"لا يمكن أن نحتمل إهانة أكثر، هنا لا شغل، لا سكن ،لا مأوى، الخيار الوحيد هو أن نركب أمواج البحر إلى أوروبا " بهذه العبارات بدأ أبو ياسر يروي لـ"العربي الجديد" السبب الذي جعل آلاف السوريين الذين توجهوا إلى تونس، نتيجة قمع النظام السوري للثورة هناك، مجبرين على ركوب أمواج الموت.
أبو ياسر شأنه كآلاف السوريين، الذين توافدوا إلى تونس عبر معابر الحدود الجزائرية، خلسة ومن دون ختم جواز سفر، يفكر في رحلة نحو إيطاليا حيث أفراد أسرته الذين تمكنوا عبر وساطة المهربين من السفر إلى مدينة زوارة الليبية، ومنها للهجرة إلى إيطاليا. يقول أبو ياسر "نهاية الحرب وحلم العودة إلى دمشق طالا جدّاً، تبقى مراكب الموت أرحم من الذل الذي نواجهه في أماكن النزوح".
من هنا تبدأ الرحلة
عبر معابر الحدود الجزائرية-التونسية دخل أبو ياسر وجل السوريين إلى تونس التي تعد بالنسبة إليهم نقطة عبور نحو أوروبا، إذ تتم عملية تهريبهم عبر مراحل، تبدأ من تونس التي ينتقلون منها إلى ليبيا ثم إيطاليا أو مباشرة عبر المحافظات التونسية الساحلية القريبة من أوروبا.
ولاختراق الإجراءات الأمنية المشددة التي تفرضها السلطات التونسية، استوجب على معد التحقيق لقاء وسيط، مهمته التنسيق وترتيب رحلة السوريين إلى تونس ثم المحافظات التونسية الساحلية أو إلى ليبيا القريبة لتكون نهاية الرحلة أوروبا.
ومن دون أن يكشف معد التحقيق عن هويته للوسيط، ادعى أنه تراجع عن عملية التهريب، مشيراً إلى أن الإجراءات الأمنية لن تمكنه من تأمين الرحلة، لكن بمجرد أننا حاولنا إيهامه باتصال مع عائلة سورية تود إيجاد مهرب، وهي على استعداد أن تدفع له مبلغاً يساوي 100 دولار، ضحك مستهزئاً وهو يؤكد أن زبائنه السوريين يدفعون مبلغ يساوي 150 دولاراً مقابل دخوله التراب التونسي فقط، قبل أن يستقروا في تونس، أو يفكروا في رحلة نحو أوروبا، وقال "هذه لها تكاليف أخرى قد تصل إلى 1500دولار".
انتهاكات الرحلة
وثقت تقارير المفوضية العليا للاجئين، انتهاكات متعددة يتعرض لها السوريون خلال رحلتهم في الانتقال من تونس إلى ليبيا، عينة من تلك الانتهاكات سجلتها "العربي الجديد" في محافظة القصرين حيث تعرضت إحدى اللاجئات السوريات إلى اغتصاب من مهربين، فيما لم تنصف السلطات الأمنية المتضررة، وكانت إلى جانب الشابين التونسيين، وهو ما تسبب في قطع العلاقة مع زوجها، حاول معد التحقيق الاتصال بالجانب الأمني، لكنه رفض التعليق على الحادثة مكتفيّاً بالقول، إن "ذلك يدخل في المعطيات الشخصية للأفراد".
يعلق حافظ بن ميلاد رئيس الهلال الأحمر التونسي، إن المنظمة سجلت "حالات عدة لاستغلال السوريين من منظمات أو أشخاص، وصلت إلى حدود الدعارة تحت التهديد واغتصاب الأطفال والتسول، ناهيك عن الظروف الأخرى القاسية التي يواجهها اللاجئ، مثل عدم توافر الشغل والسكن"، ويوضح رئيس الهلال الأحمر التونسي لـ"العربي الجديد، أن: "الخوف من المسألة الأمنية، لعدم امتلاكهم تأشيرة دخول، يجعل السوريين لا يقدمون شكاوى بعد تعرضهم لتلك الانتهاكات".
ويتابع "اللاجئ السوري يعتبر أن أوروبا تحترم حقه عكس البلدان العربية، فيما يعيش اللاجئ على المساعدات من الجمعيات الخيرية، وغالباً ما يلجؤون إلى التسول ويتم استغلالهم".
مراكب الموت والهجرة إلى أوروبا
دفع أبو خالد السوري في رحلته للهجرة إلى أوروبا 1200 دولار حتى حظي بمكان في المركب، ورغم احتدام المعارك الدائرة في ليبيا خصوصاً على الشريط التونسي الليبي، لا تزال عمليات التهريب مستمرة، كما أكد قائلاً "يفضل سوريون آخرون الهجرة من المحافظات التونسية القريبة على غرار منطقة الهورارية من محافظة نابل وقرقنة من محافظة صفاقس ومحافظة جربة، وهي نقاط تتم فيها الإجراءات بأساليب مشابهة لهجرة الشباب التونسي".
(س.ر) سوري يسعى إلى الهجرة، أكد أن المحافظات التونسية القريبة باتت أفضل طريق مختصرة نحو أوروبا وخصوصاً إيطاليا، حيث تسند أحقية اللجوء للسوريين، موضحاً، أن المبلغ يكون مضاعفاً حسب حمولة المركب وعدد اللاجئين.
بحسب الشهادات المتقاطعة، يعتبر 8 أشخاص سوريين من بين عشرة أشخاص التقى بهم كاتب التحقيق، أن تونس نقطة عبور نحو أوروبا فيما اختار 6 من بين عشرة أشخاص أن تتم عملية تهريبهم عبر ليبيا ثم إيطاليا، وفضل البقية الخروج عبر المحافظات التونسية الساحلية القريبة من أوروبا.
وثقت إحصائيات الهلال الأحمر التونسي غرق 3500 شخص لقوا حتفهم في عرض البحر الأبيض المتوسط خلال العام الماضي جلهم من السوريين، ولفتت الإحصائيات إلى تضاعف المهاجرين السوريين غير الشرعيين مقارنة بعام 2011. فيما يبلغ عدد السوريين اللاجئين المسجلين بشكل شرعي حوالي 600 شخص فقط، وهو ما لا يعكس العدد الحقيقي بحسب المنظمة.
سياسة الهجرة وقانون الإرهاب
يفسر عبد الرحمن الهذيلي رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية غياب إحصائيات دقيقة عن السوريين في تونس بشكل مباشر إلي سياسة الهجرة التنظيمية، حيث لا يعيش السوريون في شكل جماعات مسجلة قانونيّاً لدى الدولة التونسية. وهو ما جعل مهمة المنظمات الإنسانية الساعية إلى التواصل مع اللاجئين صعبة.
ويضيف الهذيلي أن الظروف القاسية التي يواجهها السوريون جراء ارتفاع معدلات البطالة وهجرة الليبيين والأفارقة إلى تونس تجبر اللاجئ السوري على الهجرة نحو أوروبا، لأنه لا فرصة له فعلية داخل تونس.
ويخشى بن ميلاد أن يتضاعف عدد الموتى السوريين، لاسيما مع اقتران الخطاب الأوربي لسياسة الهجرة بقانون الإرهاب، بعد الأحداث الأخيرة في باريس. ويقول لـ"العربي الجديد": لابد من محاربة جذور الأزمات التي تدفع الآلاف إلى التفكير في الهجرة غير الشرعية".
ويضيف أن "وصول المهاجرين إلى أوروبا لا يكون نهاية المحنة كما يظنون، حيث تزداد الإجراءات الأوروبية التي تقوم على التصدي لظاهرة الهجرة غير الشرعية فعالية وصرامة.
ويقول منجي سليم، رئيس جمعية الهلال الأحمر في محافظة مدنين، التي تبعد حوالي 400 كلم عن تونس العاصمة: مازلنا على اتصال مع بعض اللاجئين السوريين في ألمانيا ممن كانوا في تونس وهم على اتصال مع عدد من أسرهم في تونس.
ويضيف أن اللاجئين يطالبون أهاليهم بالهجرة واللحاق بهم، مؤكداً أن تونس ليس لديها قوانين لجوء على غرار الدول الأوروبية، حيث تدرس المفوضية العليا ملفات اللاجئين وتقدم باسمها بطاقات الاعتراف باللجوء، وهو ما يصعب من حياة السوريين في تونس ويجبرهم على الهجرة.
يذكر أنه تم إعداد مشروعي قانون خاص باللجوء وقانون خاص بالاتجار بالبشر في تونس بعد الثورة، منذ سنة 2011 في عهد حكومة الترويكا، تنتظر القوانين المصادقة عليها حتى اللحظة.