وتُعبّر هذه الخطوة عن السياسات الاقتصادية الأخيرة للنظام المصري، الذي فتح أبواب الاستثمار في البلاد على مصراعيها لرجال اﻷعمال، من الدول التي تؤيده سياسياً وتدعمه مالياً، على أمل إنعاش الاقتصاد المحلي المأزوم.
وقد استند السيسي في هذا القرار إلى مادة مهجورة غير مفعّلة وهي المادة 12 من قانون "تنظيم الأراضي الصحراوية" رقم 134 لسنة 1981، والتي تتضمّن حكماً عاماً بعدم تمليك الأراضي الصحراوية لغير المصريين، وتسمح في حكم ثان بصدور قرار من رئيس الجمهورية "لأسباب يُقدّرها وبعد موافقة مجلس الوزراء"، تقضي بمعاملة شخص يتمتع بجنسية إحدى الدول العربية بالمعاملة المقررة للمصريين، أي بتمليك الأراضي له واعتماد شرائه لها.
وتعد هذه المرة الأولى التي يتم فيها تطبيق هذه المادة من القانون بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، إذ إنه طيلة عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، صدرت 10 قرارات مماثلة فقط بين عامي 2004 و2007، لكن هناك فارقاً أساسياً بين القرارات التي كان يصدرها مبارك والقرار الأول للسيسي، المتعلق بمساحة قطع الأراضي التي يوافق رئيس الدولة على تمليكها للمستثمرين العرب. جميع قطع الأراضي التي صرح مبارك بتمليكها للعرب كانت ضخمة، ويمكن تجهيزها لمشروعات استثمارية كبرى يمكن الاستفادة منها في السوق المحلية، ويمكنها توفير عشرات بل مئات من فرص العمل للمصريين، إلى جانب تحقيقها مكاسب لمالكيها.
واستفاد من الاستثناءات في عهد مبارك كل من أحمد بن يعقوب بن محمد زمان (سعودي)، وحمد بن ناصر بن جاسم آل ثاني (قطري)، ومبارك عاشور فرحان (كويتي)، وعبدالله عبدالرحمن النجدي (كويتي)، ومعتوق مسعود خليفة (ليبي)، وشبيب علي بدو (إماراتي)، وحمد عبدالرحمن الحريشي (سعودي)، وسعيد بن محمد آل نهيان (إماراتي)، ومحمد جمعة عبيد (إماراتي)، بالإضافة إلى المستثمرين العرب المساهمين بالشركة المصرية الكويتية لاستصلاح الأراضي.
ولم تقل المساحات التي خصصها مبارك لأي من هؤلاء عن 10 أفدنة، وكانت أكبرها مساحة 100 فدان، وتنوعت الأغراض بين استصلاح الأراضي بغرض الزراعة والإنتاج الحيواني. أما الأرض التي خصصها السيسي استثنائياً للمواطن السعودي، فلا تزيد مساحتها على فدان واحد، وهو ما يشير إلى عدم الاستفادة منها استثمارياً أو اقتصادياً.
في هذا السياق، يقول مصدر حكومي رفيع المستوى، إن "القرار الأول للسيسي في هذا السياق لن يكون الأخير"، كاشفاً أن "وزيرة التعاون الدولي سحر نصر ووزير الاستثمار السابق أشرف سالمان، كانا قد أبلغا حكومات السعودية والإمارات والكويت، بإعادة تفعيل المادة القانونية التي تسمح بمعاملة العرب كالمصريين في تمليك الأراضي الصحراوية، من دون شروط أو ضوابط تتعلق بحجم المشروعات أو حجم العمالة المصرية المأمول تشغيلها في هذه المشروعات، وذلك كنوع من تحفيز المستثمرين العرب على ضخ أموال في السوق المصرية".
ويضيف المصدر أن "هذه الاستثناءات ليست الوحيدة من نوعها، فهناك استثناءات أخرى يطلبها المستثمرون السعوديون والإماراتيون تحديداً وتجيبهم الحكومة عليها، بناء على توجيهات من السيسي، مثل استثنائهم من بعض شروط البناء والارتفاعات وتخطيط المساحات، التي يحصلون عليها، خصوصاً في المناطق الساحلية والسياحية".
ويذهب المصدر لأبعد من ذلك، مؤكداً أن "الزيارتين الأخيرتين لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان، إلى القاهرة في أبريل/نيسان الماضي ومايو/أيار الحالي، شهدتا تقديم تصور حكومي أعدته وزيرة التعاون الدولي سحر نصر، لإنشاء منطقة حرة استثمارية، أو أكثر، للمستثمرين الإماراتيين، وذلك على غرار التجمعات السياحية والصناعية والتعليمية التي من المقرر إنشاؤها للسعوديين في مدينتي الملك سلمان والملك عبدالله بجنوب سيناء وهضبة الجلالة شرق القاهرة".
كما يُشدّد المصدر على أن "بعض المسؤولين الإماراتيين كانوا قد وجهوا لوماً لمسؤولين حكوميين مصريين في زيارات سابقة متبادلة، بسبب تأخر مصر في تقديم هذه التصورات للإماراتيين، على غرار مدينتي الملك عبدالله والملك سلمان، وذلك على الرغم من إعلان السيسي سلفاً إقامة مدينة متاخمة للعاصمة الإدارية الجديدة شمال شرق القاهرة باسم مدينة محمد بن زايد".
ولم يتم الإعلان عن تخطيط مدينة محمد بن زايد حتى الآن، إلّا أنه من المتوقع بحسب المصدر الحكومي، أن تضم المدينة عشرات المشروعات الصناعية الإماراتية، وجميعها سيتطلب صدور قرارات جمهورية بالتمليك أو حق الانتفاع لرجال الأعمال الإماراتيين استثناءً من قانون الأراضي الصحراوية المذكور سلفاً.