رضخ اللاجئ السوري عصام محمد، القادم من مدينة طرطوس، للأمر الواقع، ورضي بالعمل في شركة للإنشاءات بمدينة سطاوالي غرب العاصمة الجزائر، بعد أن فشل مرات عدة في الحصول على عمل يلائم خبرته في مجال التشحيم وإطارات السيارات، إلا أن عدم إجادته اللغة الفرنسية حال بينه وبين الوظيفة التي يجيدها، كما قال لـ" العربي الجديد"، قبل أن يتابع: "إجادة الفرنسية ليست مطلوبة فقط في الإدارات كما يعتقد البعض، لكن حتى المهن والحرف، وفي بعض المطاعم الراقية، الأولوية لمن يجيد الفرنسية، لذلك اضطررت للعمل في الإنشاءات، واكتفى ابن عمي الذي يمتلك شهادة في الميكانيك والصيانة بالعمل في مطعم شعبي براتب لا يزيد عن 30 ألف دينار (280 دولاراً أميركياً)".
ويقر ستة سوريين التقاهم معدّ التحقيق في العاصمة الجزائر، بعضهم يقيم في مركز إيواء اللاجئين بالقرية الأفريقية بسيدي فرج غرب العاصمة، بأن عدم إجادة الفرنسية كان من بين الأسباب التي أعاقت اندماجهم في سوق العمل، على الرغم من وجود قانون يلزم جهات العمل المختلفة باستعمال اللغة العربية والتعامل بها، إلا أن ذلك يبقى غير مطبق، وتظل الفرنسية الأكثر استعمالاً؛ بسبب "سيطرة شرذمة فرانكفونية على الإدارة في القطاع الاقتصادي"، بحسب ما أفاد به "العربي الجديد" أستاذ الاقتصاد في جامعة البليدة فارس مسدور.
ولا ينكر إبراهيم محديد، المكلف بالإعلام في منظمة العفو الدولية في الجزائر، إمكانية مواجهة اللاجئين السوريين مشكلة عدم إجادة الفرنسية في مقابلات التوظيف، غير أنه أشار في حديثه مع "العربي الجديد" إلى أنه حتى الجزائريين الذين لا يجيدون الفرنسية لا يوظفون بالشركات والمؤسسات التي تعتمد تلك اللغة في معاملاتها الإدارية.
أوضاع اللاجئين السوريين في الجزائر
استقبلت الجزائر منذ عام 2012 وحتى يونيو/ حزيران الماضي 40 ألف سوري، بحسب إحصاء صادر عن وزارة الخارجية الجزائرية، غير أن أعداد اللاجئين السوريين تختلف من فترة إلى أخرى، كونهم يأتون ويغادرون الجزائر أحياناً قبل انقضاء عام على وصولهم، في بعض الأحيان، وفقاً لهواري قدور المكلف بالملفات الخاصة في الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، والذي يرى أن عدد السوريين يصل إلى تسعة آلاف لاجئ ولاجئة مسجلين لدى الهلال الأحمر الجزائري، يعمل منهم ثلاثة آلاف في مناصب دائمة، وبين 1000 لاجئ إلى 1500 لاجئ يشغلون مناصب عمل مؤقتة، فيما تضطر نساء عدة إلى التسول، وفقاً لما رصدته الرابطة.
ويعمل حاملو الشهادات في قطاع الخدمات مثل الفندقة والبنوك والسياحة، أما البقية فيتوزعون على المطاعم والفلاحة والإنشاءات والري، إذ يشتغل نحو ألف سوري في حفر آبار المياه، خاصة الأكراد منهم، كما أوضح هواري قدور.
اختلاف البرامج التعليمية يعوق الاندماج
استسلمت الأربعينية سعاد إبراهيم، القادمة من مخيم اليرموك، بعد محاولات عديدة ولم تعد تبحث عن عمل، إذ عانت من صعوبة التأقلم مع المقررات التعليمية الجزائرية على الرغم من قبولها في البداية للعمل مدرسة ابتدائية، خاصة أن لديها خبرة تصل إلى 16 عاماً في سورية، غير أن مديري المدارس لم يقتنعوا بإمكاناتها بسبب اختلاف البرامج التعليمية وطرق تلقينها في كل من سورية والجزائر، وفق ما روته لـ"العربي الجديد".
ولا تختلف حالة سعاد إبراهيم عن واقع يعانيه سوريون آخرون يجدون صعوبة في الاندماج بسوق العمل الجزائري، ما يضطرهم للعمل في تخصصات غير تلك التي يمتلكون مؤهلات فيها أو الاستسلام لشبح البطالة، ومن بين هؤلاء الثلاثيني أيمن حداد، والذي نال شهادة جامعية في علوم الشريعة لكنه لم يجد من عمل سوى مجالي المطاعم أو الإنشاءات اللذين لا يمتلك أي خبرة فيهما، وفق ما ذكره لـ"العربي الجديد".
لكن شادي سليمان، القادم إلى الجزائر من طرطوس، بعدما عاش في كل من مصر وليبيا وتركيا، وعلى الرغم من تأكيده مشكلة اختلاف البرامج التعليمية، فقد أوضح لـ"العربي الجديد" أن المشكل في الجزائر قد يبدو أقل سوءاً، إذ إن كثيراً من الدول لا تعترف بشهادة السياقة السورية، في حين أن الجزائر من القلائل التي تقبل بهذه الشهادة".
هكذا يلتحق السوريون بسوق العمل الجزائري
يعمل اللاجئون السوريون في الجزائر بمهن مختلفة عن مؤهلاتهم، لأنه لا يمكن وضعهم من الناحية القانونية ضمن الأجانب المقيمين الذين يملكون تأشيرة طويلة المدى أو غير المقيمين الذين تكون تأشيراتهم قصيرة المدى، كما يقول أستاذ علم الاجتماع بجامعة الجزائر 2 الدكتور عبد اللاوي حسين.
ويخضع عمل السوريين في الجزائر إلى القانون رقم 08 -11 المؤرخ في 25 يونيو 2008 المتعلق بشروط دخول الأجانب إلى الجزائر وإقامتهم بها وتنقلهم فيها، والذي يصنفهم إلى الأجنبي المقيم الذي تصل إقامته حتى السنتين، والأجنبي غير المقيم الذي تصل تأشيرته إلى 90 يوماً، أو تقل بالنظر إلى عدم وجود قانون للجوء في الجزائر بحسب الدكتور حسين، فيما تعتبر رئيسة الهلال الأحمر الجزائري سعيدة بن حبيلس أن "اللاجئين السوريين ضيوف لدى الجزائر، ومهمة الهلال الأحمر، كما تقول لـ"العربي الجديد"، لا تشمل توظيف اللاجئين السوريين إنما تعمل على التكفل بهم، وتوفير الرعاية الاجتماعية، وعدم تركهم عرضة للحاجة في شوارع الجزائر".
مخالفة القانون
يمنع قانون دخول الأجانب إلى الجزائر، وإقامتهم بها، وتنقلهم فيها والعمل لغير الحاصلين على تأشيرة إقامة في الجزائر، إذ تنص المادة 28 منه "على أن كل شخص طبيعي، أو معنوي، يشغل أجنبياً بأية صفة كانت عليه أن يصرح به خلال مدة 48 ساعة لدى المصالح المختصة إقليمياً للوزارة المكلفة بالتشغيل، وفي حالة عدم وجود هذه المصالح يصرح لدى بلدية محل التشغيل، أو محافظة الشرطة، أو فرقة الدرك الوطني المختصة إقليمياً، ويجب استيفاء نفس الإجراء عند إنهاء علاقة العمل، ويجب على المستخدم أن يكون بإمكانه تقديم المستندات والوثائق المرخصة لتشغيل الأجانب في مؤسسته أثناء كل طلب من الأعوان المؤهلين".
وجاء في المادة 29 من القانون ذاته أنه على كل مؤجر محترف أو عادي يأوي أجنبياً بأية صفة كانت أن يصرح به لدى محافظة الشرطة أو فرقة الدرك الوطني، وفي حالة عدم وجود هذه المصالح لدى بلدية محل العين المؤجرة خلال 24 ساعة.
فيما ينص القانون رقم 81-10 المؤرخ في 11 يوليو/ تموز لسنة 1981، والمتعلق بشروط تشغيل العمال الأجانب في مادته الثالثة، على أنه "يمنع على كل هيئة صاحبة عمل منعاً باتاً أن تشغل، ولو بصفة مؤقتة، عمالاً أجانب لا يتمتعون بمستوى تأهيل يساوي على الأقل مستوى التقني، ما عدا حالة رعايا دولة أبرمت معها الجزائر معاهدة أو اتفاقية، وكذلك الأشخاص الذين يتمتعون بصفة اللاجئين السياسيين، ويمكن أن تمنح استثناءات خاصة عند الضرورة القصوى الوزير المكلف بالعمل بناء على تقرير معلل من الهيئة صاحبة العمل".
ويعتبر إبراهيم محديد المكلف بالإعلام في "أمنيستي الجزائر" أن قوانين عمل الأجانب في الجزائر تراعي حقوق الإنسان وتحفظ حقوق اللاجئين، بالنظر إلى "أمنيستي الجزائر لم تسجل يوماً انتهاكات في حقهم، أو معاملة عنصرية ضدهم" كما يقول.
استغلال اللاجئين
ويختلف مع رأي محديد المكلف بالملفات الخاصة في الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان هواري قدور، والذي يقول لـ"العربي الجديد": "إن بعض اللاجئين السوريين يعملون دون تأمين اجتماعي، ما يحرمهم من حقوقهم، خاصة في مجال الإنشاءات التي يشرف عليها الخواص، وهو وضع يقع ضحيته أيضاً عمال جزائريون". مشيراً إلى أن "بعض أرباب العمل يستغلون الوضعية الهشة للاجئين".
لكن السوري أبو بكر أحمد، القادم إلى الجزائر منذ ثلاثة أشهر، يرى أن التأمين الاجتماعي لا يهم في الوقت الراهن، والمهم بنظره هو الحصول على عمل في ورشة للإعمار تساعده على تلبية حاجاته اليومية، حتى يلتحق بعائلته المقيمة في تركيا.