منذ انطلاقة الهبة الجماهيرية الأخيرة في الضفة الغربية والقدس المحتلة، كثف الاحتلال الإسرائيلي من استخدام وحدات "المستعربين" في إطار سعيه لقمع المحتجين. وعبر تحليل "عمليات المستعربين" التي جرت أخيرا، وثقت "العربي الجديد" تغيرات جوهرية طرأت على العقيدة العسكرية التي تقف خلف تشغيل تلك الوحدات، بواسطة توثيق ورصد المواجهات الجارية في الميدان، وتحليل شهادات المشاركين في فعاليات الهبة الجماهيرية ضد الاحتلال، المندلعة منذ أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي.
شهادات حية
تشكل عملية بيت إيل/البيرة، رمزية خاصة لدى وحدات المستعربين، إذ تم استغلالها عبر الإعلام الإسرائيلي، لإرهاب وبث الرعب بين المحتجين الفلسطينيين وتثبيط معنوياتهم، كما يقول علاء محمد، أحد المشاركين في التظاهرات أمام مدخل مستوطنة بيت إيل، متابعا لـ"العربي الجديد"، شاركت برفقة عدد كبير من زملائي في جامعة بير زيت بمسيرة، وصلت إلى محيط مستوطنة بيت إيل شمالي رام الله، في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، بدأت المواجهات التي شارك فيها المئات من الجامعيين وطلاب المدارس مع جيش الاحتلال، وفجأة، ظهر نحو عشرة مستعربين، كانوا مقنعين، وأطلقوا النار، على عدة شبان، بعد اعتقالهم من مسافة صفر.
بحسب تسجيل مصور، اطلع عليه معد التحقيق لدى الطالب الجامعي علاء، تبين أن "عناصر المستعربين، نفذوا عمليات التفاف حول أحد الجبال القريبة من المستوطنة حتى يتسللوا وسط المحتجين".
ويحلل محمد ناصر (اسم مستعار) لأسير سابق، وباحث متخصص بطرق عمل جيش الاحتلال الإسرائيلي ومخابراته الرامية لقمع مقاومة الشعب الفلسطيني، طريقة وأهداف "عملية المستعربين قرب بيت إيل" قائلا: "بعد مراجعة أكثر من أربع ساعات مصورة بمشاركة عدة باحثين، للأحداث في بيت إيل، والتي تم تصويرها عبر كاميرات تلفزيونية من زوايا مختلفة ومئات الصور الفوتوغرافية، يمكن القول إن الهدف الرئيس منها، يقع في نطاق الحرب النفسية، الموجهة ضد الشعب الفلسطيني لضرب معنوياته، ولثني الشبان عن مواصلة المشاركة في المواجهات التي تزيد زخم الانتفاضة، إلى جانب هدف مهم آخر، يتمثل في رفع معنويات الإسرائيليين، في تلك اللحظة التي بلغ فيها الشعور بفقدان الأمن الشخصي ذروته، بفعل المقاومين المنفردين، عبر إظهار أن الفلسطينيين أيضا فقدوا الشعور بالأمن الشخصي".
يدلل ناصر في حديث إلى "العربي الجديد" على صحة استنتاجات الخبراء والباحثين ممن حللوا عملية بيت إيل، بالإشارة إلى أن الشبان الذين تم اعتقالهم وإطلاق النار عليهم من مسافة صفر، لم يكونوا ملثمين، ولم يشكلوا خطراً على حياة جنود الاحتلال أو المستوطنين، قائلا "لو أراد الجيش اعتقالهم فبإمكانه الاعتماد على الصور التي يلتقطها لاعتقالهم لاحقا من منازلهم أو أثناء مرورهم على الحواجز"، مضيفاً "الهدف المركزي للعملية إثارة الرعب في صفوف المحتجين ورفع معنويات الإسرائيليين، واستعادة ثقتهم بجيشهم ومخابراتهم التي لم تنجح في إحباط هجمات المقاومين المنفردين حتى اليوم، لذلك تم اختيار توقيت العملية في ذروة شعور الإسرائيليين بفقدان أمنهم الشخصي، ومكانها جاء في أكثر مكان تنتشر فيه كاميرات الصحافيين".
اقرأ أيضا: "العربي الجديد" تخترق عصابة صهيونية تستهدف الفلسطينيين
الاستعراض والانتقام
يؤكد طارق حمدان، صحافي وباحث، أن غالبية عمليات وحدة المستعربين منذ بداية الهبة الجماهيرية الأخيرة، بالإمكان اعتبارها عمليات استعراضية وانتقامية ولم تحقق أي هدف مثل اعتقال أو اغتيال قيادات أو كوادر كما كان عليه الوضع في السابق، مشيرا إلى أن "عملية المستعربين في مدينة البيرة تم تخطيطها بمنطق المخرج السينمائي، وتم رسم المشهد بدقة، وأدى المستعربون دورهم المرسوم بالانقضاض على الشبان ثم الاقتراب واعتقال الشبان وإطلاق النار عليهم، لإثارة الرعب في صفوف الفلسطينيين، ولم يكتف جيش الاحتلال بالمشاهد التي وثقها عشرات المصورين الصحافيين، لكنه وزع أشرطة فيديو أنتجتها وحداته الإعلامية على وسائل الإعلام العبرية، التي نشرتها وروجت إلى أن المستعربين أفقدوا المنتفضين أمنهم الشخصي".
ويلفت حامد سلامة، الخبير بالعمل المقاوم إلى أن جيش الاحتلال يكرر تنفيذ "عمليات المستعربين الاستعراضية ذات الطابع الانتقامي"، مؤخراً في توقيت وأماكن مشابهة لعملية "بيت إيل"، ويضرب المثل قائلا "بعد عملية القنص التي نسبت لقناص الخليل، نفذ المستعربون عمليات استعراضية استهدفت شبانا عاديين للفت الانتباه عن عجز جيش الاحتلال عن اعتقال القناص وتعاظم فقدان الشعور بالأمن في صفوف المستوطنين، علماً أن عمليات المستعربين منذ بدايتها في الانتفاضة الأولى كانت تستهدف في الغالب اعتقال أو اغتيال كوادر وقادة المقاومة".
وثق الباحث المتخصص في طرق عمل جيش الاحتلال، محمد الخطيب، عمليات المستعربين منذ بدء الهبة الأخيرة، ويؤكد لـ"العربي الجديد"، أن جميع العمليات باستثناء عمليتي مستشفى الأهلي بالخليل ومستشفى رفيديا في نابلس وعملية اعتقال جريح كان مختبئا في فندق الوحدة وسط مدينة رام الله، كانت تستهدف شبانا عاديين ليسوا كوادر أو عناصر قيادية بالتنظيمات بخلاف ما جرى في الانتفاضة الأولى والثانية وما بينهما.
اقرأ أيضا: كاميرات المراقبة.. أجهزة مموهة ترصدُ المقاومين في الضفة الغربية
كيف تعمل وحدات المستعربين؟
وفقا لما وثقه الخبراء، عبر تحليل التسجيلات المصورة لعمل المستعربين، فإن آلية عملهم تقوم على بدء التسلل، عقب قيام جنود الاحتلال باستهداف المحتجين بالغاز المسيل للدموع بقوة، وهو ما يحجب الرؤية ويفقدهم التركيز، ما يتيح الفرصة للمستعربين للتسلل عبر مجموعة تتراوح ما بين ستة إلى عشرة عناصر ينقضون على الشبان بالتوازي مع حضور وحدة الاقتحام التابعة للجيش، وخلال عملية التسلل بين جموع المحتجين، يحافظ "المستعرب" على اتصال بالعين مع زميله تفاديا لفقدان أحد عناصر المجموعة، ولا يتبادلون الحديث مطلقاً فمعظمهم لا يجيد بالضرورة اللغة العربية ولا يتحدثون مع الشبان، وفي كل الحالات كان يسدلون قمصانهم فوق الحزام وليس تحته لإخفاء مسدساتهم ولتسهيل عملية امتشاقها، ويرتدون أحذية رياضية، ويمتازون بقوة البنية الجسدية، ولا تستغرق العملية في الاندماج بجموع الشبان والانقضاض عليهم دقيقتين، ويتم عادة استهداف الشبان الذين يكونون في مقدمة المواجهات والأقرب للجنود منهم إلى بقية الشبان المشاركين بالمواجهات.
وبخلاف الاعتقاد السائد بأن كل المستعربين يجيدون اللغة العربية يؤكد الباحث طارق حمدان أن معظمهم لا يتحدث العربية وهو ما يطابق شهادات وردت على لسان مستعرب في فيلم بثته القناة العاشرة الإسرائيلية، وكذلك روايات أسرى اعتقلوا من قبل مستعربين خلال المواجهات، قائلا إن رفض "المقنعين" المشاركين في التظاهرات الحديث بالعربية، يرجع إلى إمكانية كشفهم لعدم قدرتهم على الحديث باللهجة المحلية.
وتميزت "عمليات المستعربين" خلال الشهور الأخيرة بحسب الباحث محمد الخطيب، بأنها بحسب مفاهيم جيش الاحتلال "نظيفة وسهلة" وهو مصطلح يشير إلى خلوها من هامش المخاطرة؛ في ظل غياب رجال المقاومة المسلحين من الميدان، وعدم وجود تعليمات لدى رجال الأمن الفلسطينيين بفتح النار، كما كان عليه الوضع خلال الانتفاضة الثانية لحماية المواطنين من "المستعربين"، وهو ما تم في عملية اقتحام مشفى رفيديا الوقع في عمق مدنية نابلس والانسحاب من مسار معروف يستغرق وقتا طويلا نسبيا من دون أن تبذل السلطة أي جهد لاعتراضهم، وهذا الأمر تكرر في عملية اقتحام المستشفى الأهلي بالخليل.
اقرأ أيضا: الاتصالات في فلسطين.. خدمات سيئة للمستخدمين وأرباح طائلة للشركات
خارطة وحدات المستعربين
تمتلك إسرائيل خمس وحدات مستعربين، بحسب تقرير بثته القناة الإسرائيلية الثانية في 18 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ويوثق التقرير أن الوحدة الأولى تسمى "دوفدفان" أي (كرز) تتبع الجيش الإسرائيلي وميدان عملها الضفة الغربية، وتنفذ عمليات تتراوح بين الاعتقالات والاغتيالات ولا يتطلب عملها التنكر بصفة مواطنين فلسطينيين ولا يتداخلون في عمق المدن الفلسطينية ويعملون بصحبة الجيش كقوة مساندة ترتدي الزي المدني، والوحدة الثانية تسمى "مستعربي يهودا والسامرة" وهي تابعة لحرس الحدود، وتعمل هذه الوحدة تحت إمرة الجيش والمخابرات الإسرائيلية "الشاباك" وعناصرها جنود دائمون بخلاف الأولى التي تضم أيضا جنود احتياط، وتنفذ هذه الوحدة عمليات اغتيال واعتقال بالضفة الغربية.
الوحدة الثالثة هي "مستعربو الجنوب" (شمشون) وتنشط على الحدود المحاذية لقطاع غزة والنقب لإحباط تنفيذ هجمات، وتم تحويل جزء منها للعمل مع "دوفدفان" ثم أعيد تنشيطها بعد اندلاع انتفاضة عام 2000، والوحدة الرابعة تابعة لحرس الحدود وهي "مستعربو القدس" وتقوم بنفس الأدوار في القدس المحتلة على وجه الخصوص، بالإضافة إلى الاندساس وسط التظاهرات واعتقال راشقي الحجارة، أما الوحدة الخامسة فهي "هغدعونيم" وهي تابعة للشرطة ونطاق عملها داخل فلسطين المحتلة عام 1948.
وتهدف التدريبات التي يخضع لها المستعربون بحسب ما جاء على لسان أحدهم، في حديث للقناة العاشرة الإسرائيلية في فبراير/شباط 2015، إلى تحويل الجندي إلى آلة قتل، فيما أكد آخر أنه لم يكن يجيد أبسط الكلمات باللغة العربية، وقال له الضباط لن تحتاج إلى هذه الكلمات، تحدث معهم بلغة بالسلاح إنها الأفضل، واعترف "مستعرب" ثالث أن وحدته تولت تنفيذ مهام اغتيال وليس اعتقال خلال الانتفاضة الأولى.