هل تُريد أن تعرف ما آل إليه الاقتصاد المصري بعد مرور 21 عاماً من الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية؟ وهل تريد أن تعرف تأثيرات الإنضمام هذا على القطاعات الإنتاجية المصرية، في مقارنة مع الفترة التي سبقت عملية الإنضمام؟
أنت لست بحاجة لسؤال باحث اقتصادي متخصص أو حتى أصحاب المصانع، بل يكفي أن تفتح نقاشاً متواضعاً مع رجُلٍ بسيط يقف على عربة فول أو بائع في متجر أحذية أو ملابس أو موظف حتى تُيقن بأن مصير حياة المواطنين بكل فئاتهم باتت تخضع لسعر الدولار وأي تغييرات في أسعار السلع عالمياً.
فالدراسة التي أعدها الباحث الاقتصادي الموريتاني المصطفى ولد سيدي محمد قبل أكثر من 15 عاماً، رصدت متناقضات منظمة التجارة العالمية، وعلى رأسها أنه رغم تشكيل الدول النامية أكثر 75% من الدول الأعضاء بها، غير أن المنظمة تخدم حصراً الدول المتقدمة. والدراسة حذرت، شأنها شأن عدة دراسات، من أن الدول الصناعية الكبرى تسعى لتصريف إنتاجها المتراكم من السلع والخدمات وحل مشاكلها الاقتصادية على حساب دول الجنوب، وستهيمن لشركات عابرة القارات تدريجياً لرسم السياسات المالية والنقدية والضريبية التي تحاكي مصالحها التوسعية وزيادة أرباحها.
ومع ذلك خرج أمام المصريين مسؤولو رسم السياسات العامة خلال التسعينات، أي في العقد الثاني من حكم مُبارك، للتأكيد على حتمية انضمام مصر لمنظمة التجارة العالمية التي ستكون بوابة لتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
والأيام كانت فقط كفيلة بأن تثبت هراء جنة الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تستهدف بالأساس خدمة التجارة الخارجية بدافع تحقيق الربح الوفير والسريع في الدول التي تحقق النمو، أي أن هذه الاستثمارات تأتي للاستفادة من النمو الحاصل، في حين أن عائداتها تذهب بجلها إلى خارج البلاد.
وهم الاستثمارات الأجنبية
بلغة الأرقام التي لا يهواها المسؤولون في مصر، عندما حققت البلاد نمواً بنسبة 7% في العام المالي 2007 / 2008 تدفق إلى مصر 12 مليار دولار استثمارات أجنبية مباشرة. الآن بعد تراجع النمو إلى 4.2% في العام 2014/2015 هوت الاستثمارات إلى النصف تماماً بقيمة 6 مليارات دولار، أي إنها لا تعادل أكثر من 1.9% من إجمالي الناتج المحلي البالغ 310 مليارات دولار.
ربما يأتي أحد الآن للتسويق بأن المنظمة فتحت أبواباً للصادرات المصرية، ربما يكون هذا صحيحاً لفئة ضئيلة من بعض المنتجات الزراعية والمنسوجات. ولكن، عندما نُريد أن نصل إلى إجابة شاملة ليس علينا سوى رصد تطور قيمة العجز في الميزان التجاري الذي سجل وقت الانضمام للمنظمة 8.23 مليارات دولار ثم ارتفع العجز إلى 12 مليار دولار في 2000، قبل أن يتضخم ليسجل 38 مليار دولار العام الماضي.
اقــرأ أيضاً
إغلاق المصانع
هذه لغة الأرقام الصلبة، فالواقع بالمصانع المصرية أكثر مأساة بعد تعرض عمالها للتشرد وأغلقت أبوابها أمام أباطرة الاستيراد. ومن بين الأمثلة الحية على هذه المأساة، منطقة قويسنا الصناعية التي تأسست في محافظة المنوفية، بالتزامن مع انضمام مصر لمنظمة التجارة العالمية في 1994. إذ اضطرت مئات الورش والمصانع المتوسطة بهذه المنطقة لإغلاق أبوابها بسبب المسيطرين على مفاصل عمليات الاستيراد.
"كل عناصر الفشل تُحيط بالمشاريع الصغيرة وتدفعها للإغلاق، فالدولة تفتح الباب على مصرعيها أمام كبار المستوردين لإغراق السوق بكافة المنتجات"، بحسب حديث لصاحب مصنع صغير لتصنيع الطلمبات بمنطقة قويسنا الصناعية. ويقول : "كيف ننافس إذ كانت السلع تأتي من الصين مدعومة من حكومتها، وفي الوقت ذاته ارتفعت فواتير الكهرباء 3 مرات في مصر حتى بلغت 29 ألف جنيه شهرياً، بخلاف الضرائب المرتفعة، وارتفاع أسعار مواد الخام بسبب جنون سعر الدولار. كل هذا يؤدي في النهاية إلى إغلاق المصانع".
خدع دول الغرب
وتحليلاً لحجم التداعيات السلبية للانفتاح التجاري الخارجي دون قيود حمائية، تقول الباحثة الاقتصادية عزة إسماعيل في دراسة لها حول عضوية مصر بمنظمة التجارة العالمية إن ضعف مستوى الجودة بالمصانع المحلية والتأخر التكنولوجي وارتفاع سعر الخامات المستوردة أدت بدلاً من تحول مصر كدولة مصدرة إلى تكريس كونها دول مستوردة.
وتشير الدراسة إلى أن الدول المتقدمة حظيت بمزايا استثنائية في المنظمة التجارية العالمية على حساب الدول النامية، فعلى سبيل المثال استثنت الاقتصاديات الكبرى 22% من السلع المستوردة من التخفيضات الجمركية باعتبارها سلعاً حساسة رغم أن هذه السلع تمثل شريحة واسعة من صادرات الدول النامية مثل الجلود والمطاط والملابس والمنسوجات.
وهناك تحيُّز في نسبة تخفيض التعرفة الجمركيَّة لصالح الدُّول المتقدمة، إذ تصل نسبة الخفض الجمركي لصادرات الدول المتقدمة للاقتصاديات النامية إلى 45% في المتوسط، لا تزيد عن 30% بالنسبة لواردات الدول النامية من الاقتصاديات الكبرى.
يقول الخبراء إن التسلسل التاريخي لتحرير التجارة يكشف عن حدوث إغراق تدريجي للمنتجات الأجنبية المدعومة مالياً من حكوماتها بالسوق المصرية. ففي النصف الأول من تسعينات القرن الماضي حتى السنوات الخمس من الألفية الثانية تضررت مجموعة من المنتجات المحلية من الإغراق مثل الصناعات الكهربائية والصناعات الكيماوية.
اقــرأ أيضاً
وبحسب الخبراء، فإن الوضع تأزم في السنوات الأخيرة حتى لحق الضرر بالصناعات الثقيلة مثل الحديد والمنتجات الغذائية ومنتجات الورش الصغيرة.
ويؤكد الخبراء أن الدولة واجهت الإغراق بفرض رسوم حمائية ضد الإغراق لصالح منتجات الحديد والسكر تحت ضغط من الكيانات الاقتصادية الكبيرة سواء الحكومية المنتجة للسكر أو مجموعة صناع الحديد وعلى رأسهم رجل الأعمال أحمد عز، ولكن ظلت بقية الصناعات تخضع لحرب اقتصادية شرسة من المنتجات المستوردة.
ليست سوى نقمة
وتحت وطأة هذه الحرب الاقتصادية تحولت ميزة انخفاض سعر المنتجات المستوردة عن نظيرتها الوطنية إلى نقمة بعد إغلاق العديد من المصانع والاعتماد على الخارج في تأمين أكثر من 50% من احتياجات مصر السلعية. فقد أدى هذا الوضع المشوه وسط الأزمة الاقتصادية للبلاد إلى تآكل الاحتياطات من النقد الأجنبي.
ويشرح الخبراء بأنه حتى تستطيع البلاد تدعيم صادراتها وكذلك تدعيم المنتج المحلي في محاولة لإنقاذ الموقف اضطرت إلى خفض قيمة الجنيه مقابل الدولار بشكل تدريجي حتى انخفض رسميًا خلال آخر 6 سنوات من مستوى 6 جنيهات إلى 8.87 جنيهات، وتجاوز 11 جنيهاً بالسوق السوداء. الأمر الذي رفع معه الأسعار بشدة بصورة تفوق معدلات زيادة دخل المواطن.
ويطالب الخبراء بأن تفرض الدولة رسوماً وقائياً على المنتج المحلي ضد المنتجات التي يمارس مُصدريها سياسات إغراقية، ومراجعة الرسوم الجمركية بصفة مستمرة، وتقديم دعم مالي أكبر للصادرات المصرية، إلى جانب السعي في تشكيل تكتلات اقتصادية إقليمية بناءً على اتفاقيات تجارية متوازنة.
ومنعت مصر في العام الماضي استيراد فوانيس رمضان تحت بند حماية الهوية الثقافية المنصوص عليه في قانون منظمة التجارة العالمية، فضلاً عن إصدار قانون تفضيل المنتج المحلي في تعاقدات التوريدات الحكومية والذي يقضي بأن تكون نسبة المكون المحلي 40% باستثناء حالات المصلحة العامة أو الأمن القومي.
على جانب آخر، فقدت عضوية منظمة التجارة العالمية ميزة استيراد المواد الخام الوسيطة ومعدات الإنتاج بأسعار مخفضة جدواها بعد قفزة سعر الدولار، والتي أدت إلى ارتفاع كُلفة الإنتاج وضعف قدرة المنتجات المحلية على المنافسة داخلياً وخارجياً.
وفي ضوء ذلك، يشدّد الخبراء على أن حل أزمة الصناعة المصرية في مواجهة العالم الخارجي تكمن في تصنيع المواد الخام الوسيطة محلياً لخفض الأكّلاف وتعزيز قدرتها التنافسية.
مأساة الزراعة
ولم تكن الزراعة بمنأى عن التداعيات الكارثية لانضمام مصر لمنظمة التجارة العالمية. إذ ترصد دراسة للباحث محمد عبد النبي بمعهد بحوث الاقتصاد الزراعي إلى تراجع صافي الدخل الزراعي بعد التحرير التجاري الكامل من 4% إلى 3%.
كما أدى غزو المنتجات الغذائية الأجنبية إلى انخفاض نسبة العاملين بالزراعة من إجمالي قوة العمل إلى 28% خلال 2013 مقارنة بنحو 35% عام 1994 بحسب بيانات منظمة العمل الدولية.
فيما زادت نسبة الأراضي المزروعة من إجمالي مساحة من 3.3% إلى3.8% فقط منذ 1994 حتى 2013، رغم أن هذه الفترة شهدت ارتفاع التعداد السكاني من 61 مليوناً إلى 90 مليون نسمة بزيادة قدرها 47.5%، بحسب بيانات البنك الدولي.
لا تحسن في المؤشرات الاجتماعية
تقول منظمة التجارة العالمية إن أحد أبرز أهدافها: "إقامة عالم اقتصادي يسوده الرخاء والسلام". و"تحقيق مصلحة ورفاهية شعوب الدول الأعضاء". ولكن ماذا تقول الأرقام؟ تشير دراسة "البطالة في مصر وآثارها على الناتج المحلي" الصادرة عن قسم الاقتصاد الزراعي، المركز القومي للبحوث، أن معدل البطالة في مصر كان في العام 1994بنسبة 11.14%، وكان عدد السكان 61.2 مليون نسمة. ارتفعت النسبة إلى 12.8% في العام 2015 على عدد سكان بلغ 94 مليون نسمة. أما معدل الفقر فقد ارتفع من 19.4% في العام 1995 بحسب أرقام البنك الدولي، إلى 26.3% في العام 2015 بحسب جهاز الإحصاء المصري. وإن كان الانضمام ليس وحده السبب في تراجع المؤشرات الاجتماعية، إلا أن دخول مصر إلى المنظمة لم يكن عاملاً مساعداً في هذا الإطار.
اقــرأ أيضاً
فالدراسة التي أعدها الباحث الاقتصادي الموريتاني المصطفى ولد سيدي محمد قبل أكثر من 15 عاماً، رصدت متناقضات منظمة التجارة العالمية، وعلى رأسها أنه رغم تشكيل الدول النامية أكثر 75% من الدول الأعضاء بها، غير أن المنظمة تخدم حصراً الدول المتقدمة. والدراسة حذرت، شأنها شأن عدة دراسات، من أن الدول الصناعية الكبرى تسعى لتصريف إنتاجها المتراكم من السلع والخدمات وحل مشاكلها الاقتصادية على حساب دول الجنوب، وستهيمن لشركات عابرة القارات تدريجياً لرسم السياسات المالية والنقدية والضريبية التي تحاكي مصالحها التوسعية وزيادة أرباحها.
ومع ذلك خرج أمام المصريين مسؤولو رسم السياسات العامة خلال التسعينات، أي في العقد الثاني من حكم مُبارك، للتأكيد على حتمية انضمام مصر لمنظمة التجارة العالمية التي ستكون بوابة لتدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
والأيام كانت فقط كفيلة بأن تثبت هراء جنة الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تستهدف بالأساس خدمة التجارة الخارجية بدافع تحقيق الربح الوفير والسريع في الدول التي تحقق النمو، أي أن هذه الاستثمارات تأتي للاستفادة من النمو الحاصل، في حين أن عائداتها تذهب بجلها إلى خارج البلاد.
وهم الاستثمارات الأجنبية
بلغة الأرقام التي لا يهواها المسؤولون في مصر، عندما حققت البلاد نمواً بنسبة 7% في العام المالي 2007 / 2008 تدفق إلى مصر 12 مليار دولار استثمارات أجنبية مباشرة. الآن بعد تراجع النمو إلى 4.2% في العام 2014/2015 هوت الاستثمارات إلى النصف تماماً بقيمة 6 مليارات دولار، أي إنها لا تعادل أكثر من 1.9% من إجمالي الناتج المحلي البالغ 310 مليارات دولار.
ربما يأتي أحد الآن للتسويق بأن المنظمة فتحت أبواباً للصادرات المصرية، ربما يكون هذا صحيحاً لفئة ضئيلة من بعض المنتجات الزراعية والمنسوجات. ولكن، عندما نُريد أن نصل إلى إجابة شاملة ليس علينا سوى رصد تطور قيمة العجز في الميزان التجاري الذي سجل وقت الانضمام للمنظمة 8.23 مليارات دولار ثم ارتفع العجز إلى 12 مليار دولار في 2000، قبل أن يتضخم ليسجل 38 مليار دولار العام الماضي.
إغلاق المصانع
هذه لغة الأرقام الصلبة، فالواقع بالمصانع المصرية أكثر مأساة بعد تعرض عمالها للتشرد وأغلقت أبوابها أمام أباطرة الاستيراد. ومن بين الأمثلة الحية على هذه المأساة، منطقة قويسنا الصناعية التي تأسست في محافظة المنوفية، بالتزامن مع انضمام مصر لمنظمة التجارة العالمية في 1994. إذ اضطرت مئات الورش والمصانع المتوسطة بهذه المنطقة لإغلاق أبوابها بسبب المسيطرين على مفاصل عمليات الاستيراد.
"كل عناصر الفشل تُحيط بالمشاريع الصغيرة وتدفعها للإغلاق، فالدولة تفتح الباب على مصرعيها أمام كبار المستوردين لإغراق السوق بكافة المنتجات"، بحسب حديث لصاحب مصنع صغير لتصنيع الطلمبات بمنطقة قويسنا الصناعية. ويقول : "كيف ننافس إذ كانت السلع تأتي من الصين مدعومة من حكومتها، وفي الوقت ذاته ارتفعت فواتير الكهرباء 3 مرات في مصر حتى بلغت 29 ألف جنيه شهرياً، بخلاف الضرائب المرتفعة، وارتفاع أسعار مواد الخام بسبب جنون سعر الدولار. كل هذا يؤدي في النهاية إلى إغلاق المصانع".
خدع دول الغرب
وتحليلاً لحجم التداعيات السلبية للانفتاح التجاري الخارجي دون قيود حمائية، تقول الباحثة الاقتصادية عزة إسماعيل في دراسة لها حول عضوية مصر بمنظمة التجارة العالمية إن ضعف مستوى الجودة بالمصانع المحلية والتأخر التكنولوجي وارتفاع سعر الخامات المستوردة أدت بدلاً من تحول مصر كدولة مصدرة إلى تكريس كونها دول مستوردة.
وتشير الدراسة إلى أن الدول المتقدمة حظيت بمزايا استثنائية في المنظمة التجارية العالمية على حساب الدول النامية، فعلى سبيل المثال استثنت الاقتصاديات الكبرى 22% من السلع المستوردة من التخفيضات الجمركية باعتبارها سلعاً حساسة رغم أن هذه السلع تمثل شريحة واسعة من صادرات الدول النامية مثل الجلود والمطاط والملابس والمنسوجات.
وهناك تحيُّز في نسبة تخفيض التعرفة الجمركيَّة لصالح الدُّول المتقدمة، إذ تصل نسبة الخفض الجمركي لصادرات الدول المتقدمة للاقتصاديات النامية إلى 45% في المتوسط، لا تزيد عن 30% بالنسبة لواردات الدول النامية من الاقتصاديات الكبرى.
يقول الخبراء إن التسلسل التاريخي لتحرير التجارة يكشف عن حدوث إغراق تدريجي للمنتجات الأجنبية المدعومة مالياً من حكوماتها بالسوق المصرية. ففي النصف الأول من تسعينات القرن الماضي حتى السنوات الخمس من الألفية الثانية تضررت مجموعة من المنتجات المحلية من الإغراق مثل الصناعات الكهربائية والصناعات الكيماوية.
وبحسب الخبراء، فإن الوضع تأزم في السنوات الأخيرة حتى لحق الضرر بالصناعات الثقيلة مثل الحديد والمنتجات الغذائية ومنتجات الورش الصغيرة.
ويؤكد الخبراء أن الدولة واجهت الإغراق بفرض رسوم حمائية ضد الإغراق لصالح منتجات الحديد والسكر تحت ضغط من الكيانات الاقتصادية الكبيرة سواء الحكومية المنتجة للسكر أو مجموعة صناع الحديد وعلى رأسهم رجل الأعمال أحمد عز، ولكن ظلت بقية الصناعات تخضع لحرب اقتصادية شرسة من المنتجات المستوردة.
ليست سوى نقمة
وتحت وطأة هذه الحرب الاقتصادية تحولت ميزة انخفاض سعر المنتجات المستوردة عن نظيرتها الوطنية إلى نقمة بعد إغلاق العديد من المصانع والاعتماد على الخارج في تأمين أكثر من 50% من احتياجات مصر السلعية. فقد أدى هذا الوضع المشوه وسط الأزمة الاقتصادية للبلاد إلى تآكل الاحتياطات من النقد الأجنبي.
ويشرح الخبراء بأنه حتى تستطيع البلاد تدعيم صادراتها وكذلك تدعيم المنتج المحلي في محاولة لإنقاذ الموقف اضطرت إلى خفض قيمة الجنيه مقابل الدولار بشكل تدريجي حتى انخفض رسميًا خلال آخر 6 سنوات من مستوى 6 جنيهات إلى 8.87 جنيهات، وتجاوز 11 جنيهاً بالسوق السوداء. الأمر الذي رفع معه الأسعار بشدة بصورة تفوق معدلات زيادة دخل المواطن.
ويطالب الخبراء بأن تفرض الدولة رسوماً وقائياً على المنتج المحلي ضد المنتجات التي يمارس مُصدريها سياسات إغراقية، ومراجعة الرسوم الجمركية بصفة مستمرة، وتقديم دعم مالي أكبر للصادرات المصرية، إلى جانب السعي في تشكيل تكتلات اقتصادية إقليمية بناءً على اتفاقيات تجارية متوازنة.
ومنعت مصر في العام الماضي استيراد فوانيس رمضان تحت بند حماية الهوية الثقافية المنصوص عليه في قانون منظمة التجارة العالمية، فضلاً عن إصدار قانون تفضيل المنتج المحلي في تعاقدات التوريدات الحكومية والذي يقضي بأن تكون نسبة المكون المحلي 40% باستثناء حالات المصلحة العامة أو الأمن القومي.
على جانب آخر، فقدت عضوية منظمة التجارة العالمية ميزة استيراد المواد الخام الوسيطة ومعدات الإنتاج بأسعار مخفضة جدواها بعد قفزة سعر الدولار، والتي أدت إلى ارتفاع كُلفة الإنتاج وضعف قدرة المنتجات المحلية على المنافسة داخلياً وخارجياً.
وفي ضوء ذلك، يشدّد الخبراء على أن حل أزمة الصناعة المصرية في مواجهة العالم الخارجي تكمن في تصنيع المواد الخام الوسيطة محلياً لخفض الأكّلاف وتعزيز قدرتها التنافسية.
مأساة الزراعة
ولم تكن الزراعة بمنأى عن التداعيات الكارثية لانضمام مصر لمنظمة التجارة العالمية. إذ ترصد دراسة للباحث محمد عبد النبي بمعهد بحوث الاقتصاد الزراعي إلى تراجع صافي الدخل الزراعي بعد التحرير التجاري الكامل من 4% إلى 3%.
كما أدى غزو المنتجات الغذائية الأجنبية إلى انخفاض نسبة العاملين بالزراعة من إجمالي قوة العمل إلى 28% خلال 2013 مقارنة بنحو 35% عام 1994 بحسب بيانات منظمة العمل الدولية.
فيما زادت نسبة الأراضي المزروعة من إجمالي مساحة من 3.3% إلى3.8% فقط منذ 1994 حتى 2013، رغم أن هذه الفترة شهدت ارتفاع التعداد السكاني من 61 مليوناً إلى 90 مليون نسمة بزيادة قدرها 47.5%، بحسب بيانات البنك الدولي.
لا تحسن في المؤشرات الاجتماعية
تقول منظمة التجارة العالمية إن أحد أبرز أهدافها: "إقامة عالم اقتصادي يسوده الرخاء والسلام". و"تحقيق مصلحة ورفاهية شعوب الدول الأعضاء". ولكن ماذا تقول الأرقام؟ تشير دراسة "البطالة في مصر وآثارها على الناتج المحلي" الصادرة عن قسم الاقتصاد الزراعي، المركز القومي للبحوث، أن معدل البطالة في مصر كان في العام 1994بنسبة 11.14%، وكان عدد السكان 61.2 مليون نسمة. ارتفعت النسبة إلى 12.8% في العام 2015 على عدد سكان بلغ 94 مليون نسمة. أما معدل الفقر فقد ارتفع من 19.4% في العام 1995 بحسب أرقام البنك الدولي، إلى 26.3% في العام 2015 بحسب جهاز الإحصاء المصري. وإن كان الانضمام ليس وحده السبب في تراجع المؤشرات الاجتماعية، إلا أن دخول مصر إلى المنظمة لم يكن عاملاً مساعداً في هذا الإطار.