سجلت الخمسينية التونسية سميرة بولبيار وزوجها محمد، اسميهما في شركة الخدمات الوطنية والإقامات العمومية التابعة لرئاسة الجمهورية والتي تقوم بتنظيم العمرة والحج منذ تأسيسها في عام 1995، في مقابل دفع مبلغ 28 ألف دينار تونسي (9731 دولاراً أميركياً) لا تتضمن نفقات الطعام وغيرها من المصروفات اللازمة من أجل تأدية مناسك الركن الخامس في الموسم الجاري كما تقول لـ"العربي الجديد".
لم تجد بولبيار خياراً إذ أن تنظيم عملية الحج محتكر في قبضة الدولة عبر تلك الشركة غير أن انتقاله إلى وكالات الأسفار كان سيوفر لهما بعض الخيارات الأخرى وربما بعض النفقات، في ظل أن شركة الخدمات الوطنية تقدم سعراً واحداً يتعين على الحجيج قبوله، وليس عليهم سوى الدفع مكرهين بحسب ما يقوله ظافر لطيف كاتب عام الجامعة التونسية لوكالات الأسفار والسياحة (اتحاد مستقل)، مضيفاً في إفادته لـ"العربي الجديد" أن الحل يبقى بيد الحكومة التي يتعين عليها تحرير القطاع مع إبقائها على آلية اختيار المرشحين في يدها لضمان عدالة توزيع تأشيرات الحج، أما بقية الخدمات كالمرافقة والتأطير (التوجيه) والتسعيرة، فيفترض أن تكون من مهام وكالات الأسفار وليس الدولة.
لماذا تحتكر الدولة تنظيم الحج؟
منح نظام زين العابدين بن علي شركة الخدمات الوطنية والإقامات، مهمة تنظيم الحج والعمرة بهدف توفير مداخيل تتمكن من خلالها لصرف أجور العاملين التابعين لها، في ظل توليها مهام أخرى كتأمين خدمات البستنة والتنظيف في القصور الرئاسية وفق ما قاله لطيف، مشيراً إلى أن الإشكال يكمن في هذه الشركة التي يجب أن تكون ميزانيتها معتمدة على الدولة وليست من الحج.
وتابع: "يجب على الدولة أن لا تمارس التجارة، لضمان عدم ارتفاع التكاليف والأسعار وحصول تجاوزات في التسعيرة"، لكن المدير العام لشركة الخدمات الوطنية والإقامات، معز بوجميل، يصر على أنّ الحج هو مسؤولية الدولة التونسية وأن شركة الخدمات والإقامات هي جزء من الدولة التونسية وأنها كهيكل عمومي تساهم بدورها في تأمين الحج تماماً مثل الخطوط التونسية التي تعمل على نقل الحجاج، كما أنها تساند هذه المنظومة من خلال اهتمامها بالمسائل التنظيمية للحج كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفاً أن الادعاء بأن شركته تحتكر الحج غير صحيح، لأن التنظيم من مهام الدولة التونسية والتي تتولى الدعم غير المباشر للحج من خلال التقليص من وطأة كلفة الحج التي كان بالإمكان أن تكون أعلى، لولا حسن التفاوض والعلاقات الجيدة بين تونس والسعودية.
تداعيات سلبية للاحتكار
قفزت أسعار الحج إلى 14 ألف دينار (4865 دولاراً) في موسم 2019، بعد أن كانت 11710 دنانير (4069 دولاراً) في 2018، ومن قبلها 7475 ديناراً (2597 دولاراً) خلال موسم عام 2017 وفق لطيف، مضيفاً أن وكالات الأسفار بإمكانها التفاوض على التعريفة وتوفير أسعار أقل من تلك التي تقدمها الدولة.
بالمقابل يعيد عضو اللجنة الوطنية للحج والعمرة، (ممثلاً عن المجتمع المدني) سليم سعد الله، ارتفاع الأسعار إلى اختيار الإقامة القريبة من الحرم، لأنه يصعب على الحاج التونسي المتقدم في السن (معدل الأعمار 62 عاماً) التنقل، فضلاً عن أن الفنادق التي يتم اختيارها من قبل الدولة التونسية، عادة من فئة 4 و5 نجوم وذات نوعية جيدة، لكي يمضي الحاج التونسي موسمه في ظروف طيبة، مضيفاً أن تراجع الدينار التونسي، مقارنة بالريال السعودي والتحسينات التي تقوم بها السلطات السعودية أثرت جميعها على الأسعار.
وتابع: "لولا حسن تفاوض اللجنة المعنية بالحج مع الجهات السعودية المشرفة لقفزت الأسعار إلى 15 ألف دينار أي نحو 5 آلاف دولار في موسم الحج لهذا العام".
لكن كاتب عام الجامعة التونسية لوكالات الأسفار والسياحة يقول إن وزارة الشؤون الدينية التي تهتم بتنظيم الحج في تونس، ترسل فريقاً من اللجنة الوطنية للحج إلى السعودية ثم تتطلع على الأسعار وتعود إلى تونس لاتخاذ القرار، وقد تبقى هذه اللجنة بضعة أشهر إلى حين استكمال بعض الإجراءات البيروقراطية والإدارية وساعتها قد تتبخر عديد العروض وتتغير الأسعار، في حين أن وكالات الأسفار بإمكانها التوقيع مباشرة في عين المكان على عقود النزل والإقامة.
وبرهن لطيف، بتنظيم العمرة من قبل وكالات الأسفار التي خلقت منافسة، وعديد العروض ومن ثم اختيار الأنسب للراغبين، بعد أن تحررت العمرة من قبضة الدولة في عام 2013، مشيراً إلى أن أسعار العمرة تراوحت منذ 2017 حتى 2019 ما بين 1500 دينار (توازي 521 دولاراً) و3 آلاف دينار تونسي ( 1042 دولاراً)، دون أن تشهد ارتفاعاً مشطاً كالحج الذي قفزت أسعاره بشكل غير مسبوق كما يقول.
معاناة الحجاج
بلغ عدد حجيج تونس 10982 حاجاً وحاجة في موسم 2019، أكبرهم 92 عاماً وأصغرهم 27 سنة، بحسب وزير الشؤون الدينية، أحمد عظوم، والذي قال أن البعثة التي سترافق الحجاج، تضم 500 شخص يمثلون كافة الأطراف التي تسهر عليهم وتتولى الإحاطة بهم والسهر على أدائهم لمناسكهم في أفضل الظروف بعد أن تم العمل على الضغط من تكلفة الحج واختيار نزل قريبة من الحرم، إذ أن أبعد نزل عن الحرم يقدر بـ 700 متر، وهو ما يؤكده بوجميل، مشيراً إلى أن شركته توفر للحجاج عديد الخدمات، مثل السكن بمكة والمدينة المنورة، والنقل القريب بالبقاع المقدسة والخدمات بمشعر عرفات ومنى، وتهيئة المخيمات وتكييفها وتوفير المرافق المتعلقة بالإقامة بالمشاعر، وخدمة المزارات بالمدينة المنورة.
لكن 5 من الحجاج الذين تحدثوا لـ"العربي الجديد" أجمعوا على أن الإشكال يكمن في خدمات النقل وفي صعوبة ظروف الإقامة في مخيمي منى وعرفات والتي تفتقر إلى التكييف وحسن التنظيم، ومنهم سميرة وزوجها اللذان لا يملكان الحق في اختيار، أو معرفة النزل الذي سيقيمان فيه، وكم يبعد عن الحرم إلا بعد انتقالهما إلى السعودية بعلّة أنه لو تم منح فرصة الاختيار، فإن أغلب الحجيج سيختارون الأقرب وهذا الأمر سيخلق عدة إشكالات للدولة، فضلاً عن عدم أحقيتهما في اختيار الخطوط الجوية التي ستقلهما، كون الخطوط الجوية التونسية أو السعودية هما من يقلان الحجاج كما تقول، مضيفة أن عديد المسائل تظل غامضة ومفروضة على الحاج التونسي.
ويتوقع سليم سعد الله، أن يتم تدارس مقترح متعلق بتوزيع الحجيج بحسب السن في العام القادم، على أن تكون الأولوية لكبار السن في الحصول على نزل قريبة من الحرم المكي، والشباب الراغبين في التنقل بإمكانهم الحصول على نزل أبعد بـ 3 كيلومتر أو4 كيلومتر، مقابل تقديم أسعار أقل، قائلاً لـ"العربي الجديد": "قد يكون هناك سعران بحسب القرب من الحرم المكي".
ويؤكد وزير الشؤون الدينية، لـ"العربي الجديد" أن تحرير الحج خيار من خيارات الدولة، لكن أي تصور لتحرير الحج لا يمكن أن يصدر من قبل وزارة الشؤون الدينية بل من كل مكونات اللجنة الوطنية للحج والعمرة التي ترأسها وزارته، وهي (وزارات الداخلية والسياحة والنقل ورئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية وشركة الخدمات والإقامات)، مشيراً إلى أن القرار النهائي يعود لرئاسة الحكومة.
هل وكالات الأسفار جاهزة لتنظيم الحج؟
يرى سعد الله أن وكالات الأسفار لا تزال غير جاهزة لتنظيم الحج، خاصة في ظل التجاوزات والإشكاليات التي تواجه بعض المعتمرين التونسيين، إذ نشاط بعض وكالات الأسفار غير قانوني وأخرى غير مرخص لها بتنظيم العمرة، فما بالنا بتنظيم بالحج، مضيفاً أن بعض وكالات الأسفار تقوم بدورها كما يجب ولكن البعض الآخر لا.
وقال إنّ تنظيم الحج يختلف عن العمرة، إذ لابد من مشرف على قطاع الحج يمكن اللجوء إليه متى دعت الحاجة، ويمكن للسلطات السعودية وحتى المجتمع المدني التخاطب معه لضمان نجاح الحج وأن يتم في ظروف حسنة.
لكن ظافر لطيف كاتب عام الجامعة التونسية لوكالات الأسفار والسياحة، يقول إن وكالات الأسفار جاهزة لتنظيم الحج والدليل أن السلطات السعودية تمنح سنوياً تونس ما بين 500 و600 تأشيرة مجاملة للحج تهتم بتنظيمها وكالات الأسفار، وقد برهنت على نجاحها في هذه المهمة، مضيفاً أنهم ينتظرون موافقة وزير الشؤون الدينية لقبول تحديد موعد للتباحث حول مسألة تحرير الحج وإبراز أهميته على القطاع في تونس، لأن الدولة لا يمكنها أن تنافس نفسها وعليها أن توفر للمواطنين أفضل العروض.
ويبدي لطيف تمسكه بضرورة تحرير الحج تماماً مثل العمرة، فالحج في أغلب الدول محرر وليس محتكراً من قبل الدولة، مثل المغرب والجزائر وليبيا، مشيراً إلى أن تحرر الحج من قبضة الدولة سيكون تأطيره مختلفاً، إذ أن توزيع مهام تأطير ورعاية الحجاج على وكالات الأسفار سيجعل كل وكالة مسؤولة عن حجيجها المسافرين معها، ما يقلص عديد الصعوبات.