تعج شوارع العاصمة صنعاء بالمتسولين. الحاجة وغياب فرص العمل وراء مد أيديهم للناس كما يؤكدون. الشاب أبو بكر يستجدي المارة طوال اليوم. يقول لـ "العربي الجديد": "لم أجد فرصة للعمل، الأمر الذي دفعني إلى مد يدي للناس، الذين هم في الأساس يحتاجون إلى مساعدة". ويتابع أبو بكر حديثه: "أصبح الحال مؤسفا للغاية، فكيف لفقير أن يساعد آخر، إذ أن كل من يعيشون في هذا البلد فقراء، أما الأغنياء فقد غادروا إلى الخارج، لأن أوضاعهم المالية تسمح لهم بالعيش بعيداً عن المَآسِي والأوجاع التي تحل بنا في هذا البلد".
لا يختلف وضع الشاب محمد سالم كثيراً عن وضع أبوبكر. فهو لم يعد قادراً على العمل في مهنته التي يزاولها منذ ثمان سنوات. لقد عمل سالم سابقاً مهندساً ميكانيكياً، لكنه أصبح يمارس مهنة غسل السيارات بدلاً من إصلاحها. يقول لـ "العربي الجديد": "منذ حوالي عام، أُغلقت الورشة التي عملت فيها طيلة ثمان سنوات، ولم أجد فرصة أخرى، ولجأت إلى غسل السيارات وهي مهنة شريفة بدلاً من التسول أو الموت جوعاً".
عقود على غياب التنمية
منذ أكثر من نصف قرن واليمن بعيداً عن التنمية، الأمر الذي أجبر الشعب التعايش مع الأزمات التي تخلفها الحروب والصراعات التي لم تهدأ. وفي الوقت نفسه، ظل النظام الحاكم يستنزف ثروات البلد دون تسخيرها للتنمية. اليوم دخل اليمن في حرب لا تُعرف نهايتها، وبعد مرور عام من الاقتتال ارتفعت أصوات المنظمات الدولية الإنسانية المطالبة بإنقاذ حياة 82% من السكان، وهو ما يزيد عن 20 مليون نسمة من إجمالي السكان البالغ عددهم 25 مليون نسمة.
يقول الباحث الاقتصادي عامر عبد الوهاب لـ "العربي الجديد":" إن الساسة والأحزاب لا يكترثون لما يحدث، ويستمرون في جمع المال، وتسخير ما تبقى من موارد الدولة لدعم أعمالهم العسكرية". ويشير إلى أن موارد اليمن تنهب منذ حوالي 4 عقود من الزمن، ولم يتم التعامل معها بصورة تضمن الاستقرار الاقتصادي للبلد، وتحقق الرفاهية الاقتصادية للشعب. حيث تم استنزاف مورد النفط الذي كفيلاً بإقامة نهضة تنموية كبيرة، وتم تسخيره لصالح 5% من إجمالي السكان، وهم من يسيطرون على إدارة الدولة، ويتمتعون بالنفوذ السلطوي والعسكري والقبلي، ونتج عن ذلك زيادة أعداد الفقراء إلى أكثر من 20 مليون فقير، ووفق التقارير الدولية التي تشير إلى أن 20.5 مليون يمني يحتاجون إلى العون الإنساني.
أما الباحث الاقتصادي كمال الخامري، يتوقع حدوث مجاعة في اليمن خلال الأشهر المقبل. ويقول لـ "العربي الجديد":" إن الحرب الدائرة حالياً فاقت من معاناة المواطن اليمني بسبب فقدان الوظائف والأعمال والدخل، إلى جانب الارتفاع الكبير في أسعار السلع وخاصة المشتقات النفطية وانخفاض القوة الشرائية لمعظم المواطنين الذين استنفدوا كل مدخراتهم التي جمعوها خلال السنوات السابقة، مما يدلل على أن هذه الأوضاع تهدد الشعب اليمني بحدوث مجاعة خلال الأشهر المقبلة.
تهديد الأمن الغذائي
يؤكد الباحث الاقتصادي نبيل محمد الطيري أن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في اليمن تزداد تدهوراً، ويتجه الاقتصاد الوطني نحو مزيد من عدم اليقين، يدفع ثمنها المواطن والوضع الاقتصادي عموماً. ويشير إلى أن الوضع يتطلب توقف استهداف المنشآت والمرافق الاقتصادية والبنية التحتية حتى لو استمرت الحرب، وهو ما يستلزم اتفاقا مسبقا بين الأطراف المتصارعة.
تزداد رقعة الفقر اتساعاً، حيث تصاعدت نسبة من هم تحت خط الفقر إلى 75% إلى 82% من إجمالي عدد السكان، إلى جانب انتشار الفقر المدقع الذي يهدد الأمن الغذائي لقطاعات وشرائح واسعة من السكان، فضلاً عن زيادة أعداد الناس الذين يصارعون حالياً للبقاء على قيد الحياة، أغلبهم استهلك المدخرات التي جمعها. وقد بلغت نسبة من يحتاجون إلى مساعدة إنسانية 87.9% من إجمالي السكان حتى نهاية 2015، وفق الباحث في قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية في وزارة التخطيط اليمنية نبيل الطيري، إضافة إلى أن ما نسبته 53.7% من السكان يعانون انعدام الأمن الغذائي كلياً، و85% لا يحصلون على مياه نظيفة. ويشير الطيري إلى أن التطور المتواصل للحرب والصراع سيؤدي إلى تفاقم حالة العجز عند الأسر التي لم تعد قادرة على تأمين احتياجاتها الأساسية من مأكل ومأوى وصحة وتعليم، مؤكداً أن نصيب الفرد من الاستهلاك الخاص انخفض من 392 دولاراً إلى 208 دولارات وبتراجع تصل نسبته إلى 47%.
الحرب تفاقم المعاناة
تسببت الحرب في تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، خاصة أنها طاولت الاقتصاد، الأمر الذي تسبب في تعقيد الأوضاع المعيشية للمواطنين وفق دراسة حديثة للخبير الاقتصادي طه الفسيل، الذي طالب بضرورة تحييد الاقتصاد اليمني عن الحرب والصراعات.
ووفقاً للدراسة التي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها، فإن التراجع المتسارع الذي وصل إلى حد الانهيار في الأوضاع الإنسانية والاقتصادية والمعيشية، ناتج عن غياب سلطة سياسية يمنية واحدة وموحدة قادرة على اتخاذ القرارات وتنفيذها، إضافة إلى عدم وجود رؤية للمستقبل، فضلاً عن الاستمرار المتعمد والممنهج لتدمير المنشآت الاقتصادية والخدمية لمختلف القطاعات الاقتصادية (العام والخاص، والتعاوني)، وكذلك لمرافق البنية التحتية والخدمات العامة، إلى جانب اتساع التدخلات الإقليمية والدولية في اليمن.
يرى عبد المجيد البطلي خبير في السياسات التنموية أن الأوضاع في اليمن كارثية، حيث تأثرت معظم بنود النفقات العامة بما فيها تجميد النفقات الرأسمالية، وتعليق صرف إعانات الرعاية الاجتماعية، إضافة إلى اتساع اختلالات هيكل النفقات العامة، فضلاً عن تفاقم عجز الموازنة العامة في ظل الحرب والصراع، رغم تقليص معظم بنود النفقات، ويشير البطلي إلى أن الدولة اليمنية لجأت إلى تمويل عجز الموازنة العامة من خلال اللجوء إلى الاقتراض المباشر من البنك المركزي بنسبة 84 % من عجز الموازنة عام 2015، وهو ما يزيد الضغوط على ميزان المدفوعات، ويضعف العملة الوطنية، ويرفع التضخم، ويزيد عبء الدين المحلي، حيث تجاوز الدين المحلي للحدود الآمنة، مما يجعل ارتفاع الدين عبئاً على الاقتصاد والجيل الحالي والأجيال المقبلة.
اقرأ أيضاً:دولار المجاعة:شح النقد الأجنبي يهدد الأمن الغذائي اليمني
لا يختلف وضع الشاب محمد سالم كثيراً عن وضع أبوبكر. فهو لم يعد قادراً على العمل في مهنته التي يزاولها منذ ثمان سنوات. لقد عمل سالم سابقاً مهندساً ميكانيكياً، لكنه أصبح يمارس مهنة غسل السيارات بدلاً من إصلاحها. يقول لـ "العربي الجديد": "منذ حوالي عام، أُغلقت الورشة التي عملت فيها طيلة ثمان سنوات، ولم أجد فرصة أخرى، ولجأت إلى غسل السيارات وهي مهنة شريفة بدلاً من التسول أو الموت جوعاً".
عقود على غياب التنمية
منذ أكثر من نصف قرن واليمن بعيداً عن التنمية، الأمر الذي أجبر الشعب التعايش مع الأزمات التي تخلفها الحروب والصراعات التي لم تهدأ. وفي الوقت نفسه، ظل النظام الحاكم يستنزف ثروات البلد دون تسخيرها للتنمية. اليوم دخل اليمن في حرب لا تُعرف نهايتها، وبعد مرور عام من الاقتتال ارتفعت أصوات المنظمات الدولية الإنسانية المطالبة بإنقاذ حياة 82% من السكان، وهو ما يزيد عن 20 مليون نسمة من إجمالي السكان البالغ عددهم 25 مليون نسمة.
يقول الباحث الاقتصادي عامر عبد الوهاب لـ "العربي الجديد":" إن الساسة والأحزاب لا يكترثون لما يحدث، ويستمرون في جمع المال، وتسخير ما تبقى من موارد الدولة لدعم أعمالهم العسكرية". ويشير إلى أن موارد اليمن تنهب منذ حوالي 4 عقود من الزمن، ولم يتم التعامل معها بصورة تضمن الاستقرار الاقتصادي للبلد، وتحقق الرفاهية الاقتصادية للشعب. حيث تم استنزاف مورد النفط الذي كفيلاً بإقامة نهضة تنموية كبيرة، وتم تسخيره لصالح 5% من إجمالي السكان، وهم من يسيطرون على إدارة الدولة، ويتمتعون بالنفوذ السلطوي والعسكري والقبلي، ونتج عن ذلك زيادة أعداد الفقراء إلى أكثر من 20 مليون فقير، ووفق التقارير الدولية التي تشير إلى أن 20.5 مليون يمني يحتاجون إلى العون الإنساني.
أما الباحث الاقتصادي كمال الخامري، يتوقع حدوث مجاعة في اليمن خلال الأشهر المقبل. ويقول لـ "العربي الجديد":" إن الحرب الدائرة حالياً فاقت من معاناة المواطن اليمني بسبب فقدان الوظائف والأعمال والدخل، إلى جانب الارتفاع الكبير في أسعار السلع وخاصة المشتقات النفطية وانخفاض القوة الشرائية لمعظم المواطنين الذين استنفدوا كل مدخراتهم التي جمعوها خلال السنوات السابقة، مما يدلل على أن هذه الأوضاع تهدد الشعب اليمني بحدوث مجاعة خلال الأشهر المقبلة.
تهديد الأمن الغذائي
يؤكد الباحث الاقتصادي نبيل محمد الطيري أن الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في اليمن تزداد تدهوراً، ويتجه الاقتصاد الوطني نحو مزيد من عدم اليقين، يدفع ثمنها المواطن والوضع الاقتصادي عموماً. ويشير إلى أن الوضع يتطلب توقف استهداف المنشآت والمرافق الاقتصادية والبنية التحتية حتى لو استمرت الحرب، وهو ما يستلزم اتفاقا مسبقا بين الأطراف المتصارعة.
تزداد رقعة الفقر اتساعاً، حيث تصاعدت نسبة من هم تحت خط الفقر إلى 75% إلى 82% من إجمالي عدد السكان، إلى جانب انتشار الفقر المدقع الذي يهدد الأمن الغذائي لقطاعات وشرائح واسعة من السكان، فضلاً عن زيادة أعداد الناس الذين يصارعون حالياً للبقاء على قيد الحياة، أغلبهم استهلك المدخرات التي جمعها. وقد بلغت نسبة من يحتاجون إلى مساعدة إنسانية 87.9% من إجمالي السكان حتى نهاية 2015، وفق الباحث في قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية في وزارة التخطيط اليمنية نبيل الطيري، إضافة إلى أن ما نسبته 53.7% من السكان يعانون انعدام الأمن الغذائي كلياً، و85% لا يحصلون على مياه نظيفة. ويشير الطيري إلى أن التطور المتواصل للحرب والصراع سيؤدي إلى تفاقم حالة العجز عند الأسر التي لم تعد قادرة على تأمين احتياجاتها الأساسية من مأكل ومأوى وصحة وتعليم، مؤكداً أن نصيب الفرد من الاستهلاك الخاص انخفض من 392 دولاراً إلى 208 دولارات وبتراجع تصل نسبته إلى 47%.
الحرب تفاقم المعاناة
تسببت الحرب في تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، خاصة أنها طاولت الاقتصاد، الأمر الذي تسبب في تعقيد الأوضاع المعيشية للمواطنين وفق دراسة حديثة للخبير الاقتصادي طه الفسيل، الذي طالب بضرورة تحييد الاقتصاد اليمني عن الحرب والصراعات.
ووفقاً للدراسة التي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها، فإن التراجع المتسارع الذي وصل إلى حد الانهيار في الأوضاع الإنسانية والاقتصادية والمعيشية، ناتج عن غياب سلطة سياسية يمنية واحدة وموحدة قادرة على اتخاذ القرارات وتنفيذها، إضافة إلى عدم وجود رؤية للمستقبل، فضلاً عن الاستمرار المتعمد والممنهج لتدمير المنشآت الاقتصادية والخدمية لمختلف القطاعات الاقتصادية (العام والخاص، والتعاوني)، وكذلك لمرافق البنية التحتية والخدمات العامة، إلى جانب اتساع التدخلات الإقليمية والدولية في اليمن.
يرى عبد المجيد البطلي خبير في السياسات التنموية أن الأوضاع في اليمن كارثية، حيث تأثرت معظم بنود النفقات العامة بما فيها تجميد النفقات الرأسمالية، وتعليق صرف إعانات الرعاية الاجتماعية، إضافة إلى اتساع اختلالات هيكل النفقات العامة، فضلاً عن تفاقم عجز الموازنة العامة في ظل الحرب والصراع، رغم تقليص معظم بنود النفقات، ويشير البطلي إلى أن الدولة اليمنية لجأت إلى تمويل عجز الموازنة العامة من خلال اللجوء إلى الاقتراض المباشر من البنك المركزي بنسبة 84 % من عجز الموازنة عام 2015، وهو ما يزيد الضغوط على ميزان المدفوعات، ويضعف العملة الوطنية، ويرفع التضخم، ويزيد عبء الدين المحلي، حيث تجاوز الدين المحلي للحدود الآمنة، مما يجعل ارتفاع الدين عبئاً على الاقتصاد والجيل الحالي والأجيال المقبلة.
اقرأ أيضاً:دولار المجاعة:شح النقد الأجنبي يهدد الأمن الغذائي اليمني