"أمضيتُ في سجون الاحتلال 24 عاماً خلف القضبان، أخشى إعادة اعتقالي، كما حدث مع زملائي، أصبحت أتجنب القيام بالعديد من الأمور العادية، كالتنقل بين المحافظات، لأبقى حرّاً وسط عائلتي". بهذه الكلمات شرح عامر القواسمي الأسير المحرر في صفقة "وفاء الأحرار" التي تعرف بصفقة (شاليط)، معاناة الحياة في انتظار الاعتقال، كما وقع لـ 80 أسيراً محرراً في ذات الصفقة، من بينهم 45 أسيراً تم إعادة الحكم عليهم مرة ثانية، بعد الإفراج عنهم ضمن الصفقة التي جرت بين حركة حماس والاحتلال الإسرائيلي 2011 لإطلاق سراح الجندي جلعاد شاليط.
قلق دائم
تتلقى المحامية في هيئة الأسرى، عبير بكر، اتصالات هاتفية من عدد من الأسرى المحررين، آخرها كان أحدهم يسأل، هل أستطيع التنقل من بيت لحم إلى رام الله عبر الحاجز، هل هذا خرق للصفقة؟ تقول المحامية بكر لـ"العربي الجديد": "سألني أحدهم هل أستطيع زيارة زوج شقيقتي المريض من حركة حماس؟ بالطبع إنهم خائفون من إعادة اعتقالهم بحجج واهية".
حالة القلق هذه عكست رفض عدد من الأسرى الكشف عن أسمائهم ضمن هذا التحقيق، خوفاً من أن يكون التصريح للإعلام بمثابة "خرق للصفقة" يجرهم إلى المعتقل مرة ثانية. يؤكد الأسرى امتناعهم عن المشاركة في الفعاليات أو المحاضرات أو أي مهرجان اجتماعي أو تربوي، وهو ما يصفه المحامي محمود حسان، مدير الوحدة القانونية في مؤسسة الضمير، من أن المحررين يعيشون في "صمت حذر" يمتنعون عن الكلام، أو المشاركة في أي فعالية حتى لو كانت اجتماعية، كي لا يبرر الاحتلال إعادة اعتقالهم.
شروط الصفقة
تستند إسرائيل إلى أن الإفراج عن الأسرى تم بشروط، أهمها "عدم قيام المحررين بأي عمل يمس أمنها" وهو ما تراه المحامية عبير بكر شرطاً ضبابيّاً لا يمكن تفسيره قانونيّاً أو تطبيقه فعليّاً من المحررين، ما جعلهم عرضة للاعتقال، وهو ما دفع الأسير المحرر عامر القواسمي إلى الامتناع عن التنقل الكثير أو المشاركة في أي فعالية كي لا يتعرض للاعتقال.
ويتفق عبد الناصر فروانة، مدير دائرة الإحصاء في هيئة شؤون الأسرى مع الآراء السابقة من أن شروط الصفقة لم تكن واضحة قانونيّاً، ما دفع بالمحتل إلى خلق ثغرات لتبرير الاعتقال. ويحذر عبد الناصر فروانة من أن يكون ما يحصل مع الأسرى المحررين من إعادة اعتقال ممنهج، تخطيطاً منظماً من إسرائيل لتجميل حل الإبعاد مستقبلاً، للأسرى بدلاً من التحرر الكامل والاستقرار في وطنهم. لكن من وجهة نظر النائب عن حركة حماس، أنور زبون، فإن المحررين لم يخرقوا الصفقة التي أفضت إلى خروج 1027 أسيراً، يقول "الاحتلال لا يحتاج إلى مبرر لاعتقال المحررين دون تهمة".
ويؤيد النائب عن حركة حماس، خالد طافش، ما قاله زبون من أن إعادة الاعتقال تمت بقرار سياسي ليس له علاقة بالإخلال ببنود اتفاق إطلاق السراح، مضيفاً لـ"العربي الجديد": "تاريخيّاً الاحتلال لا يلتزم باتفاقيات، ولا يجبره على الالتزام إلا "القوة"، والتهم معدّة مسبقاً".
أدلّة الإدانة المزعومة
تبين الإجراءات القانونية المتبعة في إعادة اعتقال محرري صفقة "وفاء الأحرار" أن جهاز الشاباك الإسرائيلي كان يجمع معلومات عن المحررين، من اليوم الأول للإفراج عنهم، واعتبرها "أدلة إدانة" و"إخلالاً ببنود الصفقة"، كما تقول المحامية، بكر، والمحامي محمود حسان لـ"العربي الجديد". يؤكد المحرر القواسمي حدوث عملية المراقبة: المخابرات الإسرائيلية أرسلت إلي طلباً لمراجعتها، سألتني عن تفاصيل دقيقة ومع من أتواصل.
اللافت أن بعض المعلومات التي اعتبرها الاحتلال أدلة إدانة -بحسب المحامية بكر- كانت لمحرر شارك في جنازة ناشط من حركة حماس، وآخر شارك في مظاهرة وغيره زار شقيق زوجته المنتمي إلى حركة حماس في العيد.
لكن الأكثر غرابة، هو ما قالته زوجة الأسير المقدسي المحرر، الذي أعيد اعتقاله، علاء الدين البازيان، من أن تهمة زوجها كانت المشاركة في مهرجان ليوم المرأة العالمي، وآخر لعيد الأم، ومشاركته في احتفال مدرسي، وتلقيه اتصالات من أسرى محررين عاشوا معه في السجن للاطمئنان عليه، بالإضافة إلى تهمة تلقيه راتباً من جهة معادية، والتي تمثل بحسب ما قالته زوجة البازيان لـ"العربي الجديد" السلطة الفلسطينية، إذ يتلقى الأسير مخصصاته الشهرية عبرها.
تبرير الاعتقال
تشتكي المحامية بكر من أن أحد بنود تصريح إطلاق سراح الأسرى ينص على "منع القيام بأي تهمة حكمها وفق القانون الإسرائيلي أكثر من 3 أشهر، وضربت المحامية بكر مثالاً "لو وقع حادث سير في القدس أو الداخل المحتل وقُتل شخص في الحادث مثلاً، هل سيتم إعادة اعتقال الأسير المحرر وإعادة حكمه السابق"، ويتفق المحامي حسان مع الرأي السابق ويصر على القول "الاحتلال خلال مفاوضات الصفقة سن قوانين تضبط عملية إعادة الاعتقال، إذ كانوا يعدون لهذا الملف مسبقاً، حتى لا يتمكن المحامي، اليوم، من أن يقول إنه لا يوجد قانون لإعادة الاعتقال للأسرى المحررين".
دور المحامين
دفعت التصرفات الإسرائيلية السابقة المحامية بكر إلى التقدم بطعون ضد إعادة اعتقال عدد من الأسرى أمام المحكمة الإسرائيلية العليا، جاء في عريضة الدعوى أن الاعتقال سياسي انتقامي وجرى لاعتبارات غير موضوعية، إذ تم في ليلة واحدة اعتقال 50 محررا، بعد اختفاء 3 مستوطنين، وطعن آخر، كما أن أدلة الإدانة لا تتسم بالمعقولية.
الأسير المحرر والنائب أنور زبون أكد أن حال الأسرى أمام محاكم الاحتلال صعب، فالملفات السرية التي تُعد مسبقا لإدانة الأسرى والمحكمة الصورية تحول دون قدرة المحامين على الدفاع عن الأسرى.
من المسؤول
يرى عبدالناصر فروانة أن المحررين الذين أعيد اعتقالهم يعدون ضحية عدم نشر بنود الصفقة كاملة وبوضوح، ويجعل مسؤولية الإفراج عنهم تقع على عاتق القيادة والمقاومة والراعي المصري، قائلا "كان على المفاوض الحصول على شروط تحمي الأسرى مستقبلا، لأن إسرائيل وضعت تهما جاهزة في إطار ما يسمى بالإخلال بأمن إسرائيل بعد ما لم تجد تهماً جديدة ضدهم".
يختلف النائبان طافش وزبون مع رأي مدير دائرة الإحصاء في هيئة شؤون الأسرى، مؤكدين أنه لا وجود لبنود سرّية في الصفقة، لأن حماس لا تخفي شيئا، يقول طافش "كل البنود وتفاصيل الصفقة كانت معروفة ومعلنة للجميع، ومن يتحدث بأن حماس لم تعلن البنود، فقط يقوم بذلك من أجل مناكفات سياسية بين فتح وحماس لا علاقة لها بالصفقة".
يؤيد النائب زبون الطرح السابق قائلا إن حماس لم تكن وحدها في الصفقة، إذ كان الراعي المصري وأطراف خارجية أخرى متواجدين خلال كافة مراحل المفاوضات، وحمّل الراعي المصري مسؤولية التحرك والمتابعة للإفراج عن الأسرى الذين أعيد اعتقالهم، قائلا "القيادة في رام الله تتحمل المسؤولية أيضا"، في الوقت ذاته حمل النائب طافش القيادة في رام الله المسؤولية، قائلا "القيادة غير قادرة على الإفراج عنهم، إذ لم تستطع حتى الإفراج عن النواب المعتقلين". وعن دور حركة حماس ومسؤوليتها في الإفراج عن الأسرى، قال إن دورها سيأتي في صفقة مقبلة.
ويحمّل الأسير المحرر عامر القواسمي القيادة في رام الله وحماس والراعي المصري المسؤولية الكاملة عن إعادة اعتقال المحررين، بينما تحمل زوجة الأسير المقدسي المحرر الذي أعيد اعتقاله علاء الدين البازيان المسؤولية بالدرجة الأولى للراعي المصري الذي لم يتحرك والقيادة الفلسطينية بالدرجة الثانية. فيما يرى المحامي حسان أن المسؤولية الكاملة تقع على على القيادة الفلسطينية والراعي المصري للصفقة، وأن حماس "لا حول لها ولا قوة" فقد أنجزت الصفقة، وعلى القيادة أن تجري مباحثات مع إسرائيل من أجل إعادة الإفراج عن الأسرى لإجبارها على تنفيذ شروط الصفقة وهو ما قد يساهم في ضمان تطبيق أي صفقات تبادل مع الاحتلال بشكل أكثر جدية.
---------
اقرأ أيضا :
"العربي الجديد" يكشف..آلة ابتزاز الفلسطينيين في جيش الاحتلال الإسرائيلي
مشعوذون يستغلون الغزيين.. السحر بديلاً للطب
ثمن فك الارتباط..أردنيون من أصل فلسطيني محرومون من الجنسية