شهدت علاقات مصر الخارجية توترا كبيرا مع العديد من دول العالم في عهد عبدالفتاح السيسي، غير أن تردي العلاقات مع دول حليفة وصديقة لنظامه أو تلك التي تغاضت عن انتهاكات وتجاوزات حقوقية، يعد مؤشرا على تخبط واضح في قدرة النظام على إدارة ملف علاقاته الخارجية حتى على مستوى حلفائه، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية التي دعمت نظام السيسي بشكل لم يسبق له مثيل طوال تاريخ العلاقات بين البلدين، وهو ما يبدو في تقرير عرضه محافظ البنك المركزي على البرلمان المصري في أغسطس/آب الماضي، كاشفا أنه من بين 8 مليارات دولار دعمت بها المملكة الاقتصاد المصري منذ الإطاحة بالرئيس المخلوع حسني مبارك في عام 2011، تلقى نظام ما بعد 30 يونيو/حزيران 6 مليارات دولار، إلى جانب مساعدات بترولية كبيرة، كذلك فقد حملت زيارة الملك سلمان لمصر في أبريل/نيسان الماضي وعوداً بمجموعة كبيرة من المنح والمساعدات بلغت 60 مليار ريال وفق ما بثه موقع العربية السعودي، كان من بينها اتفاق بين شركة أرامكو السعودية والهيئة المصرية العامة للبترول يتم بموجبه إمداد مصر بمنتجات بترولية بواقع 700 ألف طن شهريا لمدة خمس سنوات، وهي الاتفاقية التي كان تعطلها مطلع شهر أكتوبر/تشرين الأول الجاري إشارة ببدء تغير شكل العلاقات بين البلدين.
خيبة أمل الحلفاء
خلال ما يقرب من ثلاثة أعوام توالت خيبات أمل المملكة من السيسي واحدة تلو الأخرى، بدءًا من المشاركة الضعيفة للجيش المصري في التحالف العربي الذي تم تشكيله لمواجهة الحوثيين ومليشيات الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، مرورا بفشل السيسي حتى الآن في إتمام صفقة التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للمملكة، بسبب الضغط الشعبي ميدانياً وقضائياً، غير أن تصويت مصر في مجلس الأمن لصالح القرار الروسي الخاص بالوضع السوري ضد الرغبة السعودية، يمكن اعتباره القشة التي قصمت ظهر البعير. وربط خبراء ومحللون اقتصاديون بين قرار المملكة وقف شحنات النفط التي كان مقررا أن تصدرها المملكة إلى مصر عبر شركة أرامكو، وبين تصويت مصر لصالح الروس، وهو ما تبعه نقد حاد من مراكز قوى سعودية كان من بينها خالد التويجري رئيس الديوان الملكي السابق، والذي كان أشد داعمي السيسي بعد 30 يونيو/حزيران، إذ قال في تغريدة على موقع تويتر "أنسيتم مواقفنا معكم كأشقاء".
ويربط خبراء بين تقارب السيسي الحذر مع إيران العدو اللدود للسعودية، وبين عملية تزايد التوتر، إذ وفق ما كشفته صحيفة الغارديان، فإن طهران قد مارست ضغطاً كبيراً على روسيا لدعوة مصر إلى حضور مؤتمر لوزان في سويسرا الخاص بالشأن السوري، وهو ما أثار انتقادات نادرة لنظام السيسي في الصحافة السعودية، كما أن مصر سعت مؤخرا إلى الحصول على النفط العراقي مقابل تصدير السلاح لحكومة حيدر العبادي المقربة من إيران، وهو ما يعد مؤشرا على تزايد التقارب المصري مع إيران وحلفائها ما يهدد علاقات السيسي بالمملكة العربية السعودية أهم داعم لنظامه.
المغرب
على الرغم مما يمكن وصفه بالعلاقات الطبيعية بين النظامين المصري والمغربي، إلا أن تلك العلاقات قد شهدت عدة توترات، بسبب الاتهامات المغربية للنظام المصري بدعم جبهة البوليساريو الانفصالية، بعد أن قامت وسائل إعلام مقربة من نظام السيسي بمهاجمة المغرب، حتى وصل الأمر إلى مهاجمة العاهل المغرب، بعد زيارته تركيا ومقابلة الرئيس رجب طيب أردوغان نهاية 2014، وقتها ردت الرباط على هجوم النظام المصري في تقريرين بثهما التلفزيون الرسمي المغربي وصفا السيسي بقائد الانقلاب، ومحمد مرسي بالرئيس الشرعي وفق ما قاله دبلوماسي مغربي لوكالة الأناضول، وهو ما تبعه قصف إعلامي عنيف للمملكة شعباً وحكومة من وسائل إعلام مصرية مقربة من النظام الحاكم.
إلا أنه خلال فترة قاربت العام ونصف العام، اتسمت تلك العلاقة بالهدوء، تخللها بعض التقاربات مثل تبادل الاتصالات بين السيسي والعاهل المغربي، كما قام بنك "التجاري وفا بنك" أحد البنوك المغربية، بالاستحواذ على أحد البنوك العاملة في مصر "بنك بركليز"، إلا أن ذلك لم يستمر طويلاً، بعد أن استقبلت مدينة شرم الشيخ المصرية مؤخراً وفداً من جبهة البوليساريو الانفصالية خلال جلسات البرلمان الأفريقي، ما أعاد العلاقات إلى مربع التوتر الذي انعكست صورته على التناول الإعلامي النقدي المغربي للنظام المصري. ويرى محللون أن تقارب العلاقات المغربية الخليجية وتوتر تلك العلاقات في الوقت ذاته يعدان عاملاً مهماً في ملف العلاقات المتذبذبة بين البلدين.
الإمارات
تعد الإمارات أهم داعم وحليف لنظام السيسي، إذ قدمت دعماً غير مسبوق للنظام، منذ الإطاحة بمحمد مرسي تمثل في دعم ومساندة دولية ومالية بلغت 6 مليارات دولار وفق تقرير البنك المركزي المصري، فضلاً عن عدد كبير من الاستثمارات والاستشارات المالية، غير أن تلك العلاقات شهدت توترا، "ظهر في سحب مستشاريها من القاهرة بعد أن فقدت الصبر على السيسي بسبب قصور الحكومة، وشعور المستشارين بالإحباط من البيروقراطية المتحجرة" وفق ما أوردته مجلة الإيكونومست البريطانية في تقرير لاذع بعنوان "تخريب مصر"، قالت خلاله إن القيادة المصرية، على ما يبدو، لا تريد النصيحة من الخليجيين، الذين يتلاعبون بالمال مثل الأرز، كما قال السيسي ومساعدوه في أشرطة مسربة".
وربط نشطاء بين انتقادات عبد الخالق عبد الله مستشار ولي عهد أبوظبي على حسابه الشخصي بموقع تويتر لأسلوب إدارة الأزمة الاقتصادية في مصر، وبين توتر العلاقات بشكل مكتوم غير باد للعيان.
وأرجع عبدالله في تغريداته أزمة مصر إلى سوء الإدارة وليس إلى ندرة الموارد التي عدّد من بينها 141 منجم ذهب و191 حقل نفط، ولعل أشد تلك التغريدات كانت تلك التي طالب خلالها السيسي بعدم الترشح في انتخابات الرئاسة المقبلة عام 2018، قائلا "الإيكونميست تدعو الرئيس السيسي لعدم الترشح للرئاسة 2018، وربما حان الوقت أن يسمع هذه النصيحة الحريصة من عواصم خليجية معنية بمستقبل الاستقرار في مصر".
أما عن باقي دول العالم، فقدت شهدت علاقات النظام توترا مع العديد من دول العالم، من بينها إيطاليا بعد واقعة مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، إذ سحبت روما سفيرها من القاهرة على إثر الحادث، كما توترت العلاقات مع المكسيك التي قصفت طائرة حربية فوجاً سياحياً لمواطنيها، وبالمحصلة فإن أقرب حلفاء السيسي يعد الكيان الصهيوني الذي يدعم نظامه المنبطح والمطبع، بشكل غير مسبوق في تاريخ الدولة المصرية.