بعد انتهاء عملية اقتحام جنود الاحتلال الإسرائيلي منزل الفلسطيني أحمد أبو هاشم في بلدة بيت أمر شمال محافظة الخليل بالضفة الغربية، وتدمير ممتلكاته، اكتشف اختفاء مبلغ مالي مقدر بـ1600 شيقل (426 دولارا أميركيا) و200 دينار أردني (282 دولارا) وخاتم ذهب عقب مغادرة الجنود المنزلَ في 10 يناير/كانون الثاني 2017.
يروي أبو هاشم ما حدث قائلا: "اقتحم الجنود الإسرائيليون المنزل بعد خلع البوابة الخارجية، وجردوا أفراد العائلة من هواتفهم وهوياتهم واحتجزونا في إحدى غرف المنزل وأحكموا إغلاقها، ثم غادروا بعد أن عاثوا به فسادا، دون أن يصرحوا بأنهم صادروا أي مبلغ مالي".
بعد اكتشاف السرقة، توجه الخمسيني هاشم إلى ضابط المخابرات الإسرائيلي الذي جاء ضمن القوة التي داهمت المنزل، وأخبره أنه فقد مبلغا ماليا بعد ذهابهم، لكنه رفض منحه ما يفيد بمصادرة أي شيء من المنزل أو الإقرار باختفاء المال والخاتم ولا يزال الموضوع عالقا كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفا أنه تقدم بشكوى عبر الارتباط العسكري الفلسطيني وتابعها لكنه لم يتلق ردوداً حتى الآن.
نهب متكرر
وثقت معدة التحقيق 50 حالة سرقة حدثت لعائلات، عقب اقتحام جنود الاحتلال منازلها، في محافظات الضفة الغربية، خلال السنوات الأربع الأخيرة.
ومن مجمل الحالات الموثقة: 20 حالة سرقة في محافظة الخليل و5 في نابلس، و2 في طولكرم، وحالتان في أريحا، و4 حالات في طوباس، و4 حالات في جنين، و6 حالات في بيت لحم، وحالتان في قلقيلية وفي رام الله 3 حالات و2 بالقدس المحتلة.
التوثيق الذي أجرته معدة التحقيق عبر البحث الميداني، وما صرح به مواطنون تعرضت ممتلكاتهم للسرقة لوسائل الإعلام ومؤسسة الحق (منظمة حقوقية فلسطينية)، وجرت وقائعه خلال الفترة من أكتوبر/تشرين الأول 2015 وحتى أكتوبر 2018، حول ممتلكات مفقودة عبارة عن هواتف ذكية وحواسيب، وأموال ومصاغات ذهبية و4 جرارات زراعية و10 مركبات.
وقُدرت قيمة الممتلكات تحت بند "مسروقة" وليست مصادرة، حوالي مليون دولار إضافة إلى 10 كيلوغرامات من المصاغ الذهبي.
وكشف التوثيق الذي أجرته معدة التحقيق أن المعنيين بـ22 حالة لم يتقدموا بشكوى لأسباب تتعلق بخوف بعضهم، أو عدم ثقتهم باسترجاع ممتلكاتهم المسروقة، فيما تقدم 28 منهم بشكوى لمراكز الشرطة المدنية والارتباط العسكري ومؤسسات حقوقية فلسطينية وإسرائيلية، واستطاعات 3 حالات فقط استرجاع ممتلكاتها بينما رفضت 9 دعاوى بعد إنكار المتهمين و16 حالة لا تزال في طور التحقيق فيها.
وعلى الرغم من عدم وجود توثيق كامل لهذه الظاهرة، من قبل المؤسسات المختصة، إلا أن نادي الأسير الفلسطيني يشير إلى تصاعد وتيرة سرقة الممتلكات خلال السنتين الأخيرتين بشكل كبير حتى صارت هذه الحوادث شبه يومية.
ويؤكد تقرير أعده المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان (منظمة دولية تعنى بحقوق الإنسان) في عام 2014 ما ذهبت إليه معدة التحقيق، إذ يكشف أن سلطات الاحتلال استولت في عام 2014 على 2.9 مليون دولار خلال مداهمات لمنازل ومؤسسات بالضفة الغربية منها 370 ألف دولار نقدا وصادرت قرابة 93 حاسوبا محمولا وعشرات الهواتف النقالة وسيارات خاصة ومعدات وأثاثا مكتبيا، قدرت قيمتها بـ 800 ألف دولار، ومعدات خاصة بمصنع ألبان بالخليل قيمتها 812 ألف دولار، عقب عملية اختطاف المستوطنين الثلاثة في العام ذاته.
المصادرة نوع آخر من السرقة
صادرت قوات الاحتلال 3 ملايين دولار خلال العام 2017 أثناء قيامها بعمليات مداهمة للمنازل والمؤسسات، وحوالي 650 ألف شيقل حتى نهاية مايو/أيار 2018، وفق إحصائية رصدها مركز صفد للبحوث السياسية.
ويقول مدير الوحدة القانونية في مؤسسة الضمير لرعاية الأسير وحقوق الإنسان، المحامي محمود حسان، إن مصادرة الأموال قرار من إدارة جيش الاحتلال، وعند تقديم طلب اعتراض من المواطن الفلسطيني الذي تمت مصادرة أمواله، أو ممتلكاته دائما ما يقدم الجيش تقريراً سرياً يشير إلى أن الممتلكات داعمة لما يدعونه بـ"الإرهاب"، مضيفا أن الأمل باسترجاع الأموال صعب جدا، لأنه من المستحيل معرفة ما هو مكتوب بالتقرير السري، ومستحيل الدفاع عن هذه الممتلكات وإثبات أن هذه الأموال قد تكون ميراثاً، أو ثمناً لعقار، أو قطعة أرض، وهو ما يؤكده محامي نادي الأسير الفلسطيني، أكرم سمارة، والذي قال إن أساليب سرقة الاحتلال ممتلكات الفلسطينيين كثيرة، منها مصادرة الأموال بدون ملف سري، أي أن سبب مصادرة هذه الأموال أو الممتلكات معروف، كأن تكون التهمة أن هذه الأموال لتنظيم سياسي معين أو لتمويل أعمال يصفونها بالـ"إرهابية"، ولإثبات خلاف ذلك، يجب تقديم الاعتراض فيها إلى محكمة العدل العليا وليس المحكمة العسكرية بأمر مما يسمى قيادة المنطقة بالضفة الغربية، لكن مجموع المصاريف والتكاليف للوصول إلى المحكمة العليا قد يفوق المبلغ الذي صادرته قوات الاحتلال، وبالتالي فإن جدوى هذه القضية قد تكون صفرا.
والنوع الثاني من سرقة ممتلكات الفلسطينيين بحسب سمارة، هو من خلال الكفالات العدلية التي يدفعها الفلسطينيون عندما يتم اعتقالهم، أو استجوابهم والإفراج عنهم بكفالة، ويجهل العديد من الفلسطينيين أنهم يستطيعون استرجاعها، مشيرا إلى أن قيمة الكفالات العدلية في الضابطة المالية الإسرائيلية في مركز "بيت إيل" بلغت في العام 2013 أكثر من 60 مليون شيقل وهي حق لمن دفعوها من الفلسطنيين، ويقدر سمارة قيمة الكفالات المالية خلال هذا العام من بدايته حتى منتصف شهر نوفمبر 2018 بحوالي 80 مليون شيقل.
متضررون بانتظار الرد على الشكاوى
بلغت نسبة المصادرة أو السرقة أثناء حالات المداهمة والاعتقال 50٪ في الخليل، و15٪ في جنين، و17% في طولكرم، و5% في بيت لحم و5% في قلقيلية و40% في نابلس و5% في رام الله، بمتوسط 20 % من إجمالي حالات المداهمة والاعتقال التي وثقها نادي الأسير خلال العام 2018.
ويحول عدم القدرة على التمييز بين السرقة والمصادرة لدى المواطن الفلسطيني دون توثيق دقيق للظاهرة رغم أن مصادرة الأموال والممتلكات يجب أن تكون مرفقة بورقة تفيد بذلك، بحسب ما أكده مسؤولون في نادي الأسير، لكن ذلك لم يحدث مع الأسير المحرر رامي الطياح، الذي تعرض منزله في مدينة طولكرم للاقتحام في 19 يونيو/حزيران 2018، من قبل جنود الاحتلال، وطلب الضابط الإسرائيلي منه إحضار كل ما في المنزل من نقود ووضعها على الطاولة كما يقول لـ"العربي الجديد".
يتابع رامي: "ظننت أن هدف الضابط، هو منع سرقة الجنود الممتلكات، فأحضرت كل ما أملكه من أموال، بما في ذلك حصالات أبنائي وعيدية زوجتي من عيد الفطر الماضي، ومصروف البيت، ما مجموعه 3500 شيقل و150 ديناراً أردنياً". لكنه فوجئ أن الضابط أخذ النقود ووضعها في كيس، وقال له: "هذا المال مصادر، لأنه يدعم الإرهاب"، دون أن يعطيه ورقة تفيد بذلك.
توجه الطياح إلى مؤسسات الحق والضمير والمحافظة والارتباط العسكري الفلسطيني، وحتى إلى مؤسسات إسرائيلية منذ حوالي شهرين لكن دون تلقي أي ردود كما يقول.
شكاوى لا يتم التحقيق فيها
على الرغم من تصاعد وتيرة هذه الظاهرة، إلا أن عدم جدية التحقيقات أدى إلى عزوف المواطنين عن الشكوى، إذ تلقت مؤسسة الضمير حوالي 10 شكاوى فقط خلال العام 2018، بعضها ما زالت التحقيقات حوله قائمة وبعضها الآخر قيدت ضد مجهول.
ويؤكد الباحث الميداني في مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة "بيتسيلم"، موسى أبو هشهش أنه وثق خلال السنوات الأخيرة أكثر من 100 حالة سرقة لجنود الاحتلال أثناء مداهمة المنازل واقتحام المحال التجارية لسرقة البضائع وعلب السجائر، قائلا إن مؤسسته قدمت منذ عام 2000 وحتى عام 2015 حوالي 739 شكوى اعتداء على الفلسطينيين وممتلكاتهم، مضيفا أن المعطيات التي وصلت إليها "بيتسيلم" تفيد بأن احتمال انتهاء الشكاوى بلائحة اتهام هو 3٪ فقط من إجمالي الحالات.
ولا تجد الشكاوى التي تقدم إلى الشرطة الإسرائيلية، آذانا صاغية، وحتى التحقيق فيها يتم بشكل سطحي، وعادة لا يتم تقديم المتورطين للمحاكم، بحسب مدير الوحدة القانونية في مؤسسة الضمير المحامي محمود حسان الذي قال إن 99٪ من القضايا التي يرفعها الفلسطينيون ضد الجنود تغلق لعدم كفاية الأدلة، أو لعدم وجود المشتبه به، مضيفا أن قضايا السلب والنهب من داخل البيوت، تلقى نفس مصير شكاوى التعذيب والإهانة وحتى الاستشهاد.
وبموجب المادة 147 من اتفاقية جنيف الرابعة، فإن محاكم الاحتلال هي المختصة بالنظر في هذه التصرفات والممارسات؛ وعليه فإن القانون الجزائي الإسرائيلي هو المخول بالنظر في هذه القضايا، وفقا لما أفاد به محامي نادي الأسير الفلسطيني أكرم سمارة، لكن إذا ما تمت محاكمة الجنود بعد إدانتهم بالمخالفة فإن الأحكام تكون مخففة جدا ولا تتناسب مع حجم المخالفة، أو الانتهاك بحسب حسان، مشيرا إلى أن المحاكمة للجنود، غالبا ما تكون بالسجن لفترات قصيرة والخروج بعطل شبه أسبوعية، أو السجن فقط في فترة الليل.