قبل عام سافر نور أحمد، أحد سكان إقليم خوست جنوبي أفغانستان، إلى مدينة بيشاور، شمال غربي باكستان، من أجل إنهاء قضية نزاع على قطعة أرض، بينه وبين ابن عمه، في محكمة تابعة لحركة طالبان.
بذل أحمد جهداً كبيراً وأموالاً طائلة لحل القضية في محكمة محلية في خوست، لكن بلا جدوى، إذ إن تسويف المحاكم الحكومية والخوف من إراقة الدماء بين الأسرتين، أجبراه على اللجوء إلى محكمة طالبان، "التي تحسم ويلتزم الجميع بقرارها" كما يقول.
محاكم طالبان ليس لها مكاتب
على غرار نور، فإن مئات من أبناء أفغانستان يلجؤون إلى محاكم طالبان، في محاولة من أجل العدالة الناجزة، وبسبب تفشي الفساد، في القضاء الرسمي، ودفع الرشى، كما كشفت التقارير الدولية والوقائع الموثقة التي تناولها الجزء الأول من التحقيق.
تعمل محاكم طالبان، عبر تعيين الحركة قاضيا أو هيئة قضائية على مستويات مختلفة (المديرية، الإقليم، البلاد)، من دون أن تكون لهم مكاتب خاصة يرجع إليها الناس، وذلك خوفا من استهدافها من قبل الجيش الأفغاني والقوات الدولية، كما يكشف مسؤول في إحدى محاكم طالبان، لـ"العربي الجديد".
يضيف المسؤول القضائي أن "أسر بعض قيادات طالبان بما فيهم العلماء والقضاة كانت في باكستان، وبالتحديد في مدينتي بشاور وكويتا. لذا فإن القضاة المعينين كانوا يمضون أوقاتهم بين أفغانستان وباكستان. من هنا كان المواطن الأفغاني بحاجة في بعض الأحيان إلى السفر إلى باكستان كي يمثل أمام محكمة طالبان أو قاض من قضاتها. إلا أن الحركة منعت مؤخرا تصفية القضايا في باكستان، مطالبة جميع العاملين في المحكمة بالبقاء في أفغانستان أو الاستقالة من مناصبهم".
اقرأ أيضا: قضاء أفغانستان [1/2].. المال يشتري المناصب والأحكام
أنواع المحاكم
تنقسم محاكم طالبان إلى ثلاثة أقسام، الأول هو المحكمة الابتدائية وتكون على مستوى المديريات. وهي غالبا ما تنظر في قضايا الحقوق، الخاصة بنزاعات الأفراد وبعضهم بعضا، والمستوى الثاني يسمى بمحاكم المرافعة وتكون على مستوى الأقاليم، والمستوى الأخير، هو محكمة التمييز وهي محكمة على مستوى البلاد.
ويقول أحد العاملين في تلك المحاكم لـ"العربي الجديد"، "ابتداء تقدم القضية أمام المحكمة الابتدائية، ولا يمكن رفعها في المرافعة والتمييز إلا القضايا التي تتعلق بالحدود كحد القصاص والرجم وغيرهما، أو عدم رضا أطرافها بحكم الابتدائية أو المرافعة".
أما تعيين القضاة فيتم من قبل مجلس الشورى القضائية في الحركة، ولا بد من اعتماد زعيم الحركة لهم، الموصوف بأمير المؤمنين، على مستوى الحركة.
اقرأ أيضا: عصابات باكستان .."البتهة" أو الموت
تأسيس قضاء طالبان
في عام 1995، وقت أن ظهرت حركة طالبان كان أمراء الحرب يسيطرون على كافة الأقاليم الأفغانية، في ذلك الوقت كانت سيادة القانون غائبة بشكل كامل عن أفغانستان، وهو ما استغله زعيم الحركة الملا محمد عمر، ليعلن فور السيطرة الحركة على مناطق الجنوب، وقبل الوصول إلى العاصمة كابول، عن تشكيل كيان قضائي يعمل في المناطق الخاضعة له من أفغانستان.
بعد السيطرة على كابول كان إقامة هيئات قضائية، مع إجراء تعديلات كبيرة في قوانين البلاد القضائية، أكبر هم لطالبان، كما يوضح سيد جهان، القيادي في حركة طالبان، لـ"العربي الجديد". يضيف جهان "محاكم طالبان تنفذ جميع أنواع العقوبات، ولديها قدرة على إلزام كل الأطراف باحترام أحكامها".
بحسب جهان القريب من المؤسسة القضائية الطالبانية، فإن الحركة لم تتمكن من إعادة تأسيس كيانها القضائي لسنوات عديدة بعد سقوط حكومتها في عام 2001، ولكن ما إن وجدت لنفسها موطئ قدم خلال الأعوام الأخيرة، حتى سارعت إلى إعادة تشكيل محاكمها تدريجيا. وكانت لها لجان قضائية في المناطق الأفغانية ولها أماكن عمل معلومة، إلا أنه وبعد استهدافها من قبل الطائرات الأميركية، اكتفت الحركة بتعيين قضاة في كل منطقة دون أن يكون لها مكاتب، كما يؤكد سيد جهان لـ"العربي الجديد".
اقرأ أيضا: ليبيا.. سلفيو "حفتر" يشنّون حرباً على الصوفية
آلية تسيير القضايا في محاكم طالبان
تعتمد آلية عملية محاكم طالبان على عرض القضية أمام القضاة بمجرد حضور المدعي والمدعى عليه، وإحضار المستندات والشهود. يقوم القاضي المختص أو عدد من القضاة ممن ينظرون في القضية بسماع روايات الطرفين والشهود، وبعد سماع القضية يخلو القاضي أو الهيئة لفترة وجيزة قبل أن يسمع الحكم، ثم يكتبه على ورقة رسمية، تؤخذ إلى الجهة المنفذة في المنطقة، وتشتهر هذه المحاكم بسرعة البت في القضايا، إذ تستغرق القضايا بين ساعات إلى عدة أيام على الأكثر، وهو ما يميزها عن محاكم الدولة التي قد تستغرق القضايا فيها أعواماً، كما يقول عبد الهادي حميد، أحد سكان مدينة خرنه بإقليم بتكتيكا، موضحا أنه أمضى سنة كاملة في المحاكم الأفغانية لحل قضية نزاع مع جار له على قطعة أرض ولكن بلا فائدة.
ذهب هادي وخصمه إلى قاضي طالبان وجلس معه في أحد المساجد. القاضي سمع القضية مدة ساعة ونصف، ثم غاب نحو ساعة، واستشار قضاة آخرين، قبل أن يعلن الحكم ويكتبه على ورقة رسمية. لتنتهي القضية خلال ساعات.
في بعض القضايا لا تنتظر محاكم طالبان، تقدم أحدهم بدعوى أمامها، مثل أحداث القتل والجرائم الخلقية، مثل قضية قتل طبيب أفغاني وزوجته ونهب بيته، إذ نفذت طالبان حكم الإعدام في حق ثلاثة أشخاص في منطقة منغور بإقليم غزنة، اتهمهم بارتكاب الواقعة.
اقرأ أيضا: صراع "داعش" و"القاعدة" ينتقل إلى ليبيا
الفقه الحنفي مصدر قوانين طالبان
ينص دستور طالبان القضائي، على أن جميع القضايا التي تعرض على محاكمها، لا بد أن يبت فيها حسب الفقه الحنفي. ولا يمكن الخروج عنه، إلا في الحالات الاستثنائية كتناول القضايا التي تتعلق بالأجانب. كما أن القاضي هو المخول ليتصرف وفق الحالة السائدة، فيما يمكنه استشارة الهيئة القضائية العليا.
أسباب اللجوء إلى قضاء طالبان
ثمة أسباب عديدة دفعت المواطن الأفغاني إلى محاكم طالبان، أهمها الفساد، وليس عدالة الأحكام بالضرورة التي تتبناها طالبان، وذلك كما توضح دراسة النقيب ديفيد نوتا، المستشار القانوني لدى قيادة القوات المشتركة التابعة لحلف الناتو في أفغانستان.
يقول محمد رفيع أحد سكان مديرية عليشنك بإقليم لغمان، لا متابعة لقضيتك، في المحاكم الحكومية إلا بعد دفع الأموال والرشاوى للقضاة ومن حولهم من المسؤولين، إذ استغرق رفيع في المحاكم الحكومية، عاما كاملا، في نزاع على ملكية منزل، ودفع العديد من الرشى، حتى يتم البت في القضية وتمكينه من المنزل، وهو ما لم يتم إلى أن نقل القضية إلى محكمة طالبان التي بتت فيها خلال ثلاثة أيام فقط، إذ ينص دستور الحركة القضائي على عدم إطالة القضية أكثر من عشرة أيام، بالتالي تبت محاكم الحركة في القضية خلال ساعات محدودة أو أيام معدودة.
بالإضافة مشكلة دفع الأموال إلى القضاة والمسؤولين يتعين على أطراف القضية في المحاكم الحكومية تعيين محام يرفع القضية في المحكمة، ويقوم أطراف القضية بدفع أموال ضخمة إلى المحامين، بينما في محاكم طالبان لا داعي لأي محام، إذ يمكن لأطراف القضية أو وكلائهم الرسميون أو أقاربهم (في حالة الموت) أن يرفعوا الدعوى أمام المحكمة.
ويؤكد سيد جهان القيادي في الحركة أن حكم محاكم طالبان لا بد أن ينفذ، خاصة في المناطق التي تخضع لسيطرة الحركة، لأن لديها قوة تنفيذ أحكام جادة، فيما يتجاهل الأفغان أحكام المحاكم الرسمية التي تنتهي إلى مجرد حبر على ورق، رغم أنها من ناحية أصول المرافعات والشكل القضائي أقرب للعدالة في البت بين المتخاصمين، لكن تطبيقاتها تخضع لمعايير الرشوة مما أفقد الناس الثقة بها.
اقرأ أيضا: المسلمون في أميركا.. 9 حقائق توثّق وجودهم التاريخي
المسؤولون والمواطنون سواء
ينص دستور طالبان القضائي على أن المواطن الأفغاني وجميع المسؤولين في الحركة سواء أمام محاكم طالبان، ثمة أمثلة كثيرة قضت محاكم الحركة على المسؤولين بها، وحتى على قادة ميدانيين، من بينهم القائد الميداني في الحركة بإقليم كنر، مسافر خان، والذي أدين بقتل أربعة مواطنين في منطقة ساو، أقام ورثة القتلة دعوى وتقدموا بالقضية أمام محكمة طالبان، التي قضت بحكم الإعدام على القيادي ونفذ الحكم على مرأى من سكان تلك المنطقة، كما يذكر مسؤول في محكمة التمييز التابعة للحركة في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد".
فساد طالباني من نوع آخر
وفقا لما وثقته "العربي الجديد" من متقاضين أمام محاكم طالبان، لم يثبت حتى الآن تورط قضاة الحركة في طلب الرشاوى والأموال من المواطنين، ولكن ثمة أمر آخر، وقع وفقا لما أكده عدد من المتقاضين، إذ كان بعض قضاة الحركة في باكستان، يصرون على سماع القضية وحضور أطرافها في فنادق وتقديم الغداء للحضور، ومن بين الفنادق المشهورة التي كان قضاة طالبان، يقومون بنظر قضاياهم فيها فندق بلنه، وزائقه، وترسكون، في مدينة بيشاور الباكستانية.
يقول المواطن الأفغاني، محمد سميع، الذي خاض تجربة إقامة دعوى أمام محكمة تابعة لحركة طالبان، أنه حضر لأجل القضية مع القاضي والطرف الثاني ثلاث مرات إلى أحد هذه الفنادق، وكان يصرف في كل مرة خمسة آلاف روبية باكستانية ما يعادل 50 دولارا أميركيا، فيما يشكو محمد أجمل، أحد سكان قندهار، من وساطة مسؤول في الحركة لصالح خصمه، قائلا لـ"العربي الجديد"، "محكمة طالبان قضت لصالح خصمي، لأنه قريب قيادي في الحركة، ولا أملك المال اللازم لإقامة دعوى أمام محاكم الدولة".
بذل أحمد جهداً كبيراً وأموالاً طائلة لحل القضية في محكمة محلية في خوست، لكن بلا جدوى، إذ إن تسويف المحاكم الحكومية والخوف من إراقة الدماء بين الأسرتين، أجبراه على اللجوء إلى محكمة طالبان، "التي تحسم ويلتزم الجميع بقرارها" كما يقول.
محاكم طالبان ليس لها مكاتب
على غرار نور، فإن مئات من أبناء أفغانستان يلجؤون إلى محاكم طالبان، في محاولة من أجل العدالة الناجزة، وبسبب تفشي الفساد، في القضاء الرسمي، ودفع الرشى، كما كشفت التقارير الدولية والوقائع الموثقة التي تناولها الجزء الأول من التحقيق.
تعمل محاكم طالبان، عبر تعيين الحركة قاضيا أو هيئة قضائية على مستويات مختلفة (المديرية، الإقليم، البلاد)، من دون أن تكون لهم مكاتب خاصة يرجع إليها الناس، وذلك خوفا من استهدافها من قبل الجيش الأفغاني والقوات الدولية، كما يكشف مسؤول في إحدى محاكم طالبان، لـ"العربي الجديد".
يضيف المسؤول القضائي أن "أسر بعض قيادات طالبان بما فيهم العلماء والقضاة كانت في باكستان، وبالتحديد في مدينتي بشاور وكويتا. لذا فإن القضاة المعينين كانوا يمضون أوقاتهم بين أفغانستان وباكستان. من هنا كان المواطن الأفغاني بحاجة في بعض الأحيان إلى السفر إلى باكستان كي يمثل أمام محكمة طالبان أو قاض من قضاتها. إلا أن الحركة منعت مؤخرا تصفية القضايا في باكستان، مطالبة جميع العاملين في المحكمة بالبقاء في أفغانستان أو الاستقالة من مناصبهم".
اقرأ أيضا: قضاء أفغانستان [1/2].. المال يشتري المناصب والأحكام
أنواع المحاكم
تنقسم محاكم طالبان إلى ثلاثة أقسام، الأول هو المحكمة الابتدائية وتكون على مستوى المديريات. وهي غالبا ما تنظر في قضايا الحقوق، الخاصة بنزاعات الأفراد وبعضهم بعضا، والمستوى الثاني يسمى بمحاكم المرافعة وتكون على مستوى الأقاليم، والمستوى الأخير، هو محكمة التمييز وهي محكمة على مستوى البلاد.
ويقول أحد العاملين في تلك المحاكم لـ"العربي الجديد"، "ابتداء تقدم القضية أمام المحكمة الابتدائية، ولا يمكن رفعها في المرافعة والتمييز إلا القضايا التي تتعلق بالحدود كحد القصاص والرجم وغيرهما، أو عدم رضا أطرافها بحكم الابتدائية أو المرافعة".
أما تعيين القضاة فيتم من قبل مجلس الشورى القضائية في الحركة، ولا بد من اعتماد زعيم الحركة لهم، الموصوف بأمير المؤمنين، على مستوى الحركة.
اقرأ أيضا: عصابات باكستان .."البتهة" أو الموت
تأسيس قضاء طالبان
في عام 1995، وقت أن ظهرت حركة طالبان كان أمراء الحرب يسيطرون على كافة الأقاليم الأفغانية، في ذلك الوقت كانت سيادة القانون غائبة بشكل كامل عن أفغانستان، وهو ما استغله زعيم الحركة الملا محمد عمر، ليعلن فور السيطرة الحركة على مناطق الجنوب، وقبل الوصول إلى العاصمة كابول، عن تشكيل كيان قضائي يعمل في المناطق الخاضعة له من أفغانستان.
بحسب جهان القريب من المؤسسة القضائية الطالبانية، فإن الحركة لم تتمكن من إعادة تأسيس كيانها القضائي لسنوات عديدة بعد سقوط حكومتها في عام 2001، ولكن ما إن وجدت لنفسها موطئ قدم خلال الأعوام الأخيرة، حتى سارعت إلى إعادة تشكيل محاكمها تدريجيا. وكانت لها لجان قضائية في المناطق الأفغانية ولها أماكن عمل معلومة، إلا أنه وبعد استهدافها من قبل الطائرات الأميركية، اكتفت الحركة بتعيين قضاة في كل منطقة دون أن يكون لها مكاتب، كما يؤكد سيد جهان لـ"العربي الجديد".
اقرأ أيضا: ليبيا.. سلفيو "حفتر" يشنّون حرباً على الصوفية
آلية تسيير القضايا في محاكم طالبان
تعتمد آلية عملية محاكم طالبان على عرض القضية أمام القضاة بمجرد حضور المدعي والمدعى عليه، وإحضار المستندات والشهود. يقوم القاضي المختص أو عدد من القضاة ممن ينظرون في القضية بسماع روايات الطرفين والشهود، وبعد سماع القضية يخلو القاضي أو الهيئة لفترة وجيزة قبل أن يسمع الحكم، ثم يكتبه على ورقة رسمية، تؤخذ إلى الجهة المنفذة في المنطقة، وتشتهر هذه المحاكم بسرعة البت في القضايا، إذ تستغرق القضايا بين ساعات إلى عدة أيام على الأكثر، وهو ما يميزها عن محاكم الدولة التي قد تستغرق القضايا فيها أعواماً، كما يقول عبد الهادي حميد، أحد سكان مدينة خرنه بإقليم بتكتيكا، موضحا أنه أمضى سنة كاملة في المحاكم الأفغانية لحل قضية نزاع مع جار له على قطعة أرض ولكن بلا فائدة.
ذهب هادي وخصمه إلى قاضي طالبان وجلس معه في أحد المساجد. القاضي سمع القضية مدة ساعة ونصف، ثم غاب نحو ساعة، واستشار قضاة آخرين، قبل أن يعلن الحكم ويكتبه على ورقة رسمية. لتنتهي القضية خلال ساعات.
في بعض القضايا لا تنتظر محاكم طالبان، تقدم أحدهم بدعوى أمامها، مثل أحداث القتل والجرائم الخلقية، مثل قضية قتل طبيب أفغاني وزوجته ونهب بيته، إذ نفذت طالبان حكم الإعدام في حق ثلاثة أشخاص في منطقة منغور بإقليم غزنة، اتهمهم بارتكاب الواقعة.
اقرأ أيضا: صراع "داعش" و"القاعدة" ينتقل إلى ليبيا
الفقه الحنفي مصدر قوانين طالبان
ينص دستور طالبان القضائي، على أن جميع القضايا التي تعرض على محاكمها، لا بد أن يبت فيها حسب الفقه الحنفي. ولا يمكن الخروج عنه، إلا في الحالات الاستثنائية كتناول القضايا التي تتعلق بالأجانب. كما أن القاضي هو المخول ليتصرف وفق الحالة السائدة، فيما يمكنه استشارة الهيئة القضائية العليا.
أسباب اللجوء إلى قضاء طالبان
ثمة أسباب عديدة دفعت المواطن الأفغاني إلى محاكم طالبان، أهمها الفساد، وليس عدالة الأحكام بالضرورة التي تتبناها طالبان، وذلك كما توضح دراسة النقيب ديفيد نوتا، المستشار القانوني لدى قيادة القوات المشتركة التابعة لحلف الناتو في أفغانستان.
يقول محمد رفيع أحد سكان مديرية عليشنك بإقليم لغمان، لا متابعة لقضيتك، في المحاكم الحكومية إلا بعد دفع الأموال والرشاوى للقضاة ومن حولهم من المسؤولين، إذ استغرق رفيع في المحاكم الحكومية، عاما كاملا، في نزاع على ملكية منزل، ودفع العديد من الرشى، حتى يتم البت في القضية وتمكينه من المنزل، وهو ما لم يتم إلى أن نقل القضية إلى محكمة طالبان التي بتت فيها خلال ثلاثة أيام فقط، إذ ينص دستور الحركة القضائي على عدم إطالة القضية أكثر من عشرة أيام، بالتالي تبت محاكم الحركة في القضية خلال ساعات محدودة أو أيام معدودة.
بالإضافة مشكلة دفع الأموال إلى القضاة والمسؤولين يتعين على أطراف القضية في المحاكم الحكومية تعيين محام يرفع القضية في المحكمة، ويقوم أطراف القضية بدفع أموال ضخمة إلى المحامين، بينما في محاكم طالبان لا داعي لأي محام، إذ يمكن لأطراف القضية أو وكلائهم الرسميون أو أقاربهم (في حالة الموت) أن يرفعوا الدعوى أمام المحكمة.
ويؤكد سيد جهان القيادي في الحركة أن حكم محاكم طالبان لا بد أن ينفذ، خاصة في المناطق التي تخضع لسيطرة الحركة، لأن لديها قوة تنفيذ أحكام جادة، فيما يتجاهل الأفغان أحكام المحاكم الرسمية التي تنتهي إلى مجرد حبر على ورق، رغم أنها من ناحية أصول المرافعات والشكل القضائي أقرب للعدالة في البت بين المتخاصمين، لكن تطبيقاتها تخضع لمعايير الرشوة مما أفقد الناس الثقة بها.
اقرأ أيضا: المسلمون في أميركا.. 9 حقائق توثّق وجودهم التاريخي
المسؤولون والمواطنون سواء
ينص دستور طالبان القضائي على أن المواطن الأفغاني وجميع المسؤولين في الحركة سواء أمام محاكم طالبان، ثمة أمثلة كثيرة قضت محاكم الحركة على المسؤولين بها، وحتى على قادة ميدانيين، من بينهم القائد الميداني في الحركة بإقليم كنر، مسافر خان، والذي أدين بقتل أربعة مواطنين في منطقة ساو، أقام ورثة القتلة دعوى وتقدموا بالقضية أمام محكمة طالبان، التي قضت بحكم الإعدام على القيادي ونفذ الحكم على مرأى من سكان تلك المنطقة، كما يذكر مسؤول في محكمة التمييز التابعة للحركة في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد".
فساد طالباني من نوع آخر
وفقا لما وثقته "العربي الجديد" من متقاضين أمام محاكم طالبان، لم يثبت حتى الآن تورط قضاة الحركة في طلب الرشاوى والأموال من المواطنين، ولكن ثمة أمر آخر، وقع وفقا لما أكده عدد من المتقاضين، إذ كان بعض قضاة الحركة في باكستان، يصرون على سماع القضية وحضور أطرافها في فنادق وتقديم الغداء للحضور، ومن بين الفنادق المشهورة التي كان قضاة طالبان، يقومون بنظر قضاياهم فيها فندق بلنه، وزائقه، وترسكون، في مدينة بيشاور الباكستانية.