يسعى لبنانيو القارة اللاتينية إلى التكتل وتشكيل لوبي قوي، ولهذا السبب تداعت إلى العاصمة البيروفية،ليما، في الشهر الماضي، ديسمبر/كانون الأول، وفود تمثل هؤلاء، برعاية "الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم". ووفقاً لما ذكر لـ"العربي الجديد" أمينها العام روجيه هاني، فإن "المؤتمر الذي تعقده الجالية اللبنانية، جاء تحت مسمى المؤتمر القاري للمتحدرين من أصول لبنانية في أميركا اللاتينية".
وبين أهم الأسئلة التي تشغل بال الباحثين عن الاغتراب اللبناني، السؤال المتعلق بحصر أعدادهم (باستثناء البرازيل التي تضم ملايين من أصل لبناني-سوري ممن حضروا في القرن التاسع عشر)، إذ يقدّر الدكتور نبيه شرتوني لـ"العربي الجديد" أن "الحديث عن رقم محدد يصعب في أميركا اللاتينية إذا استثنينا البرازيل، ولكن يمكن القول إن رقماً تقريبياً يشمل هؤلاء المقيمين في دول الكاريبي والمكسيك، حيث تضم الأخيرة نحو 700 ألف من أصول لبنانية، ويصلون إلى نحو مليونين في القارة".
في كلمته الافتتاحية في "المؤتمر القاري"، الذي شاركت فيه شخصيات من أستراليا وفرنسا وأميركا الشمالية للحديث عن تجاربهم وضرورة أن تأخذ "الجامعة الثقافية اللبنانية خطوة أولى نحو توحيد مجتمع الاغتراب اللبناني"، ووفق تأكيدات أغلب المتحدثين لـ"العربي الجديد"، ذهب القنصل اللبناني في بيرو حامد أبو ظهر نحو حثّ المؤتمر على استلهام فكرة تأسيس نادٍ لبناني جامع "والأخذ بالتجربة الفلسطينية التي تطورت إلى حدّ إقامة مهرجان تقاليد يجمع تحت لافتته عديد الفعاليات، ويجذب الناس إلى بعضهم وأصولهم".
وفي السياق عينه، تذكر المغتربة اللبنانية (التي لا تجيد العربية كحال كثيرين في اللاتينية) دانا موللر، أن "مسألة تأسيس نادٍ جامع للبنانيي أميركا اللاتينية، سيعتبر أمراً ممتازاً لأجل الالتقاء تحت سقف واحد وتعزيز العلاقات والثقافة بين الأجيال اللبنانية الجديدة وربطهم بوطنهم".
الحديث عن الارتباط بالوطن اللبناني أمر لُمس عملياً في الافتتاح. فهؤلاء، بمن فيهم غير الناطقين بالعربية، بعد أن عُزف النشيد الوطني للبيرو، كبلد مضيف لهؤلاء، وقفوا جميعاً ينشدون بالعربية النشيد الوطني اللبناني، وبعضهم بتأثر، وإن كان لا يجيد العربية، لكنه "يحفظ النشيد الوطني لبلده، ونعلمه لأطفالنا من خلال الاستماع إليه في بيوتنا"، كما يؤكد رجل الأعمال اللبناني خوسيه بوغصن الذي يضيف: "نحن لدينا طاقات كبيرة، وللأسف، إن جهود اللبنانيين في الاغتراب تضيع دون مؤسسة جامعة ومنظمة لقدراتهم خدمة لوطنهم الأصلي". والملاحظ أنه في غياب لغة عربية لدى بوغصن، فإنه يحرص على مسألة ما يجب عمله من أجل وطنه الأصلي، رغم أنه بيروفي في الولادة منذ أن هاجر أبوه وأعمامه، وهم يافعون، إلى أميركا اللاتينية.
القنصل اللبناني أبو ظهر، وفي كلمته وحديثه مع "العربي الجديد"، عاد ليؤكد فكرة أن "اللبنانيين في المهجر أقل ما يمكنهم فعله هو السفر مع أبنائهم سنوياً لرؤية الأماكن التي ينحدرون منها، وبذات الوقت دراسة ما يمكن أن يستثمر الواحد منهم في بلده. وعليه، يكون من الهام إيجاد مظلة جامعة للبنانيي المغترب اللاتيني بعيداً عن الانقسامات الطائفية والحزبية التي يمكن أن تفرق الناس ولا تجمعهم، ولهذا حثثتُ في كلمتي أمام الحضور على أن نتخلص من تلك التخندقات ونعيش بانسجام وتعايش كما يعيش اللبنانيون بين أبناء مجتمعاتهم في هذه القارة". الإضافة الأخرى التي تطرّق إليها القنصل أبو ظهر "أن يظهر اللبناني أنه سفير لبلده بتصرفات حكيمة وشكر لهذه المجتمعات المضيفة، وهو أمر حساس وهام يوصل رسالة إيجابية جداً عن هذه الجاليات والوطن الأصلي".
تقديرات لهجرة المسكيك
يؤكد رئيس لجنة الثقافة في "الجامعة اللبنانية" في المسكيك، نبيه شرتوني لـ"العربي الجديد" أن تاريخ اللبنانيين في البلد ليس بعيداً بشخصه عن قدم الاغتراب، "فيمكن القول إن المكسيك شهدت أولى الهجرات اللبنانية بين 1870 و1875، وعلى صعيد شخصي فإن جدي حضر إلى المكسيك في 1898 وتعلم لغة الشعب الأصلي، نوات، قبل تعلمه الإسبانية"، يقول شرتوني بلغة عربية واضحة، وهو في عقده السابع اليوم، بعد أن طور نفسه وقدراته حتى في تعليم العربية للناطقين وغير الناطقين بلغة الضاد، وتتكرر على لسانه مفردة "الله يحفظك"، وهو يسرد لمتحلقين حوله أهمية الحفاظ على العربية للمتحدرين من أصل لبناني.
وقد قدم في سبيل ذلك ورشة عمل في أثناء المؤتمر حول "سهولة تعلم العربية واللهجة اللبنانية حين مقارنتها بالإسبانية بوجود مشتركات كثيرة"، خلال استعراضه أيضاً بعض إصداراته عن تعليم العربية في المكسيك.
وبالرغم من أن بيرو "لا يوجد فيها في أحسن التقديرات إلا بضعة آلاف، إلا أن مهمتنا في الجامعة الثقافية اللبنانية في العالم تعمل بشكل حثيث لربط كل لبناني مغترب بثقافته ووطنه الأصلي لبنان"، على ما يذكر روجيه هاني القادم من باريس خصيصاً للمشاركة في مؤتمر ليما القاري للمتحدرين من أصل لبناني".
جمهورية الدومينكان
عند الحديث عن توزع اللبنانيين في جنوب القارة اللاتينية ووسطها، يذهب رجل الأعمال، صاحب شركة أمن مطار الدومينكان، ألفريدو مالك، لشرح وجود من هم من أصول لبنانية في هذا البلد، بالقول: "بدأت الهجرة إلى دومينكان في نهايات الـ 1800، وشخصياً هاجر جدي في 1895، وتقدَّر أعداد من هم من أصول لبنانية بنحو 400 ألف".
الجالية اللبنانية في دومينكان، وفقاً لمالك، تعتبر "جالية قوية إذا ما قارنتها بأخرى، فلدينا نادٍ يجمع فيه أيضاً الجاليتين الفلسطينية والسورية، وهما اللتان تربطنا بهما علاقة قوية، وعمارة من 5 طبقات، وفي النادي مطعم مختص بالمأكولات اللبنانية". ويضيف مالك: "حتى على المستوى التعليمي، لدينا أشهر أطباء ومهندسين من أصول لبنانية في هذا البلد الصغير، أضف إلى ذلك أعضاء برلمان ووزراء، بل إن رئيس الدولة في الثمانينيات يعقوب عازار هو من أصل لبناني، واليوم لدينا مرشح لرئاسة البلد في انتخابات مايو/ أيار القادم، لويس أبو ناضر، وهو أيضاً من أصول لبنانية مهاجرة منذ عقود طويلة".
المفارقة أن مالك يتحدث بعربية فصيحة، ليشرح قائلاً: "منذ قدوم جدي وولادة أبي في دومينكان، كان اللبنانيون يختارون إرسالنا صغاراً إلى لبنان لنتعلم ونعود إلى دومينكان، وهو ما حدث معي ومع كثيرين غيري من لبنانيي هذا البلد".
نحو خلق كتلة
يتشارك مغتربو لبنان مع غيرهم من المهاجرين من المشرق العربي، والأقرب إلى تجربتهم في مهاجر اللاتينية تلك الفلسطينية المنتشرة بكثافة في بعض دوله، وإن كانت الأعداد تتفاوت بين هؤلاء وهؤلاء في دول بعينها، لناحية الرغبة في تجميع ما أمكن من تلك الأصول والبحث عميقاً في بقاء التواصل بين هؤلاء وبلدهم الأصلي، ثقافياً ولغوياً "وليس فلكلورياً عبر بعض الأطعمة"، كما يضعها أحد المغتربين اللبنانيين المهتمين بوضع جاليتهم.
ففي تشيلي وبيرو يطغى الحضور من أصول فلسطينية، فيما المكسيك وحدها تضم نحو 700 ألف إلى جانب الكاريبي، وأميركا الوسطى عموماً يطغى عليها، إذا استثنينا البرازيل، الاغتراب اللبناني الذي يقدَّر بنحو مليونين، منحدرين من أصول لبنانية، وفقاً لمسؤولي "الجامعة الثقافية اللبنانية". ويرى القائمون على المؤتمر القاري للبنانيي اللاتينية أهمية كبيرة لإنشاء مظلة تجمع هؤلاء الباحثين عن استمرار التواصل مع وطنهم الأم لبنان، ثقافة ولغة وتاريخاً، وبعيداً عن الحساسيات الطائفية في البلد.
وفي مسعى لتطوير تنظيم الجالية اللبنانية في المهاجر اللاتينية، ذهب المؤتمرون في ليما إلى "تأسيس مجلس وطني في البيرو لنستطيع جمع اللبنانيين، وكخطوة نحو إنشاء شيء يجمع الجالية وأولادهم تحت مظلة التعريف بالثقافة والأصول والتاريخ الذي ينحدرون منه"، على ما يذكر روجيه هاني. وهو ما تشير إليه كل من نسرين إسبر، مسؤولة الجالية اللبنانية في تشيلي وزميلتها نيكولا ناصيف، حيث تشير الشابتان إلى "أهمية المؤتمر القاري لإنشاء حالة أخرى من علاقة الاغتراب اللبناني بالوطن الأصلي، وخصوصاً لدى جيل لبناني مولود من أصول بعيدة في هجرتها". ويبدو الطموح لدى كثيرين من هؤلاء في جنوب القارة أن يصبح للبنانيين نادٍ شبيه بالنادي الفلسطيني في سانتياغو، الذي يمتد على مساحة 100 ألف متر مربع، ويضم عديد الأنشطة وفريق "الفلسطيني" الذي يلعب في الدرجة الأولى، وتأسس قبل نحو 100 عام.
حامد أبو ظهر.. قنصل لبنان النشط
في الحديث مع قنصل لبنان في ليما، حامد أبو ظهر، وهو المهاجر أصلاً قبل أن يصبح في منصب رسمي، يكشف الرجل عن آمال كبيرة وكثيرة، ليس لجاليته فقط، بل لكل العرب المنتشرين في هذه القارة. وفي لقاء مع "العربي الجديد" في ليما، يذكر أبو ظهر أن واقعاً عربياً في هذه القارة يحتاج لكثير من الاهتمام "إن على صعيد الثقافة واللغة والتاريخ، أو التواصل بين هؤلاء الذين يطلق عليهم جاليات، وخصوصاً الأجيال الثالثة والرابعة، وأوطانهم الأصلية". لا يخفي أيضاً القنصل أمله في التفات الجهات العربية إلى القارة بنحو أكثر جدية، وخصوصاً لناحية تأسيس مراكز ثقافية وتعليم اللغة العربية والتاريخ العربي.
وفي أروقة ما بعد كلمته، جال القنصل على أفراد الجالية اللبنانية، وممثلي دول الإقامة، ليعيد تأكيد ما جاء في كلمته، إثر تقليده الحضور العلم اللبناني فرداً فرداً، لضرورة أن يُبقي اللبنانيون تواصلهم مع بلادهم "فقد يكون جو الاستثمار لا يناسب كثيرين هذه الأيام، لكن على الأقل الاستثمار في رحلات دائمة إلى الوطن يعود أيضاً بكثير من الفوائد، إن على البلد أو على أبناء هؤلاء المغتربين".
وكان عديد اللبنانيين قد حضروا إلى مقر انعقاد المؤتمر اللبناني بقصد التعارف، في بلد مثل البيرو لا يوجد فيه نادٍ يلتقي فيه اللبنانيون. وقد حثّ في هذا الاتجاه القنصل أبو ظهر المقتدرين اللبنانيين على الذهاب نحو الاستثمار بتأسيس نادٍ يكون مفتوحاً للجميع، ومؤكداً لـ"العربي الجديد" أن نجاح التجربة ممكن بإبعاد التنافر الحزبي والتركيز على التعايش تحت سقف المواطنة في دنيا الاغتراب، تماماً كما يعيش الناس مع غيرهم من اتجاهات وأديان أخرى.
اقــرأ أيضاً
وبين أهم الأسئلة التي تشغل بال الباحثين عن الاغتراب اللبناني، السؤال المتعلق بحصر أعدادهم (باستثناء البرازيل التي تضم ملايين من أصل لبناني-سوري ممن حضروا في القرن التاسع عشر)، إذ يقدّر الدكتور نبيه شرتوني لـ"العربي الجديد" أن "الحديث عن رقم محدد يصعب في أميركا اللاتينية إذا استثنينا البرازيل، ولكن يمكن القول إن رقماً تقريبياً يشمل هؤلاء المقيمين في دول الكاريبي والمكسيك، حيث تضم الأخيرة نحو 700 ألف من أصول لبنانية، ويصلون إلى نحو مليونين في القارة".
في كلمته الافتتاحية في "المؤتمر القاري"، الذي شاركت فيه شخصيات من أستراليا وفرنسا وأميركا الشمالية للحديث عن تجاربهم وضرورة أن تأخذ "الجامعة الثقافية اللبنانية خطوة أولى نحو توحيد مجتمع الاغتراب اللبناني"، ووفق تأكيدات أغلب المتحدثين لـ"العربي الجديد"، ذهب القنصل اللبناني في بيرو حامد أبو ظهر نحو حثّ المؤتمر على استلهام فكرة تأسيس نادٍ لبناني جامع "والأخذ بالتجربة الفلسطينية التي تطورت إلى حدّ إقامة مهرجان تقاليد يجمع تحت لافتته عديد الفعاليات، ويجذب الناس إلى بعضهم وأصولهم".
وفي السياق عينه، تذكر المغتربة اللبنانية (التي لا تجيد العربية كحال كثيرين في اللاتينية) دانا موللر، أن "مسألة تأسيس نادٍ جامع للبنانيي أميركا اللاتينية، سيعتبر أمراً ممتازاً لأجل الالتقاء تحت سقف واحد وتعزيز العلاقات والثقافة بين الأجيال اللبنانية الجديدة وربطهم بوطنهم".
الحديث عن الارتباط بالوطن اللبناني أمر لُمس عملياً في الافتتاح. فهؤلاء، بمن فيهم غير الناطقين بالعربية، بعد أن عُزف النشيد الوطني للبيرو، كبلد مضيف لهؤلاء، وقفوا جميعاً ينشدون بالعربية النشيد الوطني اللبناني، وبعضهم بتأثر، وإن كان لا يجيد العربية، لكنه "يحفظ النشيد الوطني لبلده، ونعلمه لأطفالنا من خلال الاستماع إليه في بيوتنا"، كما يؤكد رجل الأعمال اللبناني خوسيه بوغصن الذي يضيف: "نحن لدينا طاقات كبيرة، وللأسف، إن جهود اللبنانيين في الاغتراب تضيع دون مؤسسة جامعة ومنظمة لقدراتهم خدمة لوطنهم الأصلي". والملاحظ أنه في غياب لغة عربية لدى بوغصن، فإنه يحرص على مسألة ما يجب عمله من أجل وطنه الأصلي، رغم أنه بيروفي في الولادة منذ أن هاجر أبوه وأعمامه، وهم يافعون، إلى أميركا اللاتينية.
القنصل اللبناني أبو ظهر، وفي كلمته وحديثه مع "العربي الجديد"، عاد ليؤكد فكرة أن "اللبنانيين في المهجر أقل ما يمكنهم فعله هو السفر مع أبنائهم سنوياً لرؤية الأماكن التي ينحدرون منها، وبذات الوقت دراسة ما يمكن أن يستثمر الواحد منهم في بلده. وعليه، يكون من الهام إيجاد مظلة جامعة للبنانيي المغترب اللاتيني بعيداً عن الانقسامات الطائفية والحزبية التي يمكن أن تفرق الناس ولا تجمعهم، ولهذا حثثتُ في كلمتي أمام الحضور على أن نتخلص من تلك التخندقات ونعيش بانسجام وتعايش كما يعيش اللبنانيون بين أبناء مجتمعاتهم في هذه القارة". الإضافة الأخرى التي تطرّق إليها القنصل أبو ظهر "أن يظهر اللبناني أنه سفير لبلده بتصرفات حكيمة وشكر لهذه المجتمعات المضيفة، وهو أمر حساس وهام يوصل رسالة إيجابية جداً عن هذه الجاليات والوطن الأصلي".
تقديرات لهجرة المسكيك
يؤكد رئيس لجنة الثقافة في "الجامعة اللبنانية" في المسكيك، نبيه شرتوني لـ"العربي الجديد" أن تاريخ اللبنانيين في البلد ليس بعيداً بشخصه عن قدم الاغتراب، "فيمكن القول إن المكسيك شهدت أولى الهجرات اللبنانية بين 1870 و1875، وعلى صعيد شخصي فإن جدي حضر إلى المكسيك في 1898 وتعلم لغة الشعب الأصلي، نوات، قبل تعلمه الإسبانية"، يقول شرتوني بلغة عربية واضحة، وهو في عقده السابع اليوم، بعد أن طور نفسه وقدراته حتى في تعليم العربية للناطقين وغير الناطقين بلغة الضاد، وتتكرر على لسانه مفردة "الله يحفظك"، وهو يسرد لمتحلقين حوله أهمية الحفاظ على العربية للمتحدرين من أصل لبناني.
وقد قدم في سبيل ذلك ورشة عمل في أثناء المؤتمر حول "سهولة تعلم العربية واللهجة اللبنانية حين مقارنتها بالإسبانية بوجود مشتركات كثيرة"، خلال استعراضه أيضاً بعض إصداراته عن تعليم العربية في المكسيك.
وبالرغم من أن بيرو "لا يوجد فيها في أحسن التقديرات إلا بضعة آلاف، إلا أن مهمتنا في الجامعة الثقافية اللبنانية في العالم تعمل بشكل حثيث لربط كل لبناني مغترب بثقافته ووطنه الأصلي لبنان"، على ما يذكر روجيه هاني القادم من باريس خصيصاً للمشاركة في مؤتمر ليما القاري للمتحدرين من أصل لبناني".
جمهورية الدومينكان
عند الحديث عن توزع اللبنانيين في جنوب القارة اللاتينية ووسطها، يذهب رجل الأعمال، صاحب شركة أمن مطار الدومينكان، ألفريدو مالك، لشرح وجود من هم من أصول لبنانية في هذا البلد، بالقول: "بدأت الهجرة إلى دومينكان في نهايات الـ 1800، وشخصياً هاجر جدي في 1895، وتقدَّر أعداد من هم من أصول لبنانية بنحو 400 ألف".
الجالية اللبنانية في دومينكان، وفقاً لمالك، تعتبر "جالية قوية إذا ما قارنتها بأخرى، فلدينا نادٍ يجمع فيه أيضاً الجاليتين الفلسطينية والسورية، وهما اللتان تربطنا بهما علاقة قوية، وعمارة من 5 طبقات، وفي النادي مطعم مختص بالمأكولات اللبنانية". ويضيف مالك: "حتى على المستوى التعليمي، لدينا أشهر أطباء ومهندسين من أصول لبنانية في هذا البلد الصغير، أضف إلى ذلك أعضاء برلمان ووزراء، بل إن رئيس الدولة في الثمانينيات يعقوب عازار هو من أصل لبناني، واليوم لدينا مرشح لرئاسة البلد في انتخابات مايو/ أيار القادم، لويس أبو ناضر، وهو أيضاً من أصول لبنانية مهاجرة منذ عقود طويلة".
المفارقة أن مالك يتحدث بعربية فصيحة، ليشرح قائلاً: "منذ قدوم جدي وولادة أبي في دومينكان، كان اللبنانيون يختارون إرسالنا صغاراً إلى لبنان لنتعلم ونعود إلى دومينكان، وهو ما حدث معي ومع كثيرين غيري من لبنانيي هذا البلد".
نحو خلق كتلة
يتشارك مغتربو لبنان مع غيرهم من المهاجرين من المشرق العربي، والأقرب إلى تجربتهم في مهاجر اللاتينية تلك الفلسطينية المنتشرة بكثافة في بعض دوله، وإن كانت الأعداد تتفاوت بين هؤلاء وهؤلاء في دول بعينها، لناحية الرغبة في تجميع ما أمكن من تلك الأصول والبحث عميقاً في بقاء التواصل بين هؤلاء وبلدهم الأصلي، ثقافياً ولغوياً "وليس فلكلورياً عبر بعض الأطعمة"، كما يضعها أحد المغتربين اللبنانيين المهتمين بوضع جاليتهم.
ففي تشيلي وبيرو يطغى الحضور من أصول فلسطينية، فيما المكسيك وحدها تضم نحو 700 ألف إلى جانب الكاريبي، وأميركا الوسطى عموماً يطغى عليها، إذا استثنينا البرازيل، الاغتراب اللبناني الذي يقدَّر بنحو مليونين، منحدرين من أصول لبنانية، وفقاً لمسؤولي "الجامعة الثقافية اللبنانية". ويرى القائمون على المؤتمر القاري للبنانيي اللاتينية أهمية كبيرة لإنشاء مظلة تجمع هؤلاء الباحثين عن استمرار التواصل مع وطنهم الأم لبنان، ثقافة ولغة وتاريخاً، وبعيداً عن الحساسيات الطائفية في البلد.
وفي مسعى لتطوير تنظيم الجالية اللبنانية في المهاجر اللاتينية، ذهب المؤتمرون في ليما إلى "تأسيس مجلس وطني في البيرو لنستطيع جمع اللبنانيين، وكخطوة نحو إنشاء شيء يجمع الجالية وأولادهم تحت مظلة التعريف بالثقافة والأصول والتاريخ الذي ينحدرون منه"، على ما يذكر روجيه هاني. وهو ما تشير إليه كل من نسرين إسبر، مسؤولة الجالية اللبنانية في تشيلي وزميلتها نيكولا ناصيف، حيث تشير الشابتان إلى "أهمية المؤتمر القاري لإنشاء حالة أخرى من علاقة الاغتراب اللبناني بالوطن الأصلي، وخصوصاً لدى جيل لبناني مولود من أصول بعيدة في هجرتها". ويبدو الطموح لدى كثيرين من هؤلاء في جنوب القارة أن يصبح للبنانيين نادٍ شبيه بالنادي الفلسطيني في سانتياغو، الذي يمتد على مساحة 100 ألف متر مربع، ويضم عديد الأنشطة وفريق "الفلسطيني" الذي يلعب في الدرجة الأولى، وتأسس قبل نحو 100 عام.
حامد أبو ظهر.. قنصل لبنان النشط
وفي أروقة ما بعد كلمته، جال القنصل على أفراد الجالية اللبنانية، وممثلي دول الإقامة، ليعيد تأكيد ما جاء في كلمته، إثر تقليده الحضور العلم اللبناني فرداً فرداً، لضرورة أن يُبقي اللبنانيون تواصلهم مع بلادهم "فقد يكون جو الاستثمار لا يناسب كثيرين هذه الأيام، لكن على الأقل الاستثمار في رحلات دائمة إلى الوطن يعود أيضاً بكثير من الفوائد، إن على البلد أو على أبناء هؤلاء المغتربين".
وكان عديد اللبنانيين قد حضروا إلى مقر انعقاد المؤتمر اللبناني بقصد التعارف، في بلد مثل البيرو لا يوجد فيه نادٍ يلتقي فيه اللبنانيون. وقد حثّ في هذا الاتجاه القنصل أبو ظهر المقتدرين اللبنانيين على الذهاب نحو الاستثمار بتأسيس نادٍ يكون مفتوحاً للجميع، ومؤكداً لـ"العربي الجديد" أن نجاح التجربة ممكن بإبعاد التنافر الحزبي والتركيز على التعايش تحت سقف المواطنة في دنيا الاغتراب، تماماً كما يعيش الناس مع غيرهم من اتجاهات وأديان أخرى.