابات الداخلية الأميركية فإن إسرائيل مهمشة إلى حد ما بسبب وجود عامل أهم هو محاربة الإرهاب. الفاصل بين السياسات الداخلية والخارجية تصدّع وأصبحت سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط مبنية على أساس عوامل داخلية نابعة من مجموعات الضغط واللوبيات. على سبيل المثال لم يعد مستغرباً أن يصادق عضو في الكونغرس على مشروع قانون مثل قانون جاستا حتى لو لم يقرأه من أجل إرضاء الناخبين في الدائرة الانتخابية التي يمثلها.
*وجّه الرئيس الأميركي الجديد انتقادات قاسية للرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما لعدم استخدام (الفيتو) الأميركي من أجل حماية إسرائيل في مجلس الأمن. ما هي الإجراءات التي يمكن لإدارة ترامب القيام بها رداً على القرار الدولي بتجميد الاستيطان الإسرائيلي؟
بإمكان إدارة ترامب إهمال القرار الدولي وعدم الالتزام به. كان البعض يراهن على مفاجآت أميركية جديدة في مجلس الأمن على المسار الفلسطيني قبل مغادرة أوباما البيت الأبيض، لكن وزير الخارجية الأميركي جون كيري سدّ الطريق على ذلك من خلال مواقفه المطمئنة لإسرائيل في مؤتمر باريس للسلام. لقد كان متوقعاً من مؤتمر باريس أن يتقدّم خطوة أعلى من إدانة الاستيطان الإسرائيلي وتكريس ما جاء في خطاب كيري. لقد راهن الفلسطينيون على قرار جديد يكرّس مرجعية مفاوضات السلام.
يساوي الأميركيون بين الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة وبين فلسطينيي الـ 48. ومن الناحية العملية تعترف الولايات المتحدة بالقدس عاصمة لإسرائيل .السؤال هو هل حان الوقت لإسقاط ورقة التوت. هذا القرار يرتبط بمدى استماع ترامب إلى المتطرفين المقربين منه الذين يقللون من أهمية تصريحات كيري حول رد فعل عربي وفلسطيني إزاء خطوة نقل السفارة الأميركية. وفي هذا السياق أظهر وزير الدفاع جايمس ماتيس موقفاً جريئاً بتحذيره من مخاطر هذه الخطوة. وزير الخارجية ريكس تيليرسون اتخذ موقفاً مشابهاً يتناقض مع موقف مجموعة المتطرفين المحيطين بترامب ومنهم نائب الريس مايك بينس الجمهوري الأيديولوجي المتشدّد.
*مقابل مؤشرات انحياز الإدارة الجديدة إلى جانب إسرائيل تُظهر استطلاعات الرأي تحولاً في مواقف الرأي العام الأميركي من إسرائيل. كيف تقرأ هذا التحول؟
التغيير الأهم الذي طرأ على الموقف من إسرائيل في الولايات المتحدة هو اختلاف نسبة التأييد بين اليمين واليسار، إذ تظهر استطلاعات الرأي تأييد نسبة كبيرة من الجمهوريين لإسرائيل مقابل تدنّي نسبة التأييد لها في أوساط الحزب الديمقراطي، التغيير الثاني يتمثّل باختلاف موقف الأجيال اليهودية الجديدة عن موقف الأجيال التقليدية، على الرغم من أن مصلحة إسرائيل بالنسبة لليهود الأميركيين ما زالت فوق أي اعتبار.
*ما هو دور اليهود الأرثوذكس، وما هو حجم تأثيرهم على توجهات إدارة ترامب بشأن عملية السلام؟
برز دور اليهود الأرثوذكس من خلال الدور المتوقع أن يلعبه صهر الرئيس الجديد غيرد كوشنر. في الماضي كانت هذه الفئة من اليهود تعادي الصهيونية وتعتبرها تتعارض مع الديانة اليهودية لكن منذ أكثر من عقدين تحوّل اليهود الأرثوذكس إلى مؤيدين لإسرائيل، بعد المنافع والامتيازات التي حصلت عليها الأحزاب اليهودية المتشددة في إسرائيل. بهذا المعنى فإن الحديث عن دور لكوشنر في عملية الوساطة بين إسرائيل والفلسطينيين ليس خبراً جيداً للفلسطينيين.
*كيف تنظر إلى الدور الروسي في ظل الحديث عن نية إدارة ترامب التنسيق مع الروس في أوروبا والشرق الأوسط. وهل يمكن أن يكون لموسكو دور محدد في عملية السلام في الشرق الأوسط؟
لن تسمح إسرائيل بوسيط في عملية السلام غير الوسيط الأميركي. وهي لا تريد سماع تلميحات إلى التعاطف الروسي مع قضايا العرب. شخصياً لست متفائلاً بقيام روسيا بدور ما لحل القضية الفلسطينية. لدى موسكو أجندتها الخاصة في المنطقة، وهي تنسّق كل حركتها مع إسرائيل وتتقاسم معها الأجواء السورية. أضف إلى ذلك أن في موسكو لوبي صهيونياً بات أقوى من اللوبي الموجود في العاصمة الأميركية.
*إزاء هذا الواقع الدولي المعقّد، كيف تقيّم الموقف الفلسطيني، وما هي الخيارات المتاحة؟
الموقف الفلسطيني الرسمي يشبه الموقف العربي الذي يلعب دور المتفرج. الرئيس محمود عباس الذي لوح بورقة سحب الاعتراف بإسرائيل في حال نقل السفارة إلى القدس متخوّف من إجراءات في الكونغرس الأميركي قد توقف المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية التي تبلغ نحو 800 مليون دولار.
طبعاً إمكانية التأثير الفلسطيني في موقف الإدارة الأميركية الجديدة محدود جداً. مع العلم أن ذلك لا يتم إلا من خلال اللقاءات والوفود. ومقابل الغياب الفلسطيني نلاحظ حجم الحضور الإسرائيلي الكبير والمشاركة المكثفة لزعماء الاستيطان الإسرائيلي في حفل تنصيب الرئيس الجديد.