لم يتردد العشريني الجزائري عادل أحمد، في الإقرار بتراجع جودة ما يبيعه من تمور دقلة نور الملقبة محليا في بلاد المغرب العربي، وخصوصاً تونس والجزائر بـ"سيدة التمور" و"أصابع الضوء" إذ تمتاز بكونها ذهبية اللون وشديدة الشفافية، الأمر الذي يجعل نواتها بادية للعيان خاصة عند جنيها، غير أن مشكلة نقص مياه السقي وارتفاع نسبة الملوحة بها، والتي يعاني منها أصحاب واحات النخيل، أدت إلى تراجع كيفي وكمي في المعروض محليا من ذلك الصنف الذي يوجّه أغلبه إلى التصدير، حسبما قال أحمد الذي تمتلك عائلته 500 نخلة في مدينة طولقة التابعة لولاية بسكرة (410 كلم جنوب العاصمة) لـ"العربي الجديد".
وأثّر نقص المياه على إنتاج نخيل التمر، من حيث الحجم واللون البلوري الشفاف، والمظهر الخارجي، وحتى في المكونات الغذائية، وفق ما أوضحه حسان قيراوني الخبير الفلاحي في المعهد الوطني للزراعات الواسعة، والذي لفت إلى تميز المنتوج الجزائري عن غيره من الدول الأخرى، لاستعماله الأسمدة العضوية بشكل أساسي في مزارع النخيل.
وأدى تراجع المعروض محليا من تمور دقلة نور، إلى ارتفاع أثمانها في الأسواق، وبحسب ما قاله عادل، فقد وصل السعر في رمضان هذا العام 2017 إلى 800 دينار (6.5 دولارات أميركية) للكيلوغرام الواحد في ولايات الشمال وبلغ 400 دينار (3.7 دولارات) لكل كيلوغرام في بسكرة التي تأتي في مقدمة الولايات المنتجة لتمور دقلة نور الجزائرية، إذ بلغ إنتاج الولاية 4.077.900 قنطار (القنطار يساوي 100 كلغ)، وهو ما يمثل 41.2 في المائة من الإنتاج الوطني الموجود في 16 ولاية، وتمتد مزارع النخيل في بسكرة على مساحة تصل إلى 42.910 هكتارات تمثل 27.4 في المائة من المساحة الإجمالية البالغة 167 ألف هكتار (وحدة مساحية تساوي 10 آلاف متر مربع)، وفق إحصاءات خاصة حصل عليها "العربي الجديد" خليتي الاتصال بوزارتي الفلاحة والتجارة.
وبلغ عدد النخيل في الجزائر 18.605.100 نخلة في عام 2015، فيما وصل الإنتاج في العام ذاته إلى 9.903.600 قنطار، وفي 2016 بلغ الإنتاج 10 ملايين قنطار، بعدما ارتفعت حظيرة النخيل إلى 19 مليون نخلة، وتحصي وزارة الفلاحة 4.315.100 نخلة في بسكرة تمثل 23.1 في المائة من العدد الكلي لأشجار النخيل، بسبب نوعية التربة الجيدة ودرجة ملوحة مياهها والمناخ الذي يختلف عن باقي الولايات، بحسب ما أوضحه الخبير الفلاحي حسان قيرواني.
وتأتي ولاية الوادي ثانياً، بإنتاج 2.474 مليون قنطار تمور من 3.788.500 نخلة مغروسة على مساحة 36.680 هكتارا، وتحل ورقلة ثالثة بـ 1.296.300 قنطار تمور تنتجها سنويا 2.576.600 نخلة مزروعة على مساحة 21.980 هكتار.
مكونات تمور دقلة نور سبب شهرتها
يوجد في الجزائر 300 صنف من التمور، بعضها لا يمثل أي فائدة تجارية، وفق إفادة خاصة لـ"العربي الجديد" من الغرفة الجزائرية للصناعة والتجارة، لكن تبقى دقلة نور الأحسن والأجود، حسب ما يذكره الدكتور فتحي بن أشنهو المختص في مجال التغذية، بالنظر لمظهرها البراق وكمية السكر الطبيعي الموجود بها.
وتحتوي دقلة نور على 280 سعرة حرارية لكل 100 غرام، وبها 75 غراما من سكريات الكربوهيدرات، و25 غراما من السكريات الثنائية و40 غراما من السكريات الأحادية، وكميات من الألياف والبروتينات، وهي أرقام قريبة من باقي التمور، لكن مظهرها اللامع والشفاف الذي يسمح برؤية النواة يجعلها أكثر تميزا، وفق ما شرحه بن أشنهو.
وتشير الإحصاءات الرسمية التي حصل عليها "العربي الجديد" إلى إنتاج 5.2 ملايين قنطار من دقلة نور في عام 2015، وتوجه معظمها للتصدير، بحسب ما أكده رئيس جمعية منتجي التمور في بسكرة لعجال خالد، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد"، مشيرا إلى ارتفاع الإنتاج في عام 2016 إلى 6 ملايين قنطار.
فلاحون يبيعون نخيلهم
رغم أن الأرقام المحققة في مجال إنتاج التمور عموما، ودقلة نور خاصة، تبين أن الجزائر حققت أكثر مما سطره البرنامج الخماسي لوزارة الفلاحة (2015 – 2019) الذي اطلع عليه معد التحقيق، والذي هدف إلى الوصول إلى 9.3 ملايين قنطار من التمور في عام 2016 و9.6 ملايين قنطار في عام 2017 و9.9 ملايين قنطار في 2018 وإلى إنتاج 10.2 ملايين قنطار في عام 2019، لكن رهان النوعية يبقى مهددا بسبب نقص مياه السقي، حسب ما أكدته شهادات خمسة فلاحين تواصل معهم معدّ التحقيق.
وأدت أزمة نقص مياه السقي إلى بيع فلاحي منطقة أولاد جلال، (على بعد 100 كلم من مركز بسكرة) والتي تبلغ مساحتها الإجمالية 32.660 هكتارا، لنخيلهم بسبب عدم قدرتهم على تأمين آبار السقي، وفق رئيس جمعية منتجي التمور في بسكرة والذي أكد أن إنتاج المنطقة الكبيرة تراجع 80 في المائة من حجمه السابق، وتضع مصلحة إنتاج وتحسين التمور بالمعهد التقني لتنمية الزراعة الصحراوية "أولاد جلال" ضمن 10 بلديات تصنف في خانة أعلى المناطق المنتجة لتمور دقلة نور، على غرار طولقة وبوشقرون وبرج بن عزوز وسيدي خالد والدوسن، نظرا لتربتها وطقسها الحار الذي يساعد على إنتاج هذا النوع.
ويشرح عامر عراب صاحب واحة للنخيل ببلدية الدوسن التي تتبع دائرة أولاد جلال أن الخسائر التي تكبدها فلاحو أولاد جلال كانت بسبب نقص آبار مياه سقي النخيل، لصعوبة الحصول على رخصة لحفر الآبار إضافة إلى تكلفتها العالية.
وأشار إلى أنه لم يتخلص من هذا المشكل إلا بعد حصوله على الرخصة التي تمنح مجانا، لكن كلفته أشغال حفر الآبار 10 ملايين دينار (92100 دولار) من أجل سقي واحته.
وبحسب عامر، فإن مشكلة الرخصة سببها عدم حصول أغلب المستثمرين على عقود ملكية لأراضيهم، إذ إن أغلب الحيازات في المنطقة عبارة عن أراض ذات عقود عرفية أو أراض عائلية، فيما يرفض الفلاحون حفر الآبار وفق عقود الامتياز ويطالبون بتسوية ملكيتهم للأراضي.
لكن الأمين العام لاتحاد الفلاحين الجزائريين محمد عليوي قلل من مخاوف الفلاحين، قائلا لـ"العربي الجديد" إن عقود الامتياز لا تختلف عن عقود الملكية لأنها تمكن الفلاح من الحصول على جميع المساعدات التي تمنحها الدولة، وينحصر المشكل تحديدا في أراضي العائلات بسبب خلافات الورثة.
وعقود الامتياز تمنح للمستفيدين من مشاريع استثمار فلاحية تقام على أراض مملوكة للدولة، وتسمح باستغلالها حتى 50 عاما، فيما تعود أراضي عقود الملكية إلى الفلاح وتخضع عملية حفر آبار المياه للقانون رقم 05-12 المؤرخ في 4 أغسطس/آب 2005 المتعلق بالمياه الذي تقول المادة 71 منه "لا يمكن القيام بأي استعمال المياه الموجهة للاستعمال الفلاحي من طرف أشخاص طبيعيين ومعنويين عن طريق منشآت وهياكل استخراج الماء، إلا بموجب رخصة أو امتياز يسلم من قبل الإدارة المختصة"، وتؤكد المادة 126 أنه لا يمكن استخراج الماء الفلاحي إلا حسب الكيفيات المحددة بموجب المادة 71 وما تلاها من مواد.
ورغم أن المادة 128 تنص على منح رخصة أو امتياز استعمال الموارد المائية لأغراض الري لصالح أرض معينة في أجل 3 أشهر من تاريخ نقل الملكية، غير أن عامر عراب قال لـ" العربي الجديد" إن حصوله على رخصته كان بعد 4 أشهر، لكنه اعتبر ذلك معقولا مقارنة بالمشاكل التي يعرفها من لا يملكون عقود ملكية.
المياه المالحة تقلل جودة التمور
تواجه مناطق واحات النخيل مشكلة صعود المياه المالحة واختلاطها بالعذبة، خاصة في ولاية الوادي، بحسب وزارتي الموارد المائية والفلاحة الجزائريتين، غير أن مسؤولا بمصلحة إنتاج وتحسين التمور بالمعهد التقني لتنمية الزراعة الصحراوية أكد لـ"العربي الجديد" أن مشكلة المياه المالحة مطروحة في جميع المناطق الصحراوية، وهو ما يؤثر على كمية وجودة التمور المنتجة خاصة دقلة نور.
وتابع المسؤول الذي حبذ إخفاء هويته حتى لا يتابع إداريا في عمله، إن ارتفاع نسبة الملوحة في مناطق أشجار النخيل يؤثر سلبا على كمية الإنتاج ونوعيته، فكلما كانت النسبة عند 4 غرامات في اللتر الواحد في الماء أو أقل لا تؤثر على الجودة والكمية، ويتراوح إنتاج النخلة الواحدة بين 70 كلغ إلى 130 كلغ من دقلة نور، غير أن ارتفاعها إلى أكثر من ذلك، يخفض الإنتاج حتى 40 كلغ للنخلة الواحدة وينقص من جودة المحصول، كما يتطلب السقي لأكثر من 5 مرات في الشهر بدل مرة كل 20 يوما عندما تكون النسبة طبيعية.
وأشار إلى أن مشكلة الملوحة من بين العوامل التي صعبت عملية الحصول على تراخيص لحفر الآبار، وزيادة طول المسافة الواجب توفرها بين نقطة وأخرى لحفر بئر ماء.
تعددت الأسباب والنتيجة واحدة
تعد مشكلة آبار السقي من بين العوامل التي تقف وراء ارتفاع سعر دقلة نور، بحسب ما يؤكده رئيس الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين حاج الطاهر بولنوار لـ"العربي الجديد"، غير أن عليوي، الأمين العام لاتحاد الفلاحين الجزائريين، يرى الأسعار معقولة إلى حد ما، كون تمور دقلة نور تتطلب تكاليف وإمكانات لتخزينها لأنها منتجة في مناطق حارة، لكن منتجي التمور يضيفون نقص اليد العاملة والمضاربة وتهريب دقلة نور لتسوق باعتبارها منتوجا مغربيا أو تونسيا إلى قائمة الأسباب التي رفعت سعرها هذا العام في رمضان.
وفي انتظار حل هذه المشاكل ورخص الأسعار، في بلد يحتل المرتبة التاسعة في قائمة مصدري التمور والمرتبة الرابعة من حيث الإنتاج عالمياً، يواصل عون الأمن الأربعيني الطيب محمد مقاطعة دقلة نور، إذ إن أجره اليومي لا يتجاوز ألف دينار (9.2 دولارات)، ولا تسمح له ميزانيته التي وضعها للشهر الفضيل بشراء الكميات التي كان يقتات بها في كل عام.