التعميم طالب بالإيعاز إلى مديري مديريات الشؤون الصحية بالتعميم على المراكز الصحية التابعة لها بضرورة أخذ الحيطة والحذر بخصوص إصدار شهادات الخلو من الأمراض، وذلك حسب الأصول، وتلاه تعميم من مساعد الأمين العام للشؤون الفنية والصحية ومديريات الصحة الدكتور حكمت أبو الفول في 25 يونيو/حزيران، موجه إلى مديري مديريات الشؤون الصحية للمحافظات بضرورة الإطلاع والتعميم على المراكز الصحية لكتاب وزير الصحة، وأخذ الحيطة والحذر بخصوص إصدار شهادات الخلو من الأمراض، وذلك حسب الأصول.
بعد أن وصل التعميم السابق إلى الدكتور عدنان اسحق مدير صحة العاصمة الأردنية، فسره بأن الحيطة والحذر تعني إجراء الفحوصات حسب الأصول من دون التهاون بها، على الرغم من أن هذه الإجراءات ليست مكتوبة وموضحة تماما من قبل وزارة الصحة كما يقول، الأمر الذي يوضحه تحذير الدكتور ناظر حماد مدير مديرية الرقابة والتدقيق الداخلي في وزارة الصحة الأردنية من تساهل مراكز صحة أولية وشاملة حكومية، في منح شهادات الخلو من الأمراض، من دون إجراء الفحوصات الخاصة بالأمراض السارية والمعدية لطالبي التوظيف، كما قال لـ"العربي الجديد".
لكنّ التحذير السابق والتعميمين الوزاريين يجري تجاوزها بصورة مستمرة، وفق ما يكشف تحقيق "العربي الجديد" وهو ما وثقته معدة التحقيق عبر ست شهادات خلو من الأمراض استخرجها أصحابها من ثلاثة مراكز صحية شاملة وأولية في ثلاث محافظات هي "عمان، البلقاء، وإربد"، من دون إجراء الفحوصات اللازمة، إحداها لعاملة وافدة من مركز صحي بني كنانة في إربد، والذي أصدر شهادة خلو أمراض لعاملة وافدة إلى الأردن في 28 يونيو/حزيران الماضي، برسوم 10 دنانير أردنية، تضمنت أنها خالية من الأمراض السارية والمعدية، من دون إجراء الفحص الطبي والسريري.
وتشترط المادة 43 من نظام الخدمة المدنية رقم 82 لسنة 2013 وتعديلاته الصادرة في مايو/أيار من 2017 في من يعين في أي وظيفة أن يكون "سالماً من الأمراض والإعاقات البدنية والعقلية التي تمنعه من القيام بأعمال الوظيفة التي سيعين فيها بموجب قرار من المرجع الطبي المختص، على أنه يجوز تعيين ذي الإعاقة ما لم تكن إعاقته تمنعه من القيام بأعمال الوظيفة التي سيعين فيها بشهادة من المرجع الطبي المختص" وهو ما يفسّره مدير مديرية صحة محافظة العاصمة عمان، الدكتور عدنان اسحاق باشتراط أن يكون طالب الوظيفة خالياً من الأمراض السارية والمعدية المتمثلة بـ"السل والإيدز والكبد الوبائي"، ويمتد الأمر إلى أمراض القلب وارتفاع التوتر الشرياني والجلطة القلبية والمخية والسكري، بحسب تأكيد الدكتور جميل القطاطشة مساعد مدير مديرية الرقابة والتدقيق الداخلي بوزارة الصحة، والذي قال لـ"العربي الجديد"، يحتاج الكشف على الأمراض المعدية إلى الفحص السريري والمخبري لكشف أمراض مثل السل والإيدز.
وتجرى فحوصات شهادات الخلو من الأمراض في جميع المراكز الصحية الشاملة البالغ عددها 110 مراكز، وبعضها يجرى في مراكز أولية واقعة في المحافظات النائية، وتحديدا الجنوب، إلا فحص الإيدز الذي يجري في المراكز الشاملة، وفق ما قاله الدكتور ناظر حماد مدير مديرية الرقابة والتفتيش الداخلي، ويبلغ عدد العاملين الأردنيين مليونا و700 ألف، وفقا لدراسة منتدى الاستراتيجيات الأردني (مؤسسة مستقلة للاستراتيجيات والسياسات الاقتصادية المستدامة)، الصادرة في يونيو/حزيران الماضي، بعنوان "تحدي النمو والبطالة"، فيما وصل عدد العمالة الوافدة الحاصلة على تصاريح عمل إلى 350 ألف وافد، وفق ما ذكره علي الغزاوي وزير العمل السابق في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي خلال لقاء نظمته غرفة صناعة الأردن.
نفي وتأكيد
لم تكتف معدة التحقيق بما وثقته من شهادات الخلو من أمراض من دون إجراء الفحوصات، بل ذهبت بصحبة زوجها إلى مركز صحي عمان الشامل الحكومي في 27 يونيو/حزيران الماضي، لاستخراج شهادة خلو من الأمراض، من دون إجراء الفحص، بعد تعرفها على أحد العاملين فيه.
وبالفعل استخرجا شهادتين خلو من الأمراض لغرض التقدم لوظيفة سكرتاريا، من دون إجراء الفحوصات مقابل دفع رسوم مقدرة بـ 2.20 دينار أردني (3.11 دولارات أميركية) جاء فيهما: "بعد إجراء الفحص الطبي والسريري للمذكور أعلاه تبين أنه خال من الأمراض السارية والمعدية ويتمتع بصحة جيدة وقدرة على العمل وبناء على طلبه أعطي هذه الشهادة".
مراكز صحية أخرى، مثل خريبة السوق الصحي الحكومي الواقع جنوب العاصمة عمان، قامت بالأمر، إذ اشتكى مواطن عبر إذاعة "حياة إف إم" الأردنية الخاصة في ديسمبر/كانون الأول من حصوله على شهادة الخلو من الأمراض، بدون إجراء فحوصات مخبرية، وهو ما أقر به مدير المركز الصحي، الدكتور ناصر المحيسن مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن ما يحدث في المراكز الصحية إجراءات متعارف عليها منذ سنوات طويلة، قبل أن يستدرك "كنا نقوم بها من باب التسهيل على المواطن، إذ كانت تطلب لوظائف بعيدة عن الطعام والشراب، كالسكرتاريا والتعليم والوظائف الحكومية"، لكنه يقول إنه تواصل مع وزارة الصحة الأردنية بعد هذه الحادثة، وطلبوا منه إجراء الفحوصات حسب الأصول، غير أن الحصول على شهادة خلو من الأمراض بدون إجراء فحوصات ما يزال مستمرا، وفق ما وثقته معدة التحقيق، التي توجهت في يوليو/تموز الماضي إلى مركز صحي "ماحص" الحكومي في محافظة البلقاء وسط الأردن وأخبرت الممرضة أنها تريد استخراج شهادة خلو من الأمراض، فأعطتها الممرضة نموذج، وطلبت منها تعبئته، وعندما جاءت الطبيبة الخاصة بالمركز ختمت على الشهادة، من دون أن تجرى لها فحوصات، رغم أنها لا تعرف أحدا في هذا المركز.
مديرة مركز ماحص الحكومي هيفاء حسان، نفت إصدار شهادات خلو من الأمراض بدون فحوصات، مؤكدة لـ"العربي الجديد" أن أي شهادة خلو من الأمراض تصدر من المركز تتم بعد إجراء فحص مخبري، وعند مواجهة معدة التحقيق لها، بأنها حصلت على الشهادة في مركزهم من دون فحوصات، حمّلت الطبيب العام في المركز هذا الأمر، مشيرة إلى أن هذا الأمر قد يكون جرى عن طريق الخطأ فقط.
مخالفة القانون
تؤكد الحقوقية هديل عبدالعزيز، مديرة مركز العدل للمساعدة القانونية، إن هذا الإجراء الذي يتغاضى عنه الموظف في القطاع الصحي، يندرج تحت بند التهاون في أداء الوظيفة، ويندرج تحت بند جريمة التزوير، إذ كان هدف الحصول على هذه الشهادة هي التلاعب بشروط قبول الوظيفة العامة، وتابعت في إفادتها لـ"العربي الجديد" أن الفقرة 1 في المادة 266 من قانون العقوبات رقم 16 وتعديلاته الصادر عام 1960، تنص على أنه "من أقدم حال ممارسته وظيفة عامة أو خدمة عامة أو مهنة طبية أو صحية أو أي جهة أخرى على إعطاء مصدقة كاذبة معدة، لكي تقدم إلى السلطات العامة أو من شأنها أن تجبر لنفسه، أو إلى غيره منفعة غير مشروعة، أو تلحق الضرر بمصالح أحد الناس، من اختلق بانتحاله اسم أحد الأشخاص المذكورين آنفا أو زوّر تلك المصدقة أو استعملها، يعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة" (2): " وإذا كانت المصدقة الكاذبة قد أعدت لتبرر الإعفاء من خدمة عامة أو لتبرز أمام القضاء، فلا ينقص الحبس عن ثلاثة أشهر".
مخاطر التهاون
تم ترحيل 680 عاملا وعاملة وافدة من مختلف الجنسيات عن أراضي المملكة الأردنية في عام 2017، لثبوت إصابتهم بأمراض معدية كالإيدز، والسل الرئوي، والتهاب الكبد البائي بعد إجراء الفحص الطبي لهم بحسب تأكيد مدير مديرية الأمراض الصدرية وصحة الوافدين بوزارة الصحة الدكتور إبراهيم بدوان المشايخ، والذي قال إن الحالات المصابة بالسل 369 حالة، و264 التهاب كبد وبائي، و47 حالة إيدز، علما أن عدد المراجعين لمديرية الأمراض الصدرية وصحة الوافدين العام الماضي، من مختلف الجنسيات بلغ 350 ألف مراجع في جميع محافظات المملكة في نفس العام، مضيفا أن الوافدين يخضعون لفحوصات سنوية، بهدف تجديد الإقامات وتصاريح العمل.
ويؤكد الدكتور المشايخ أن عدد المراجعين لمديرية الأمراض والصدرية وصحة الوافدين من بداية يناير/كانون الثاني حتى نهاية يونيو/حزيران 2018، نحو 222 ألف وافد ووافدة، منهم 45 مصابا ومصابة بمرض الكبد الوبائي، و42 مصابا ومصابة بمرض الإيدز، و128 مصابا ومصابة بمرض السل، موضحا أن معظم هؤلاء يتم تسفيرهم قبل عملهم في الأراضي الأردنية، وعدد قليل جدا من يعمل في الأردن، ولم يكن قد تبين مرضه من قبل إما لفترة احتضان المرض، أو لإصابته بأي مرض معدٍ وسارٍ بعد إقامته في الأردن، وعند تجديد الإقامة تتم الفحوصات المخبرية فيظهر المرض.
ووثقت معدة التحقيق حالة واحدة لعامل سوداني وافد، اكتُشف إصابته بالإيدز في عام 2010 بعد عام كامل من عمله في مطبخ إحدى شركات النشر الأردنية، وهو ما يؤكده المدير العام لشركة النشر، جمال أبو خضير، مشيرا إلى أن كشف العامل الحامل للفيروس تم بعد مرور عام كامل من عمله في الشركة، غير أن الدكتور حماد يقول إن المؤسسات الصحية تتشدد بمنح الشهادة للعمال غير الأردنيين، وعندما واجهته معدة التحقيق بحصولها على شهادة خلو من الأمراض صادرة من مركز صحي في محافظة إربد في 28 يونيو/حزيران الماضي لعاملة وافدة، من دون إجراء فحوصات، عاد ليقول: "لا يمكن السيطرة على كل الحالات، أينما وجد المال وجد الفساد"، مضيفا أن حجم التجاوزات غير معروف كونها حالات فردية.
وتنص المادة 4 من تعليمات استقدام واستخدام العمال غير الأردنيين الصادرة عن وزارة العمل الأردنية في عام 2012، على (أ) إلزام كل صاحب عمل يرغب باستخدام واستقدام عامل غير أردني، إجراء ما يلي: (6)"شهادة فحص طبي للعامل المستقدم، أو المستخدم سارية المفعول، صادرة عن أحد المراكز الصحية المعتمدة، لدى وزارة الصحة" وهو ما يمكن التحايل عليه عبر استصدار شهادت خلو من الأمراض بدون إجراء الفحص، وفق ما وثقته معدة التحقيق، ما يوضح استمرار الظاهرة التي تعكس غياب الالتزام بتعليمات وزارة الصحة وتهديد صحة الأردنيين والأردنيات.