يبدو أن السيناريو الذي دارت فيه عجلة التمرد في مدينة عدن جنوبي اليمن والاستيلاء على موارد الدولة مقابل الصمت السعودي المريب، قد أغرى الانفصاليين الجنوبيين وفتح شهية "الإدارة الذاتية" المعلنة من قِبل "المجلس الانتقالي الجنوبي" الموالي للإمارات، لتطمع بوجودها في 3 محافظات جنوبية، ولو على شكل مجموعات تقود حروب عصابات، بشكل مبدئي. وشهدت الساعات الماضية تحوّلات مهمة في المشهد المضطرب جنوبي اليمن. ففيما أبرزت وسائل إعلام سعودية تلويح الحكومة اليمنية بحرب ضد الانفصاليين لإنهاء التمرد، ساقت الشرعية ما يشبه المبررات التي تجعل الرياض تعطي الضوء الأخضر لشنّ معركة حقيقية في محافظة أبين ضد "المجلس الانتقالي". وفيما كان الحديث خلال الأيام الماضية يقتصر على التدخل في عمل مؤسسات الدولة اليمنية ونهب المؤسسات وإرباك جهود مكافحة كورونا، تحدثت الحكومة اليمنية عن أن ما قام به "المجلس الانتقالي" من "انقلاب مكتمل الأركان"، لم يهدد وجودها فقط، بل هدد الجهود السعودية لإعادة استقرار اليمن وأربك عمل التحالف قبل الجيش الوطني.
وتسيطر على مديرية وادي حضرموت قوات موالية للحكومة الشرعية، ويتهم "المجلس الانتقالي" تلك القوات بأنها إخوانية وتتبع حزب "التجمع اليمني للإصلاح".
وكان "المجلس الانتقالي" قد مهّد لهذه الدعوة بالكشف عن وجود عناصر مسلحين موالين له في مديرية ساحل حضرموت، وقال إنه سيحمي المرافق العامة، ضمن ما تُسمى "الإدارة الذاتية". ومن المرجح أن "الانتقالي" سيعتمد على المجموعات المسلحة الجديدة للقيام بحرب عصابات وتنفيذ كمائن للقوات الحكومية في وادي وساحل حضرموت، فضلاً عن السعي للسيطرة على مؤسسات الدولة وإيراداتها، كما هو حاصل في العاصمة المؤقتة عدن.
وقالت مصادر عسكرية لـ"العربي الجديد" إن دعوة المجلس لتدشين "المقاومة المسلحة" تكشف حجم الارتباك الذي يعيشه، بعد أن كان في معركة أغسطس/ آب الماضي يعتمد كلياً على الطيران الإماراتي في قصف تحركات الجيش الوطني. وستكون الكمائن وحروب العصابات، بديلاً من الطائرات الإماراتية لتخفيف الضغط على الانفصاليين، وتنفيذ كمائن للقوات الآتية من حضرموت عبر شبوة إلى أبين أو عدن في مرحلة لاحقة. ويمتلك "الانتقالي" سوابق في حروب العصابات والمفخخات، وفي اليومين الماضيين تحدثت القوات الحكومية المرابطة في شقرة عن أن تحركاتها لن تكون متهورة من أجل تحقيق انتصارات إعلامية، وستعمل حساباً لخطواتها، لكونها تحارب "الانتقالي" و"تنظيم القاعدة"، في إشارة إلى تحالفهما ضد الشرعية.
وسارعت محافظة حضرموت إلى رفض المخطط الذي ينوي "المجلس الانتقالي" تنفيذه في سيئون والحديث عن إدارته للمرافق الحكومية. وأعلن محافظ حضرموت فرج البحسني، رفض تحركات المجلس المشبوهة، وقال إن السلطة المحلية "لن تسمح بأي عمل عسكري خارج المؤسسات العسكرية والأمنية الرسمية"، وستتخذ الإجراءات القانونية بحق من يعمل خارج ذلك. ووجّه البحسني، وهو قائد المنطقة العسكرية الثانية في الجيش اليمني، في تسجيل صوتي، بـ"منع أي تجمعات مسلحة"، لافتاً إلى أن أي عمل خارج المؤسسات الرسمية لا يخدم حضرموت ولا مصالح الوطن العليا. وأضاف أن "حضرموت قوة عسكرية وأمنية واحدة، وأي مظاهر لقوة عسكرية خارج هذه المؤسسات غير مقبول، والقوة العسكرية والأمنية في المحافظة تأتمر بأمر قائد واحد ورئيس واحد للجنة الأمنية في المحافظة".
ويترافق التوتر العسكري على الأرض، مع تصعيد إعلامي من الحكومة اليمنية ضد الانفصاليين، إذ اتهمت "المجلس الانتقالي" بطعن الشرعية والتحالف السعودي، وتقديم خدمة مجانية للانقلاب الحوثي. وقال وزير الإعلام معمر الإرياني، إن التصعيد الذي قام به "الانتقالي" المدعوم إماراتياً، وصولاً إلى إعلان انقلاب مكتمل الأركان، لم يستهدف الحكومة الشرعية في المناطق المحررة فحسب، بل الجهود السعودية لإعادة الاستقرار إلى اليمن بشكل عام.
وتشير تصريحات الوزير اليمني، إلى أن الشرعية قد تتخذ، بضوء أخضر سعودي، خطوات جديدة لردع "الانتقالي"، أقلها استعادة السيطرة على مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين.
وعلى الرغم من أن المعركة الحقيقية لم تبدأ ليل الثلاثاء، إلا أن "الانتقالي" بدأ بخسارة قيادات ميدانية بارزة، وذلك بقصف شنّه الجيش اليمني طاول تجمّعات للقوات الانفصالية في محيط قرية الشيخ سالم في أبين. وأكدت مصادر لـ"العربي الجديد"، مقتل عادل السافع، قائد الكتيبة الأولى في اللواء الثالث دعم وإسناد التابع لـ"المجلس الانتقالي"، بقصف مدفعي للقوات الحكومية، ومعه عدد من مرافقيه.