عسكرة الاقتصاد "تُطفش" الاستثمارات المصرية إلى الخارج

18 يوليو 2016
الأسواق المصرية تشهد منافسة غير متكافئة (مصطفى أوزتورك/ الأناضول)
+ الخط -
يطلق المسؤولون الحكوميون خلال موسم إعداد الموازنة العامة تصريحات متفائلة إزاء قدرة البلاد على جذب استثمارات من القطاع الخاص تُحرك مياه الاقتصاد الراكدة. وبعد انتهاء العام تفشل الحكومة كالعادة في تحقيق أهداف الموازنة. 

وبدلاً من أن تبحث الحكومة المصرية عن أسباب فشل جذب استثمارات المصريين لضخها في الاقتصاد، اكتفت بالاعتراف بفشلها في تحقيق الأهداف من دون محاولة حل هذه المشكلة التي تتسبب في تراجع فرص العمل المطروحة أمام الشباب وزيادة الدخل. وذلك في الوقت الذي تضم البلاد أكثر من 3 ملايين معطّل عن العمل وفقاً للإحصاءات الرسمية، بينما تضاعف الإحصاءات غير الرسمية هذا الرقم. 
فبحسب الأرقام الحكومية أيضاً كانت موازنة العام المالي الحالي تستهدف جذب استثمارات من القطاع الخاص بقيمة 360 مليار جنيه، وعندم تأكدت الحكومة من فشل استقطاب تلك الاستثمارات خفضت الرقم للعام المالي المقبل إلى 292 مليار جنيه، أي أن هناك قرابة 68 مليار جنيه سيتم تجميد ضخها في السوق المحلية، وسيتم استثمارها في الخارج على الأغلب لعدم توافر أجواء ملائمة للاستثمار في مصر.

وبدلاً من أن توجه الحكومة موارد الدولة إلى تحسين خدمات الصحة والتعليم، اتجهت إلى زيادة الاستثمارات الحكومية لتعويض انكماش استثمارات القطاع الخاص، وهو الأمر الذي يتجلى في رفع الحكومة استثماراتها من 25% إلى 45%، في ظل تراجع خطة استثمارات الشركات الخاصة من 75% إلى 55% من إجمالي استثمارات البلاد.

ويرجع المستثمرون والباحثون الاقتصاديون هذا الهروب الاستثماري، سواء للشركات المحلية أو الأجنبية، إلى اضطراب أوضاع البلاد بشكل عام.
ويتساءل الباحث الاقتصادي علي منصور في تصريحات، عن كيفية اتخاذ المستثمر المصري قراراً بضخ استثمارات جديدة أو التوسع في الاستثمارات الحالية إذا كان الاستقرار السياسي غائبا ولا يعلم ما هو مستقبل النظام السياسي نتيجة عدم تثبيت أركانه في ظل الاضطرابات المعيشية.

ويوضح منصور أن المستثمر يُريد ضمان استقرار الأوضاع لمدة 5 سنوات على الأقل حتى يضخ المشاريع، وهذا الأمر لم يتحقق حتى الآن، بالتزامن مع عدم الاستقرار الأمني.
ولا تقتصر أسباب خروج الاستثمارات المحلية خارج البلاد على العوامل السياسية والأمنية فقط، بل تلعب السياسات الاقتصادية المتخبطة دوراً مؤثراً أيضاً.
يؤكد منصور أنه "هناك عدة أسباب لعدم وجود يقين بتحسن السياسات الاقتصادية، في مقدمتها توغّل مؤسسة الجيش في الأعمال الاقتصادية كمنافس ضخم للمستثمرين بدءاً من الأغذية وصناعة الإسمنت وإنشاءات البنية التحتية حتى التوسع في العقارات وصولاً إلى الاستعداد لدخول تجارة الجملة والحديد والحصول على توكيلات مثل توريد أجهزة التبريد والتكييف".

ويشدد على أن هذه المنافسة غير متكافئة على الإطلاق بسبب الإعفاءات الجمركية والضريبية والاعتماد على عمالة من المجندين، وكل هذه أمور تُرجح كفة توسع قوة الجيش الاقتصادية على حساب الشركات المحلية.
ويبرر الجيش تدخله في الحياة الاقتصادية برغبته في سرعة إنجاز المشاريع مثل البنية التحتية والمشروعات السكنية، فضلاً عن خفض الأكلاف عبر تصنيع المواد الأولية بنفسه مثل الإسمنت.

ولكن تم رصد مثال فج على وضع مؤسسة الجيش عراقيل أمام شركات توريد أجهزة التكييف تمهيداً لاقتحام هذه القطاع الحيوي. إذ بعد رفع الحكومة التعرفة الجمركية على أجهزة التكييف بواقع 40% ضمن عدة منتجات مستوردة في يناير/ كانون الثاني الماضي، زادت أسعار الأجهزة بنسب تتجاوز 20%. إلا أن وزارة الإنتاج الحربي تعاقدت مع شركة صينية لتوريد أجهزة التكييف وبيعها للمواطنين بسعر 5200 جنيه، مقابل متوسط 7 آلاف جنيه للشركات الخاصة. علماً بأن الشركة الصينية تبيعه بما يعادل 1600 جنيه في الخارج.
ولا يوجد ما يبرر هذا الفارق الكبير بينه وبين سعر وزارة الإنتاج الحربي نظراً لعدم تحمل الجيش أي تعرفة جمركية على عكس القطاع الخاص.
بينما يُشير مدير الاستثمار أحمد فريد إلى أن التدخل السلطوي في مناخ الاستثمار رفع من مستوى المخاوف لدى المستثمرين، مثل إجبار الشركات على التبرع لصالح صندوق تحيا مصر مقابل تيسير حركة أعمالهم. ويتابع في تصريحات: "كما أن هناك شركات محلية وأجنبية تسيطر على الأسواق إلى جانب مؤسسة الجيش، ما يؤدي إلى خروج المستثمرين الأقل حجماً سواء للفشل في إيجاد أرضية لبناء أعمالها أو الخوف من الدخول في صدام مستقبلي مع السلطة".
ويشدد مدير الاستثمار على أن نقص الطاقة والدولار يشكل أحد أبرز عوامل طرد الاستثمارات المحلية والأجنبية على حد سواء، لأنها تتسبب في انخفاض طاقات التشغيل بالمصانع إلى أقل من 50% ومن ثم منع استقبال استثمارات جديدة.
هذا فضلاً عن فقدان المستثمرين للمزايا التي كانوا يتمتعون بها قبل ذلك مثل الحصول على إعفاءات ضريبية لفترات تصل إلى 10 سنوات وسهولة الحصول على أراض صناعية مزودة بالمرافق، وتيسير الاقتراض.
دلالات