تحتفي الصحافة السعودية ببيان عشرة أَعيان وعلماء في محافظات القطيف والإحساء في شرق السعودية، "من الطائفة الشيعية"، كما شددت وسائل الإعلام في المملكة على هذه الصفة. وفي اليوم التالي، يصدر في أَبو ظبي بيان ختامي لأعمال ما اختير له مسمى "المنتدى العالمي للسلم في المجتمعات الإسلامية"، شارك فيه، على ما أَوضحت صحافة الإمارات، 250 عالما إِسلامياً، يتقدمهم شيخ الأزهر، الدكتور أَحمد الطيب. وحدها المصادفة تبدت في تزامن البيانين، الشيعي المحدود الأول، والسني الواسع الثاني، غير أَنّ الإلحاح فيهما على رفض العنف والتطرف، وتأكيد سماحة الإسلام، يأتي نافلاً، بالنظر إِلى سياق سياسيٍ، معلوم التفاصيل، صدر البيانان في غضونه. فلا أَحد في وسعه أَن يناهض الأفكار المثلى فيهما، أو يختلف مع المنطلقات العامة لهما، إِلا أَنَّ توظيفاً ظاهراً، داخلياً في السعودية، وخارجياً بشأن دولة الإمارات، يبدو في استخدام التجمع الإسلامي السني الواسع (شارك فيه من علماء الشيعة مثل هاني فحص) لترويج السلم والسلام مضادين للتطرف والإرهاب، ما يستدعي سؤالاً عن هذا الشغف الكبير لدى قيادة دولة الإمارات بمسألة السلام، فيما لا أَحد يتهمها بمناوأته. وقد دلَّ على ذلك، مجدداً، أَنَّ جائزة باسم حاكم دبي، الشيخ محمد بن راشد، للسلام العالمي، أُعلن، الشهر الجاري عن رفع قيمتها إلى مليون ونصف مليون دولار. وهذا "المنتدى العالمي للسلم في المجتمعات المسلمة"، يطلق في أَبو ظبي، الأسبوع الجاري، جائزةً سنوية لأفضل الدراسات العلمية في موضوع السلم، وأُخرى لأفضل مبادرة وإنجاز في مجال تحقيق السلم في المجتمعات المسلمة.
ومما ظلت الإمارات تتميز به بتقدير عربي وعالمي واسعين، كثرة جوائزها الرفيعة المستوى في غير شأن، إحداها "جائزة دبي الدولية للقرآن الكريم"، والتي منحت، قبل سنوات، للدكتور يوسف القرضاوي. غير أَن الإفراط المستجد بالسخاء في جوائز السلام ومؤتمراته يأخذ المسألة إِلى زوبعة أَسئلة، عما إِذا كان اتساقا مع مفهوم ثقافي، أَميركي خصوصاً، مهيمن، يأخذ المسلمين إِلى الدفاع عن أَنفسهم، وإِلى وجوب أَن يدللوا على نزوعهم إِلى السلام، بتأكيد ذلك في تظاهرات المؤتمرات التي يرفل المدعوون فيها بـ "كرم الضيافة"، وبابتداع الجوائز التي لا يحتاج المراقب إِلى حصافةٍ خاصة للتأشير إِلى افتعالٍ بيِّنٍ فيها.
وجاءَت سياسيةً بامتياز، توصية المنتدى المذكور بالشروع في تأسيس "مجلس إسلامي لتعزيز السلم في المجتمعات المسلمة"، ما يكشف عن نزوعٍ لدى أَبو ظبي باتجاه احتواء مشايخ المسلمين البارزين، وعلمائهم، ليس فقط بتمويل أَنشطتهم الوعظية، الخالية من محتوى سياسي وفكري خاص، بل، أَيضاً، بابتداع تكتلاتٍ وتجمعات لمن يتصفون منهم بالمحافظة والتقليدية والسير في ركاب هذه السلطة أو تلك، (غيرهم "شيوخ الفتنة"، بحسب صحافة السعودية والإمارات).
وقد نشطت السعودية عقوداً في إنشاء مثل هذه التكتلات، ودعم الكثير من القائمة منها، وفي إقامة مراكز عالمية تعنى بمناهضة الإرهاب، والتحذير من مخاطره، ومن ذلك "مركز الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب"، والذي دعا إِلى تأسيسه الملك عبد الله بن عبد العزيز، في مؤتمر دولي نظمته الرياض في 2005، ودعمَه ماليا بعشرة ملايين دولار. كما استحدث في المملكة "مركز الملك عبد الله للدراسات الإسلامية المعاصرة وحوار الحضارات"، في 2010.
وتعمل الإمارات على أَن يكون لها "إسهامها" في مأسسة نشاط تقليدي، يماشي الخطاب الذي يحصر الإسلام في الأطر الدعوية والتربوية والوعظية، وينزع عنه أي وجهة سياسية واجتماعية، ثورية خصوصاً، ولا سيما مع بروز قوى الإسلام السياسي بعد ثورات الربيع العربي. ويظهر ذلك بتوصية مؤتمر أَبو ظبي تأسيس المجلس الذي أَفاد بيان "المنتدى العالمي للسلم في المجتمعات المسلمة" بأَنه سيضم "ثلة من ذوي الحكمة من علماء المسلمين، وخبرائهم ووجهائهم، ليساهموا في إطفاء حرائق الأمة، قولا وفعلا". وإِذ يرى محللون أَن جهد الإمارات موجه باتجاه المجلس، فقد اقترح له مسمى "مجلس حكماء المسلمين"، وهو يستهدف "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين"، والذي يرأسه الداعية البارز الشيخ يوسف القرضاوي، وهو الاتحاد الذي تهيأت له روافع إِعلامية نافذة، بفعل إسنادٍ يحظى به من دولة قطر، وحقّق لنفسه موقعاً مهما في التأثير على الرأي العربي العام، بالنظر إِلى انخراطه في الشأن العام وفي القضايا السياسية العديدة، منذ ما قبل موجة الربيع العربي، وصولاً إلى المستجدات الجارية، في مصر وسوريا مثلاً. وفي البال أَنه كانت للاتحاد مواقفه الناقدة للحكومات العربية، إبان العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة نهاية 2008، وساند ثورات سوريا ومصر وليبيا واليمن.
ثمة مشهدٌ عربي، يتم فيه تحشيد وتعبئة ضدّ تكوينات الإسلام السياسي التي تأهلت في استحقاقاتٍ وانتخاباتٍ، في تونس والمغرب ومصر، وفي مشاركةٍ ملحوظة في فعاليات الثورة السورية وعمليات الإغاثة في أُتونها. لا تزيّد في الزعم أَن بياناً تبرزه وسائل الإعلام السعودية، وتحتفي به، على الرغم من محدودية الشخصيات الشيعية الموقعة عليه، يناصر اعتبار "الإخوان المسلمين" جماعةً إِرهابية، يُحسب حلقة في سلسلةٍ ستتوالى، في مسار استثمار الدعاة وكبار المشايخ والعلماء المسلمين، كما بدعة إِنشاء "مجلس حكماء المسلمين"، في مؤتمر كبير، استنفرت له أبو ظبي جيداً، لتظهير "السلام" في الإسلام، رداً على غير أهل السلم بين المسلمين، والذين تتوالى قراراتٌ حكوميةٌ باعتبار بعضهم إرهابيين.