انعقدت أول جلسة لمجلس الشعب المصري في مطلع العام الحالي، وسط حالة تباين شديد إزاء المنهج، الذي تم على أساسه تشكيل البرلمان، حتى تصاعدت حدة الاتهامات الموجهة إليه بأنه صنيعة المخابرات العامة في ظل فوز قائمة "في حب مصر" الداعمة للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، بنسبة 52% من المقاعد الحزبية، والتي كانت نواة لـ "ائتلاف دعم مصر" الذي استحوذ على 52.85% من البرلمان، وهو الائتلاف المناصر أيضاً للسيسي.
هذه الصورة القاتمة، التي صبغت البرلمان الذي من المُفترض دستورياً أن يستمر خمس سنوات، رسمت تصوراً مبدئياً لدى شريحة عريضة من الجمهور، بأنه سيكون امتداداً للسلطة التنفيذية دون مُعارضة حقيقية. ومع ذلك تمسك البعض بأمل أن يمارس البرلمان الحد الأدنى من الواجبات بصفته وكيل الشعب. ولعل أبسطها الرقابة المالية على العقود، التي تبرمها السلطة التنفيذية.
الأمر حتى الآن يمثل أبسط أدوار أي برلمان يسعى إلى نيل قدر متواضع من التقدير الشعبي. فالسواد الأعظم لم يرفع سقف آماله بأن يكون هذا البرلمان مُعبراً حقيقياً عن إرادة الناس، في التصدي للقمع المُمنهج للحريات، أو نشر أجواء الديمقراطية. المطلب فقط مناقشة البرلمان لطريقة إنفاق الأموال العامة، بعد أن بات كل بيت مصري يعيش حياة صعبة ولا يقوى على تحمل مصائب جديدة تعصف بحياته.
وحتى هذه اللحظة لم يفعل البرلمان شيئاً يُثبت جدارته في نيل ثقة الشعب كرقيب مالي على السلطة، بل إنه يوماً تلو الآخر يقدم أوراق اعتماده للنظام كشريك في إخفاء الحقائق المتعلقة بإنفاق موارد الدولة.
ولم يتدرج البرلمان في تقديم أوراق اعتماده للنظام، بل إنه غض الطرف عن أكبر صفقة مالية شهدتها مصر في عصرها الحديث. تتعلق الصفقة بتوقيع الحكومة اتفاقاً مع روسيا لإنشاء
محطة طاقة نووية، تتضمن تقديم الجانب الروسي قرضاً بقيمة 25 مليار دولار على 13 عاماً، ويسدد القرض على أقساط لمدة 22 عاماً بفائدة 3% سنوياً، مع الالتزام بسداد غرامة تعادل 150% من هذه الفائدة عند التأخر 10 أيام عن سداد أي قسط...
فالحكومة وقعت عقد الاتفاقية المخالفة للدستور دون الرجوع للبرلمان، ومع ذلك لم يبد الأخير انزعاجه من سلب الحقوق التي أوكلها الشعب إليه للدفاع عنها. ولم يتجاوز الموقف سوى عدة طلبات إحاطة لم تُحسم نتائجها. المأساة الحقيقية هي أن الأجيال، التي لم تولد بعد، ستدفع ثمن هذا الفساد، إذ إننا سنبدأ سداد أقساط القرض بحلول عام 2029 حتى 2050.
لم يكلّف مجلس النواب خاطره بأن يسأل الدولة، لماذا نتحمل التزاماً ضخماً بالعملة الصعبة، في الوقت الذي تتعطل فيه مشاريع الطاقة المتجددة بسبب رفض الدولة طلب المستثمرين شراء الحكومة إنتاج المحطات بالعملة الصعبة، حتى يستطيعوا سداد القروض المدفوعة بالدولار، في حين أن 85% من مكونات المحطات مستوردة من الخارج.
اقــرأ أيضاً
لم يُفكر البرلمان لبرهةً أن الدولة لا تستطيع تحمل التزامات خارجية إضافية، وأن الدين الخارجي يتفاقم بشراسة حتى سجل أعلى مستوى تاريخي له بواقع 53.4 مليار دولار، بل كُل ما يفهمه البرلمان هو تحذير النواب من انتقاد سياسات البنك المركزي في الإعلام، أو الحصول على دورات تدريبية لفهم موازنة تقدم فروض الطاعة الكاملة للنظام.
حتى تحول النواب في خضم هذه السياسات من رقباء إلى مراقَبين ومعرضين للإحالة إلى لجنة القيم بمجلس الشعب، والخضوع للعقاب أو حتى العزل بدعم من قوة أصوات ائتلاف دعم مصر.
نفس المأساة تتكرر مع صفقات السلاح، التي يعقدها الجيش. نعم أية دولة بحاجة إلى تدعيم قدراتها العسكرية وتنويع مصادر السلاح، ولكن هذا ليس معناه أن تظل التفاصيل طي الكتمان،
وأن يقف من ينوب عن الشعب في موقف المشاهد.
أبسط مثال على إحدى المصائب التي سيدفع أولادنا وأحفادنا ثمنها، هو اكتفاء البرلمان بالتصويت على قرار رئيس الجمهورية بالموافقة على توقيع قرض بين وزارة الدفاع ومصارف فرنسية بقيمة 3.375 مليارات يورو لتمويل صفقات سلاح، دون مناقشة بنود الاتفاقية وإطلاع الشعب عليها كحق أصيل له، منعاً لفساد عمولات سمسرة السلاح المنتشرة عالمياً.
بعد كُل ذلك نسأل من أين يأتي الفساد، إذ كان الرقيب نفسهُ متستراً عليه.
ويعيدُنا هذا إلى مشهد محاكمة هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، بتهمة نشر أخبار كاذبة بعدما أعلن أن حجم الفساد بلغ 600 مليار جنيه منذ 2012 حتى 2015.
والأغرب أنه رغم إرسال جنينة تقاريره عن الفساد إلى البرلمان، إلا أن الأخير لم يعلن حتى الآن أي شيء بشأنها، وفضل الصمت استكمالاً لسياسات التعتيم وإخفاء المعلومات.
الأمر الأخير، الذي يجب أن يتذكره البرلمان، أن ميزانيته التي ارتفعت من 885 مليون جنيه حتى 997 مليون جنيه، من أجل سداد راتب شهري يبلغ 13 ألف جنيه في المتوسط لكل عضو برلماني، هي أموال جاءت من جيب المواطن الذي يتمتع بحق أصيل في معرفه كيف تنفق موارد بلاده.
الأمر حتى الآن يمثل أبسط أدوار أي برلمان يسعى إلى نيل قدر متواضع من التقدير الشعبي. فالسواد الأعظم لم يرفع سقف آماله بأن يكون هذا البرلمان مُعبراً حقيقياً عن إرادة الناس، في التصدي للقمع المُمنهج للحريات، أو نشر أجواء الديمقراطية. المطلب فقط مناقشة البرلمان لطريقة إنفاق الأموال العامة، بعد أن بات كل بيت مصري يعيش حياة صعبة ولا يقوى على تحمل مصائب جديدة تعصف بحياته.
وحتى هذه اللحظة لم يفعل البرلمان شيئاً يُثبت جدارته في نيل ثقة الشعب كرقيب مالي على السلطة، بل إنه يوماً تلو الآخر يقدم أوراق اعتماده للنظام كشريك في إخفاء الحقائق المتعلقة بإنفاق موارد الدولة.
ولم يتدرج البرلمان في تقديم أوراق اعتماده للنظام، بل إنه غض الطرف عن أكبر صفقة مالية شهدتها مصر في عصرها الحديث. تتعلق الصفقة بتوقيع الحكومة اتفاقاً مع روسيا لإنشاء
فالحكومة وقعت عقد الاتفاقية المخالفة للدستور دون الرجوع للبرلمان، ومع ذلك لم يبد الأخير انزعاجه من سلب الحقوق التي أوكلها الشعب إليه للدفاع عنها. ولم يتجاوز الموقف سوى عدة طلبات إحاطة لم تُحسم نتائجها. المأساة الحقيقية هي أن الأجيال، التي لم تولد بعد، ستدفع ثمن هذا الفساد، إذ إننا سنبدأ سداد أقساط القرض بحلول عام 2029 حتى 2050.
لم يكلّف مجلس النواب خاطره بأن يسأل الدولة، لماذا نتحمل التزاماً ضخماً بالعملة الصعبة، في الوقت الذي تتعطل فيه مشاريع الطاقة المتجددة بسبب رفض الدولة طلب المستثمرين شراء الحكومة إنتاج المحطات بالعملة الصعبة، حتى يستطيعوا سداد القروض المدفوعة بالدولار، في حين أن 85% من مكونات المحطات مستوردة من الخارج.
حتى تحول النواب في خضم هذه السياسات من رقباء إلى مراقَبين ومعرضين للإحالة إلى لجنة القيم بمجلس الشعب، والخضوع للعقاب أو حتى العزل بدعم من قوة أصوات ائتلاف دعم مصر.
نفس المأساة تتكرر مع صفقات السلاح، التي يعقدها الجيش. نعم أية دولة بحاجة إلى تدعيم قدراتها العسكرية وتنويع مصادر السلاح، ولكن هذا ليس معناه أن تظل التفاصيل طي الكتمان،
أبسط مثال على إحدى المصائب التي سيدفع أولادنا وأحفادنا ثمنها، هو اكتفاء البرلمان بالتصويت على قرار رئيس الجمهورية بالموافقة على توقيع قرض بين وزارة الدفاع ومصارف فرنسية بقيمة 3.375 مليارات يورو لتمويل صفقات سلاح، دون مناقشة بنود الاتفاقية وإطلاع الشعب عليها كحق أصيل له، منعاً لفساد عمولات سمسرة السلاح المنتشرة عالمياً.
بعد كُل ذلك نسأل من أين يأتي الفساد، إذ كان الرقيب نفسهُ متستراً عليه.
ويعيدُنا هذا إلى مشهد محاكمة هشام جنينة، رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات، بتهمة نشر أخبار كاذبة بعدما أعلن أن حجم الفساد بلغ 600 مليار جنيه منذ 2012 حتى 2015.
والأغرب أنه رغم إرسال جنينة تقاريره عن الفساد إلى البرلمان، إلا أن الأخير لم يعلن حتى الآن أي شيء بشأنها، وفضل الصمت استكمالاً لسياسات التعتيم وإخفاء المعلومات.
الأمر الأخير، الذي يجب أن يتذكره البرلمان، أن ميزانيته التي ارتفعت من 885 مليون جنيه حتى 997 مليون جنيه، من أجل سداد راتب شهري يبلغ 13 ألف جنيه في المتوسط لكل عضو برلماني، هي أموال جاءت من جيب المواطن الذي يتمتع بحق أصيل في معرفه كيف تنفق موارد بلاده.