وكان الاتجاه العام التركي يتحدث عن ضمان استمرار منطقة خفض التصعيد في إدلب وتجنيبها أي عملية عسكرية، وانشغال الدبلوماسية التركية حيالها، فضلاً عن الحديث عن تطبيق خارطة الطريق في منبج التي جرى التوافق عليها مع الولايات المتحدة الأميركية قبل أشهر، لتكون مناطق شرق الفرات في مراحل مقبلة، وربما لن تطرح لأشهر، إلا بعد رؤية تطورات الوضع في إدلب ومنبج.
ولكن تأكيد أردوغان على أن المرحلة المقبلة ستشهد مناطق آمنة في هذه المنطقة، اعتبره الإعلام التركي مؤشرات لقرب عملية عسكرية محتملة تجري في هذه المناطق، وبالتأكيد إن جرت فستكون بالتنسيق مع الجانب الأميركي، ولكن اللافت هو أن هذا التصريح يأتي في وقت يغيب فيه التحشيد العسكري في هذه المناطق، إذ لا تفوّت وسائل الإعلام التركية عادة هذه الحشود من دون تغطيتها إعلامياً.
أردوغان ألحق تصريحه بمقال نشرته له صحيفة "كوميرسانت" الروسية أكد فيه أنه ينتظر دعما روسياً، لمحاربة التنظيمات الإرهابية المصنفة لدى تركيا، قاصداً حزب "العمال الكردستاني"، و"وحدات حماية الشعب الكردي"، ما يؤكد نواياه حول منطقة شرق الفرات، خاصة ربط ذلك بوحدة التراب السوري.
في الوقت ذاته أعرب أردوغان في المقال ذاته، عن أسفه لاستمرار الدعم الكبير الذي تقدمه الولايات المتحدة بشكل خاص لـ"وحدات حماية الشعب"، خلال الفترة الأخيرة، مشدداً على أن "تركيا لم ولن تسمح في أي وقت من الأوقات، بوجودٍ أي من الكيانات الإرهابية على حدودها".
لجوء أردوغان لدعوة روسيا لمكافحة الإرهاب هو سعي لكسبها من أجل أية مخططات مقبلة في سورية، تستهدف مكافحة هذه التنظيمات، ومنها تشكيل المناطق الآمنة المقصودة، ولكن التحديث البارز هنا يكمن في إمكانية جمع الخصمين الروسي والأميركي في سورية، من قبل تركيا لضمان نجاح العملية العسكرية المزمعة.
وقبيل أي عملية عسكرية في سورية، يضطر الجانب التركي للتنسيق مع الجانب الروسي لفتح المجال الجوي له لتنفيذ العمليات العسكرية، وهو ما جرى سابقاً في عمليتي "غصن الزيتون"، ودرع الفرات، حيث إن هاتين العمليتين لم تكونا لتتما لولا السماح الروسي الذي يسيطر على الأجواء السورية، وهذا ما يدفع بأردوغان إلى توجيه دعوته هذه لنظيره الروسي، فلاديمير بوتين، فيما التنسيق الميداني يجب أن يجري مع الجانب الأميركي في حال تنفيذ أي عمل عسكري في هذه المناطق التي تسيطر عليها الوحدات الكردية.
في السياق، أكد محللون أتراك مطلعون صحة التحضيرات للإعلان عن هذه المناطق الآمنة، وفق المعلومات المتوفرة لهم، حيث تشمل القضاء على ما يسميها الأتراك "التنظيمات الإرهابية" (الكردية) وإن لم تعلن عن العملية من قبل، وينتظر أن تتكشف وتتوضح مستقبلاً، مستذكرين العملية العسكرية البرية الصامتة التي لا تزال جارية في شمال العراق.
كما لفت مختصون متابعون للوضع الأمني، إلى أن الخطط الموضوعة قد تشمل أكثر من عملية متزامنة شرقي الفرات، مع وجود احتمال بتعويل تركيا على "الجيش السوري الحر" في هذه العمليات، أو ما يصنفون على أنهم معارضة معتدلة.
أما على الصعيد الرسمي، فقد رأى مصدر تركي مطلع بحديثه لـ"العربي الجديد"، أن التصريح الصادر عن أردوغان كان مفاجئاً في توقيته، وعزا ذلك إلى رغبة تركية في التصعيد الإعلامي الذي يسبق أي مفاوضات سياسية، خاصة في ظل ترقب الجانب التركي وصول طلب من الجانب الأميركي لعقد لقاء ثنائي بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأردوغان على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، يكون فيه الحديث عن سورية وخارطة الطريق حول منبج، وبالتأكيد تشكيل هذه المناطق الآمنة، إذ سبق أن طرحت تركيا هذا الموضوع مرات عديدة في المفاوضات، وتترقب تنفيذ خارطة الطريق في منبج من أجل الانتقال لمناطق أخرى.
وأضاف المصدر أن النقطة الثانية تتعلق بملف المفاوضات من أجل إطلاق القس الأميركي المعتقل في تركيا أندرو برانسون، والذي سبق أن طلبت أميركا الإفراج عنه دون قيد أو شرط، في ظل رفض تركي حاسم، ما أجبر ترامب على فرض عقوبات اقتصادية على تركيا؛ على أن يكون هذا الجانب جزءا من الصفقة المتواصلة، وسط تكهنات بإتمام هذه الصفقة قريباً.