يأتي هذا الجدل وسط معلومات متعددة عن لجوء كثير من الدول المنخرطة في الحرب السورية إلى بناء قواعد عسكرية لها في مناطق مختلفة من الأراضي السورية، غير مبالية بشعارات "السيادة والاستقلال" التي يتغنى بها النظام السوري. وأكدت وسائل إعلام كردية أن فرنسا بدأت إنشاء قاعدة عسكرية بالقرب من مدينة عين العرب، لتكون بذلك الأحدث بين الدول التي بنت لنفسها قواعد عسكرية في هذا البلد الذي تُمزّقه الحرب منذ أكثر من خمس سنوات.
ونقل موقع "روج آفا نيوز"، عن مصدر مسؤول في قوات "سورية الديمقراطية"، قوله إن الفرنسيين بدأوا بناء قاعدة عسكرية لهم في مدينة عين العرب أسوة بالأميركيين، مشيراً إلى أن القاعدة تقع على تلة مشتى نور، المطلة على عين العرب من الجهة الجنوبية الشرقية، وقد أقيمت لتحتضن خبراء ومستشارين عسكريين فرنسيين موجودين هناك، بحسب تعبيره.
ويضيف المصدر، وفقاً للموقع الكردي، أن خبراء فرنسيين وبريطانيين موجودين في ريف منبج إلى جانب الخبراء الأميركيين يقدّمون المشورة لقوات "سورية الديمقراطية" في حربها ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). وأكدت وزارة الدفاع الفرنسية وجود جنود فرنسيين "يقدّمون المشورة" لقوات "سورية الديمقراطية" التي تقاتل التنظيم في كل من منبج والرقة.
قواعد أميركية
تذكر مصادر عدة أن الولايات المتحدة باشرت في إقامة قواعد لها في بعض المناطق السورية.
وتشير وسائل إعلام كردية محلية إلى أن واشنطن حوّلت مطار أبو حجر، جنوب شرق مدينة الرميلان النفطية، إلى قاعدة لها، لافتة إلى أن فنّيين أميركيين عملوا على توسعة المطار وتجهيزه بمدرجات مخصصة للطيران الحربي، يصل طولها إلى 2500 متر. وينقل موقع "باس نيوز" الكردي، الذي يبث أخباره من عاصمة إقليم كردستان العراق، أربيل، عن مصدر عسكري في قوات "سورية الديمقراطية"، قوله إن معظم الأشغال على مدّ المدرّج أُنجز، بينما يجري العمل على بناء قاعدة جوية أخرى جنوب شرق عين العرب الواقعة على الحدود السورية ـ التركية.
كما نشر معهد "ستراتفور" للتحليلات الأمنية الأميركية صوراً التُقطت بواسطة أقمار صناعية، قال إنها لتوسعة مدرج طائرات مهجور ببلدة رميلان في محافظة الحسكة الخاضعة لسيطرة الأكراد. وتوضح الصور أن واشنطن تمدّ المدرج من 700 إلى 1300 متر. كما تنقل صحيفة "تايمز" البريطانية عن مصادر محلية قولها إنه "الوجود الأميركي الأول في سورية"، مشيرة إلى أن عشرات الجنود الأميركيين موجودون في هذه القاعدة التي تقع على مقربة من الحدود التركية والعراقية.
من جانبهم، يقر مسؤولون أميركيون بنشر عدد صغير من القوات الخاصة. ويقول المتحدث باسم التحالف الدولي، الجنرال ستيف وارن، إن "المهمة الخاصة لهذه القوات تمنعنا من الحديث عن مكان نشرها". غير أن ناشطين أبلغوا الصحيفة البريطانية أن "المطار أُعيد بناؤه، والآن بات مهبطاً للمروحيات الأميركية ومركز قيادة لهم". وكان المطار قبل الثورة السورية مهبطاً للطائرات الزراعية، وتابعاً للحكومة السورية، وسيطرت عليه وحدات "حماية الشعب" الكردية منذ أكثر من عامين. ويساعد تطوير هذا المطار وتحسين بنيته التحتية، وفقاً لمعهد "ستراتفور"، قوات "سورية الديمقراطية" على تكثيف هجماتها ضد التنظيم بمساعدة أميركية، إذ يمكّن الطائرات الأميركية المحمّلة بالأسلحة من الإقلاع والهبوط بدلاً من إلقائها جواً.
في السياق ذاته، يقول مصدر عسكري سوري (تابع للجيش النظامي)، لوكالة "فرانس برس"، إن الأميركيين يجهزون قاعدة عسكرية في منطقة تدعى أبو حجر، في جنوب رميلان، بمشاركة عشرات الخبراء الأميركيين وعناصر من وحدات "حماية الشعب" الكردية، وباتت جاهزة للعمل. ويوضح المصدر أن القاعدة معدّة لاستقبال مروحيات وطائرات شحن، ويبلغ طول مدرجاتها 2700 متر، ومؤهلة لأن تتحول إلى مهبط لطائرات عدة تقل عتاداً وذخائر. ويشير إلى أن "القوات الخاصة والمستشارين الأميركيين يستخدمون مطار رميلان مقرّاً، وتنقلهم طوافات منه إلى جبهات القتال".
من جانبه، يوضح المرصد السوري لحقوق الإنسان أن مطار رميلان بات شبه جاهز للاستخدام، وتم توسيع مدرجه خلال الأسابيع الماضية بالتزامن مع هبوط وإقلاع طائرات مروحية أميركية. ويضيف أن "من شأن المطار أن يتحول إلى مقر للمستشارين الأميركيين الذين دخلوا الأراضي السورية قبل أشهر".
قواعد روسية
أما القوات الروسية، فتواصل بناء قواعد جديدة لها في سورية، أو استلام قواعد عسكرية جاهزة من النظام السوري، وتقوم بإدخال تحسينات عليها. وتشير بعض المعلومات، أخيراً، إلى أن الروس استلموا، قبل أيام، قاعدة "اسطامو" الجوية للحوامات بريف جبلة، الواقعة في محافظة اللاذقية الساحلية. وتقول مصادر مطلعة إن قوات النظام أخلت القاعدة المذكورة منذ أشهر عدة، إذ طلبها الروس لنشر مروحياتهم فيها، والتقليل من عدد المروحيات الرابضة في مطار حميميم الذي بات يعجّ بالطائرات الحربية، وطائرات النقل العسكري والتأمين، فضلاً عن الحوّامات.
وكانت قاعدة "اسطامو" للحوامات عبارة عن كتيبة دبابات، تقع شمال مطار حميميم بكيلومترات عدة، وتم تجهيزها، بسرعة، لتكون مطاراً مع دخول القوات الروسية إلى سورية في سبتمبر/ أيلول العام الماضي، لنقل الطائرات التابعة للنظام السوري من مطار حميميم إليها بعد تسليم الأخير للقوات الروسية.
بطبيعة الحال، لا تزال قاعدة "حميميم" في مدينة اللاذقية هي الأبرز، وباتت لا تقتصر أنشطتها على الجوانب العسكرية، بل لها دور سياسي متزايد بشأن سبل الحلّ في سورية، إذ استقطبت القاعدة شخصيات سياسية كثيرة، حاولت موسكو الزج بها في وفد المعارضة لمفاوضات جنيف. كما تقوم القاعدة، بحسب ما تُعلن روسيا، بمراقبة الهدنة في البلاد بين النظام والمعارضة التي أُعلن عنها في فبراير/ شباط الماضي. وعملت روسيا على توسيع المطار القديم الذي يقع في قرية حميميم وسط الطريق بين مدينتَي جبلة والقرداحة، وأنشأت مدرج إقلاع جديد، ليكون الثاني في المطار.
ويقول محللون عسكريون إن روسيا أقامت في المطار محطة استطلاع استراتيجي حديثة، ذات قدرة كبيرة على الرصد واستقبال المعلومات. وتتصل، أوتوماتيكياً، بمحطة الرصد الموجودة في مدينة صلنفة، التي تديرها مجموعة من الضباط والخبراء الروس بمساعدة إيرانيين.
كما أقامت روسيا قواعد عسكرية أخرى في أنحاء مختلفة من سورية. ويقول مسؤول في وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إن المقاتلات الروسية تقلع، حالياً، من أربع قواعد، لافتاً إلى أن عدداً من طواقم تشغيل منصات إطلاق الصواريخ وبطاريات المدفعية طويلة المدى منتشرة خارج القواعد. ويشير إلى أن القواعد الثلاث الأخرى، وهي حماة، وطياس، والشعيرات، تستخدم للطائرات المروحية القتالية. وتبعد القاعدة الروسية في القامشلي نحو 50 كيلومتراً عن المطار الذي تطوره واشنطن ببلدة رميلان بمحافظة الحسكة.
ويرجح مسؤولون اختيار موسكو لهذا الموقع، تحديداً، لبناء دفاعاتها ضد أي هجمات تركية محتملة عبر الحدود السورية، ومن ضمنها هجمات ضد الأكراد. وقدّرت مصادر صحافية عدد الجنود الروس العاملين في سورية بنحو 3 آلاف شخص، يتوزعون بين خبراء، وطيارين، وعاملين، ولوجستيين، ومتابعين في غرف الرصد والتنسيق، إضافة إلى البحارة في ميناء طرطوس، وفوج من قوات النخبة البرية، ومهمتها حماية القواعد العسكرية الروسية في سورية.
كما يذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن القوات الروسية لا تزال تحتفظ بقاعدتها العسكرية في مدينة تدمر بريف حمص الشرقي، بعد أسابيع عدة من تمكُّن قوات النظام مدعومة بالخبراء الروس والطائرات الروسية من استعادة السيطرة على المدينة. وكانت معلومات من مصادر في محافظة حمص، ذكرت أن روسيا بدأت العمل على إنشاء قاعدة عسكرية داخل مطار الشعيرات في ريف حمص الجنوبي الشرقي بهدف تعزيز وجودها وسط سورية. وأكدت المصادر وصول عشرة طائرات حربية من طراز سوخوي، و15 مروحية إلى مطار الشعيرات، لتنضم إلى عدد كبير من الطائرات والمروحيات التي وضعتها روسيا قبل أشهر في هذا المطار.
وترى مصادر في المعارضة السورية أن روسيا اختارت حمص لإنشاء قاعدتها بسبب موقع المحافظة في وسط البلاد، لتكون بذلك قد وضعت قواتها في مركزَين رئيسيَّين في وسط البلاد، هما محافظتا حماة وحمص، إضافة إلى بوارجها العسكرية في الساحل السوري. كما أن منطقة الشعيرات محميّة من قبل النظام، بشكل كبير، وتقع وسط عدد كبير من القرى الموالية له، وستكون مركز انطلاق لقصف مواقع المعارضة في ريفَي حمص الشمالي والشرقي.
وتشير هذه المصادر إلى أن روسيا ستباشر قريباً بإنشاء قاعدة عسكرية لها في ريف حماة، وقد بدأ العمل بإرسال قوات عسكرية لتهيئة المكان، وتأمين الحماية، مشيرة الى أن الحجم الأكبر للوجود الروسي في سورية لا يزال يتركز في مدينتَي اللاذقية وطرطوس الساحليتين، وتقوم روسيا بتوزيع تلك القوات على قواعدها العسكرية المنشأة حديثاً.
إيران وحزب الله
من المعروف أن الوجود الأكثر كثافة على الأرض يظل لإيران ومليشياتها التي تغطي مجمل الأراضي السورية، من درعا جنوباً، إلى حلب شمالاً، مروراً بدمشق وريفها، وحمص، وحماة، واللاذقية، وطرطوس. ولا تنشر طهران قواتها ومليشياتها في قواعد عسكرية محدّدة، بل تقيم لنفسها مراكز قيادة مشتركة مع قوات النظام أو منفصلة عنها، لكن بالتنسيق معها، وكذلك يفعل حزب الله اللبناني.
وبدأت إيران، أخيراً، في إرسال قوات نظامية من قواتها الخاصة (اللواء 65)، فضلاً عن آلاف العناصر من الحرس الثوري، وفيلق القدس، وما تسميهم بالمستشارين العسكريين. وتعلن وسائل الإعلام الإيرانية، باستمرار، عن مقتل عناصر من قواتها المسلحة، والحرس الثوري الإيراني، وقوات التعبئة الشعبية (الباسيج)، في مناطق مختلفة من سورية. كما تؤكد المعارضة السورية المسلحة وجود مقاتلين إيرانيين على جميع جبهات القتال.
وتتركز القوات الإيرانية حول البلدات الشيعية في محافظتَي إدلب وحلب، وقرب المزارات الدينية، خصوصاً في منطقة السيدة زينب، قرب العاصمة دمشق. وتحدثت مصادر إعلامية عن قيام حزب الله بتوسيع وتعزيز سيطرته في سورية، أخيراً، خصوصاً قرب الحدود مع لبنان، من خلال بناء قواعد ثابتة بعضها تحت الأرض. وتشير هذه المصادر إلى بناء الحزب قاعدة كبيرة قرب بلدة القصير بريف حمص، والتي سيطر عليها عام 2013، وفي منطقة سهل الزبداني بريف دمشق، حيث يفرض عناصر الحزب سيطرتهم المحكمة على بقعة جغرافية يعملون فيها بشكل سري.