يقف الشاب البحريني عبد الله علي، ساعات طويلة داخل مدرسة السواقة البحرينية الوحيدة، بعد أن انتهى دوامه الجامعي، يدور في دوائر مفرغة، بحثاً عن مدرب للسواقة، في مشهد متكرر يومياً، وبينما يتجول علي، الذي يدرس الحقوق في إحدى الجامعات الخاصة، مشعلاً سيجارته وقد بدا وجهه عابساً، نادى على مدرب سواقة قائلاً: "أرجوك لا تقل لا"، جاءه الرد سريعاً من المدرب وهو يتمشى ببطء في طريقه إلى السيارة "وماذا أفعل لك؟".
ولم تبدُ كلمات المدرب صادمة لعلي ( 19 سنة )، الذي قال وهو يتأفف: "أنا إنسان ألتزم بالقانون، ولكن هؤلاء المدربين يشجعوننا على اختراق القانون، يريدون شخصاً يمنحهم الأموال، ليمنحوه توقيعهم باجتياز دورة السواقة، دون تدريب وأنا لن افعل هذا".
لماذا يستغلّ مدربو السواقة البحرينيين؟
مثل عبدالله، يشتكي العديد من المواطنين في البحرين من صعوبة الاتفاق مع مدرب للسياقة، إذ يتعرضون للمساومة والاستغلال بسبب عدم توفير المدرسة التابعة للهيئة العامة للمرور العدد الكافي من المدربين، الذين يعد توقيعهم على وثيقة اجتياز الدورة شرطاً أساسياً للحصول على رخصة القيادة في مملكة البحرين التي يوجد بها مدرسة واحدة لتعليم السواقة، يعمل بها 305 مدربين ومدربات فقط، يخدمون مليوناً و195 ألف نسمة يعيشون فيها بحسب الجهاز المركزي للإحصاء.
من أجل الحصول على رخصة، يتطلب القانون أن يحصل المتدرب على 22 ساعة، مقابل 5 دنانير للحصة الواحدة، نحو "13 دولاراً أميركياً"، لكن العديد من مدربي السواقة - كما رصدت "العربي الجديد" من داخل مدرسة السياقة - يحاولون ابتزاز المتدربين للحصول على 10 ساعات فقط والتوقيع على كتيب الدورة كاملاً، أي الحصول على مقابل 22 ساعة، للحصول على المبلغ نفسه من غيرهم، بينما يطلب بعض المدربين 10 دنانير للحصة، وفي أفضل الأحوال وحينما يقبل المتدرب بالطريق القانوني، خوفاً من الشكوى،، يستخدم المدرب أساليب مختلفة للتحايل، إذ يقف فترات استراحة تصل إلى نصف ساعة بحجة الإرهاق أو التقدم في العمر، وأحياناً يقوم بمشاوير خاصة.
داخل مدرسة السواقة
تقع مدرسة تدريب السواقة في منطقة عالي شمال البحرين، هناك تلمس معاناة العشرات المواطنين والمقيمين، بينما ينتظرون أمام سيارة المدربين، وأشعة الشمس الحارقة تلهب وجوههم، بينما يتجول آخرون بين مدرب وآخر بحثاً عن كلمة "موافق" التي أصبحت صعبة المنال.
تنصح إدارة تعليم السواقة بالعثور على مدرب، ومن أجل خوض التجربة، اتصلنا بنحو 50 مدرباً، لم يرد معظمهم أو جاء لنا رسالة بأن هواتفهم مغلقة أو قطعت الخدمة عنها، 10 مدربين فقط استجابوا للاتصال، رفض 7 منهم التدريب، وتعلل 3 آخرون بظروف ما لعدم إكمال المكالمة.
في جولة سريعة على 15 مدرباً ومدربة يجلسون في سياراتهم خارج المدرسة، وبعد إلقاء التحية على المدربين، قبل السؤال، قالوا جميعاً عبارة واحدة "ليس لدي وقت"، رغم أن العشرات قد تم تسجيلهم كمدربين جدد خلال أشهر قليلة بحسب مصادر في إدارة تعليم السواقة.
في اليوم التالي، قمنا بجولة مشابهة مستخدمين كلمة السر "أعرف أدور" تعني "أستطيع القيادة" والتي يحتاجإليها المدربون للتجاوب والتوقف عن الرفض المبدئي. اختلف الوضع تماماً مع غالبيتهم، بدأت المساومة للحصول على 10 دنانير للحصة أو التنازل عن نصف الحصص مع دفع التكلفة كاملة، وحين سألنا أحد المدربين التوقيع دون تدريب "هل سوف ترفضني؟" ردّ بحماسة "أخرج نقودك ولن أرفضك".
لقمة العيش
خلال جولتنا تقابل كاتب التحقيق مع المدرب ( ح – ع ) الذي برر ما يقدم عليه المدربون من ممارسات لابتزاز المتدربين بالرغبة في "الحصول على لقمة العيش" لأن إدارة المرور بحسب رأيه تفرض عليهم عدداً محدداً من الساعات المتاحة للتدريب، لا يمكنهم تخطيها.
وقال المدرب وهو يشير إلى سيارته: "يمكنك أن تعاينها، لا تعمل جيداً وأحتاج لإصلاحها، كما أنني أحتاج إلى شراء سيارة تعمل بنظام الحركة الآلي وفقاً للنظام الجديد، أنا لا أنصب على الناس ولكني أشرح لهم شروطي وهم يستجيبون".
وأتاح قانون جديد للإدارة العامة للمرور في البحرين التدريب على سيارات تعمل بنظام الحركة الآلي اعتباراً من تاريخ 8 فبراير/شباط الماضي، في استجابة إلى مطالب العديد من المواطنين الذين عبروا عن رفضهم لاستمرار التدريب على سيارات "ناقل الحركة (الجير) العادي" التي أصبحت لا تستخدم كثيراً في المملكة وتتطلب وقتاً وجهداً أكبر لتعلمها.
ارتفاع نسبة الرسوب
أوضحت إحصائية للإدارة العامة للمرور، تم اجراؤها في الفترة من 1 يناير/كانون الثاني 2014 حتى أبريل/نيسان 2014، شملت امتحانات السواقة، أن عدد الراسبين في اختبار السواقة بلغ 14.706 راسبين، في مقابل نجاح 8239، مما يعزز الانتقادات التي توجه إلى مدربي السواقة حول عدم توفير القدر الكافي من التدريب، فيما أصدرت إدارة المرور خلال العام الماضي 40160 رخصة قيادة.
ويوضح المدرب بوعبدالله أن من أسباب الرسوب عدم منح المتدرب التدريب الكافي بالشكل الصحيح من قبل المدربين، مؤكداً وجود قصور بين زملائه، فيما اتهم مدربون آخرون، المتدربين بعدم الاهتمام خلال الحصص.
المدربون يهددون
وكشف مصدر في الإدارة العامة للمرور، طلب عدم الإفصاح عن اسمه، أنهم حاولوا مراراً، عن طريق اجتماعات دورية مع "جمعية البحرين لمدربي السياقة"، تنظيم عملية التدريب، بحيث يتم الربط بين مقدم الطلب والمدرب دون أن يبحث بنفسه، لكن المدربين بحسب المصدر هددوا بالتوقف عن العمل إذا ما أقدمت الإدارة على اتخاذ هذه الخطوة التي قد تهدد بصورة مباشرة الطرق التي يسلكونها لاستغلال المتدربين.
بعض الأعضاء في مجلس النواب بدوراته السابقة، كانوا قد تقدموا بمقترحات لإصدار تشريعات تسهم في إيجاد حل لتلك المعضلة مستفيدين من تجارب بعض دول مجلس التعاون الخليجي في هذا الصدد، لكن لم تظهر نتائج إيجابيه بعد إقرارها، وتبنّى المجلس النيابي قانوناً بمنع السواقة للأجانب ممن يعملون في المهن الدنيا لتقليل الضغط على مدرسة السواقة وتقليل الزحام في الشوارع، في عام 2014 لكن الحكومة رفضت القانون بعد اعتراضات لجمعيات حقوق إنسان.
الأولوية للآسيويين
الموافقة على تدريب الأجانب على السواقة، وخصوصاً الآسيويين، تعد من الأعراف السائدة لدى "مافيا مدربي السواقة"، لاعتقادهم أن هؤلاء لن يجرؤوا على تقديم شكوى ضدهم، إذ يتيح القانون للحاصلين على الجنسية البحرينية فقط الحق في العمل كمدربين على السواقة، واعتماداً على هذه الرؤية فإن المدربين يقبلون الآسيويين سريعاً مقابل ابتزازهم بمبالغ مالية مرتفعة، تدفعها غالباً الشركة.
وتلعب "الواسطة" دوراً كبيراً من أجل العثور على مدرب، حيث يلجأ البعض في البداية إلى التواصل مع أصدقائهم للعثور على مدرب يعرفونه، وإذا لم يكن محظوظاً فإنه يختار طريق المعاناة في المدرسة.
نايف وفاطمة.. معاناة تفوق الابتزاز
معاناة نايف وفاطمة مع مدربي السواقة، تختلف عن قصص الابتزاز والرشوة السابقة، لدى نايف خبرة في السواقة، اتفق مع مدرب للحصول على 10 ساعات فقط والتوقيع على الكتيب لدخول الامتحان. طلب منه المدرب بعدما غادر السيارة لاحتساء القهوة، أن يعود للخلف بين خطوط محددة تشبه موقف السيارات، حين حاول نايف العودة وجد نفسه يفقد السيطرة على السيارة التي عادت مسرعة، فذهب إليه المدرب ووجه له وابلاً من الشتائم، ولولا تدخل مدرب آخر لحدث شجار.
يقول نايف عن مدربه "إنه شديد العصبية مثل الآخرين، يوجه لي ألفاظاً جارحة اذا أخطأت رغم أنه لا يريد تدريبي سوى 10 ساعات، تحملت الابتزاز ولكني لن أتحمل الاعتداء، سأقدم شكوى ولن أترك حقي".
قصة فاطمة ليست أقل سوءاً، إذ اتفق والدها مع مدرب سواقة من أجل أن تحصل على رخصة قيادة وتذهب إلى عملها بنفسها في أحد المجمعات التجارية، لكن فاطمة تعرضت لتحرش جنسي حينما حاول المدرب أن يعلمها نظام النقل، حيث أمسك بيدها وقبّلها.
تقول فاطمة لـ"العربي الجديد": "طلبت من والدي تغيير المدرب بمدربة، شككت في قدراته التدريبية، رفضت إخباره بما حدث تفادياً للشجار. حالة فاطمة ليست الوحيدة، إذ تكررت مشاكل التحرش بالمتدربات ووصلت بعضها إلى المحاكم. وقضت المحكمة البحرينية الكبرى الجنائية في سبتمبر/أيلول 2014 بتأييد حكم حبس مدرب سواقة تحرش بمتدربة، 3 أشهر مع كفالة مالية.
إدارة المرور: ندعو إلى تقديم الشكاوي
يؤكد قسم تعليم السواقة في الإدارة العامة للمرور أنه يقوم بدوره لمكافحة الاستغلال، مؤكداً على لسان مصدر رفض ذكر اسمه: تخصيص مكتب لتسلم الشكاوى من قبل المتدربين والمدربين ليتم التحقيق فيها من قبل مكتب الاستشارات القانونية التابع للإدارة العامة للمرور واتخاذ كل الإجراءات القانونية".
ويبلغ عدد الحاصلين على رخصة القيادة في البحرين 774 ألف نسمة، في حين بلغ عدد المركبات بشوارع البحرين 600 ألف مركبة بمختلف أنواعها. وتعتمد 69 دولة حول العالم الرخصة البحرينية بما فيها الولايات المتحدة الأميركية ، لكن المملكة لا تسمح بالسواقة لمن حصلوا على رخصة من دول أخرى باستثناء دول الخليج.