ظهر رئيس هيئة الرقابة الإدارية المصرية، اللواء محمد عرفان، أول من أمس، متحدثاً، للمرة الأولى، في حفل عام خلال افتتاح الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي لعدة مشروعات في منطقة قناة السويس، على الرغم من عدم وجود أي صلة بين الرقابة الإدارية وهذه المشروعات التي نفذها الجيش بالتعاون مع هيئة القناة. تحدث عرفان متباهياً بإنجازات الهيئة الأخيرة، فيما وصفه بـ"محاربة الفساد" بعد ساعات فقط من القبض على 3 مسؤولين دفعة واحدة بتهمتي الرشوة والتربح، أبرزهم موظف في مجلس الدولة (ثاني أهم هيئة قضائية بالبلاد)، وهو ما لفت انتباه الرأي العام بشدة بسبب العثور في منزله على مبالغ نقدية محلية وأجنبية بما يعادل 160 مليون جنيه مصري تقريباً.
ورغم أن حالة هذا الموظف لا ترتبط، حسب المعلن، بأي فساد قانوني، مثل رشوة قضاة لاستصدار أحكام معينة، بل تنحصر في تلقي الرشى لإرساء عطاءات على شركات توريد بعينها، إلا أن مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً موقع "فيسبوك"، اكتظت بالتدوينات المشككة في مسلك القضاة وهيئاتهم، والمنتقدة لأن يعمل شخص فاسد في هيئة من المفترض أن تحارب الفساد. ولم يخف هذا التطور قول السيسي، بعد تحيته للرقابة الإدارية، "إننا يجب ألا نسيء للمؤسسات التي تكتشف فيها حالات الفساد الفردية".
ويشير المشهد إلى ارتفاع في أسهم هيئة الرقابة الإدارية، التي بدأ السيسي حكمه بالاعتماد عليها جنباً إلى جنب مع الاستخبارات العامة والحربية، مقابل هبوط حاد في سطوة وحظوة القضاء بشكل عام ومجلس الدولة بشكل خاص. وتنتقد مصادر قضائية تعامل هيئة الرقابة الإدارية مع واقعة الموظف بصورة إعلامية تقترب من التشهير بالمجلس والعاملين فيه، وتربط بين هذا الأمر، وبين طرح نواب مقربين من الرقابة الإدارية ذاتها لمشروع قانون يبسط سلطة رئيس الجمهورية على تعيين رؤساء الهيئات القضائية. وتقول المصادر إن "الهيئات القضائية المختلفة من أكثر الجهات المتعاونة مع الرقابة الإدارية منذ ثمانينيات القرن الماضي، وطالما تم إبلاغها بمخالفات إدارية لضبطها وإحالة مرتكبيها للمساءلة، لكن هذه الأمور كان يتم التعامل معها بحذر وبعيداً عن الإعلام للحفاظ على ثقة المواطنين في القضاء".
وترى مصادر قضائية أن كشف الوقائع بهذا الشكل "التشهيري"، وعدم توضيح جميع الملابسات، "يجعل المتقاضين غير واثقين، سواء بالموظفين الذين يتعاملون معهم أو القضاة الذين يحكمون في منازعاتهم"، ولذلك كان يكفي الإعلان عن العقاب أو الجزاء الذي سيناله المذنب (الموظف أو القاضي) للتأكيد على أن الهيئة القضائية لا تتهاون مع الفاسدين. وتؤكد المصادر وجود علاقة بين مشروع القانون المتداول برلمانياً لتقليص صلاحيات الجمعيات العمومية للهيئات القضائية، وبين الإشاعة الإعلامية لواقعة موظف مجلس الدولة. وتقول إن "الرقابة الإدارية لن تتحرك في الهيئات القضائية بمعزل عن التوجيهات العليا، وهناك شواهد واضحة على علاقة النواب الذين اقترحوا هذا المشروع بالرقابة الإدارية بشكل خاص، وبشكل عام بالدائرة المخابراتية-الرقابية المحيطة بالسيسي". وتكشف أن واقعة الرشوة التي تم القبض على موظف مجلس الدولة بشأنها "حدثت منذ 25 يوماً"، معتبرة أن الصمت عليها طوال هذه المدة ثم إعلانها بهذا الشكل "أمر مثير للتساؤل"، مشيرة إلى أن هناك وقائع مماثلة حدثت خلال العام الحالي في مجلس الدولة وهيئات قضائية أخرى، ولم يتم التشهير بها بهذه الصورة.
وعن سبب غضب النظام المفاجئ على مجلس الدولة تحديداً، ورغبته في تغيير نظام اختيار رؤساء باقي الهيئات القضائية، تقول المصادر "يبدو الأمر مرتبطاً بالإحراج الذي تسببت فيه أحكام قضية تيران وصنافير للنظام، ناهيك عن ممارسة النظام ضغوطاً على القضاة لتنفيذ أجندته فيما يتعلق بالقضايا الجنائية وتلك المتعلقة بقرارات الحكومة". من جهته، يقول مصدر حكومي في وزارة العدل إن "توسع السيسي في الاعتماد على الرقابة الإدارية في الإساءة لجهات معينة، أو تخويف العاملين فيها، يدل على فشله في إدارة الجهاز الحكومي بطريقة عادية تحفز المسؤولين في مختلف درجاتهم على الإنتاج". ويرى المصدر أن ارتفاع أسهم الرقابة الإدارية، باعتبارها مراقبة للسلطتين التنفيذية والقضائية على السواء، يكرس قوة غير مسبوقة لهذه الهيئة، مع العلم بارتباطها الوثيق بالجيش والرئاسة، وأنها لا تحظى بوضع مستقل يمكنها من الرقابة على هاتين الجهتين. وشهدت وسائل الإعلام المصرية أخيراً إبرازاً ملحوظاً للرقابة الإدارية ودورها، سواء في ضبط وقائع الفساد أو المساهمة في بعض المشروعات التنموية، خصوصاً توزيع الأغذية والسلع في المناطق الفقيرة. ويربط بعض المراقبين قوة الهيئة حالياً، بأن رئيسها محمد عرفان كان زميلاً للسيسي في الاستخبارات الحربية خلال الثمانينيات، كما أن نجل السيسي، مصطفى يعمل في المكتب الفني المساعد لعرفان بعد ندبه من الاستخبارات الحربية للرقابة الإدارية.