وتحولت جلسة الاستماع التي عقدها أعضاء لجنة الدفاع والأمن في الكونغرس لقادة الأجهزة الأمنية الأميركية قبل يومين، من البحث في المعطيات الاستخباراتية التي هي بحوزة تلك الأجهزة عن عمليات التجسس الإلكترونية الروسية، إلى جلسة محاكمة لأداء القادة الأمنيين المنتهية ولايتهم قريباً، والإجراءات الوقائية المتخذة لمنع تعرض الولايات المتحدة وفضائها الإلكتروني السيبيري لهجمات مشابهة في المستقبل.
وخرجت جلسة الكونغرس عما كانت تتوقعه منها الأجندة الديمقراطية، أي وضعها في سياق الحملة على موقف الرئيس الأميركي المنتخب من موسكو، وعلاقاته الودية مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والتشكيك بشرعية انتخابه على اعتبار أن التجسس الإلكتروني استهدف كلينتون والتدخل الروسي مهد لترامب الطريق للوصول إلى البيت الأبيض.
على عكس ذلك، نجح الأعضاء الجمهوريون في تحويل جلسة الاستماع إلى جلسة استجواب ومحاكمة لأداء المسؤولين الأمنيين الأميركيين وطرح أسئلة حول مدى نجاحهم "سيبيرياً" في القيام بمهمة حماية الأمن القومي الأميركي في ظل سلسلة طويلة من الهجمات الإلكترونية التي تعرضت لها الولايات المتحدة في السنوات القليلة الماضية، ليس من روسيا فحسب، بل أيضاً من الصين وإيران وكوريا الشمالية.
ولا شك في أن التلميح إلى إخفاقات الأجهزة الأمنية الأميركية المتكررة والفشل في منع هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001 إلى تلفيق تقرير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية عن أسلحة الدمار الشامل العراقية الذي تذرعت به إدارة الرئيس السابق جورج بوش لشن حرب العراق، إلى الاختراقات الإلكترونية الاخيرة للمجال الأميركي، كلها تتفق تماما مع وجهة نظر الرئيس المنتخب وانتقاداته المتكررة لوكالة الاستخبارات المركزية ولمكتب التحقيقات الفدرالي وغيرها من الأجهزة الأمنية الأميركية.
كما تتفق الإشارة إلى أعداء آخرين للولايات المتحدة في الفضاء الإلكتروني مع موقف ترامب الرافض لحصر الاتهام بموسكو، والذي يشكك بوجود معطيات مادية يمكنها تحديد هوية القراصنة الذين اخترقوا البريد الإلكتروني للجنة الوطنية للحزب الديمقراطي، وبريد جون بوديستا مدير الحملة الانتخابية لهيلاري كلينتون.
وقد يتغير ذلك فيما لو تضمن التقرير الأمني الذي أعدته أجهزة الاستخبارات الأميركية للرئيس المنتخب، والتقرير الذي قدمته للرئيس المنتهية ولايته، معطيات تفصيلية حاسمة حول تورط موسكو في عملية القرصنة الانتخابية الأخيرة.
ومن أبرز الخلاصات التي يمكن استنتاجها من النقاش بين أعضاء الكونغرس وقادة الأجهزة الأمنية أن ثمة حرباً إلكترونية سيبيرية يشهدها العالم، وأن اليد الطولى في هذه الحرب ليست للولايات المتحدة، وأن ثمة لاعبين كبارا في الفضاء الإلكتروني، مثل روسيا والصين وكوريا الشمالية وإيران وإسرائيل، وهم يمتلكون قدرات وتكنولوجيا قد توازي القوة السيبيرية الأميركية وتتفوق عليها أحياناً.