وقالت مصادر من "الجبهة الوطنية للتحرير"، التي تضم فصائل معارضة عدة، لـ"العربي الجديد"، إنّ قرابة 1800 مقاتل من فصيل "حركة أحرار الشام" يستعدون للمغادرة من منطقة جبل شحشبو في سهل الغاب بريف حماة الغربي، عبر الحافلات، إلى مناطق سيطرة "الجيش الوطني السوري" التابع للمعارضة السورية في شمال حلب. وأوضحت المصادر، التي فضلت عدم ذكر اسمها، أنّ المقاتلين سيخرجون مع عائلاتهم إلى مناطق الباب وجرابلس وعفرين، وذلك تطبيقاً للاتفاق الذي وقعته "الجبهة الوطنية للتحرير" متمثلة بـ"حركة أحرار الشام"، أمس، مع "هيئة تحرير الشام". وينصّ الاتفاق على دخول "حكومة الإنقاذ" التابعة لـ"الهيئة"، إلى المنطقة واستلامها إدارة المجالس المحلية هناك، وبقاء من يريد من عناصر "حركة أحرار الشام" تحت سلطة "الهيئة" في المنطقة.
وأوضحت المصادر أنّ من بين الذين سيغادرون من جبل شحشبو، عناصر من فصائل أخرى هجروا في وقت سابق على يد النظام السوري من الغوطة الشرقية وشرق دمشق وحمص وبقوا في مناطق "حركة أحرار الشام". ومن المتوقّع أن يبدأ العناصر، اليوم السبت، بالخروج من المنطقة بسلاحهم الخفيف، وفق المصادر ذاتها، التي أضافت أن فصيل "صقور الشام"، المنضوي في "الجبهة الوطنية للتحرير"، وقّع اتفاقاً مشابهاً مع "الهيئة" حول المناطق التي تخضع لسيطرته في جبل الزاوية بريف إدلب، يقضي بدخول "حكومة الإنقاذ" لإدارة المجالس المحلية، وبقاء مقاتلي الفصيل في المنطقة تحت إدارة "الهيئة"، بدون دخول عناصر الأخيرة إلى المنطقة.
وفي السياق ذاته، نقلت وكالة "سمارت" السورية، عن "مصدر خاص"، قوله إنّ هناك بنوداً غير معلنة في الاتفاق المبرم بين "الجبهة الوطنية للتحرير" و"هيئة تحرير الشام"، تتضمن تسليم "ألوية صقور الشام" و"حركة أحرار الشام الإسلامية" أسلحتهما الثقيلة، وبعض حواجزهما العسكرية. وقال المصدر الذي ينتمي لـ "الجبهة الوطنية للتحرير"، إنّ "صقور وأحرار الشام" ستسلمان أسلحتهما الثقيلة لفصيل "تجمع دمشق" المنضوي في صفوف "الجبهة الوطنية" التابعة لـ"الجيش السوري الحر"، بينما ستسلمان حواجزهما على أوتوستراد حلب – دمشق وأوتوستراد حلب – اللاذقية لـ "فيلق الشام"، على أن تصبح تحت إدارة "تحرير الشام" بعد شهر واحد.
وأضاف المصدر أنه من البنود غير المعلنة للاتفاق أيضاً، إقامة "تحرير الشام" مقرّات عسكرية لها في مدينتي معرة النعمان وأريحا جنوب إدلب، إضافة إلى نشر "الشرطة الإسلامية" التابعة لها مكان "الشرطة الحرة". وتابع المصدر أنّ "صقور الشام" ستسلّم عدداً من الآليات العسكرية الثقيلة والحواجز على الطرق الدولية، بينما ستحتفظ بالحواجز الموجودة في المناطق التي تسيطر عليها، بدون التطرّق للأسلحة والحواجز التي ستسلمها حركة "أحرار الشام"، مشيراً إلى أنّ "صقور الشام" أبقت على مقاتليها في 24 نقطة مواجهة مع قوات النظام السوري شمالي سورية، ممن لم يشاركوا بالاقتتال مع "تحرير الشام". وتوصّلت "تحرير الشام" و"الجبهة الوطنية"، الخميس، إلى اتفاق ينصّ على وقف المواجهات بينهما شمالي سورية، وإخضاع المنطقة لـ"حكومة الإنقاذ"، الأمر الذي أدى لإعلان الشرطة "الحرة" تعليق عملها حتى إشعار آخر.
كما تسعى "هيئة تحرير الشام" إلى توسيع نفوذها في ريف اللاذقية الشمالي، بموجب اتفاق مع فصيل "جيش الأحرار" المنضوي في "الجبهة الوطنية للتحرير". وقالت وكالة "إباء" التابعة لـ"الهيئة"، أمس الجمعة، إنّ الاتفاق قضى بتسليم "جيش الأحرار" حواجز عسكرية تابعة له بالقرب من الشريط الحدودي مع تركيا شمال إدلب، والاعتراف بـ"حكومة الإنقاذ" كسلطة إدارية في مناطقه.
وكانت "تحرير الشام" بدأت الأسبوع الماضي عملية عسكرية في ريف حلب الغربي وإدلب، تمكّنت على إثرها من بسط نفوذها على كامل مناطق سيطرة "حركة نور الدين الزنكي". كما أجبرت "الهيئة" فصيلي "ثوار الشام" و"بيارق الإسلام"، التابعين لـ"الجيش السوري الحر"، والعاملين في منطقة الأتارب، على حلّ نفسيهما والخضوع لقيادتها العسكرية وتسليم المدينة لإدارة "حكومة الإنقاذ".
إلى ذلك، ردّ عضو مجلس الشورى في "هيئة تحرير الشام"، المصري يحيى بن الفرغلي (أبو الفتح)، على دعوات إشراك الفصائل في حكم الشمال السوري. وقال عبر حسابه في "تلغرام"، أمس الجمعة، إنّ "الهيئة عرضت مرارًا على قادة الفصائل المشاركة، لكن الأهواء والتبعية للداعم ومشاريع الاستسلام كانت العائق أمام التوحد". وفي إطار هذا التوسّع لسيطرة "الهيئة"، أعلن المجلس المحلي لقرية أم الخلاخيل، جنوب مدينة إدلب، تبعيته لـ"حكومة الإنقاذ". وقال المجلس في بيان له أخيراً، إنّ تجمّع أم الخلاخيل الذي يتألّف من قرى عدة تضم 5200 نسمة، يعلن تبعيته لـ"حكومة الإنقاذ".
كما أعلن مخفران لـ"الشرطة الحرة" في محافظة إدلب، وهما مخفرا بلدة كفرتخاريم وقرية معرة حرمة، في بيانين منفصلين عن استمرارهما بعملهما، رغم إعلان قيادتهما وقف عمل "الشرطة الحرة" حتى إشعار آخر. من جهتها، أعلنت "حكومة الإنقاذ" عن إعادة فتح معبرين يربطان مناطق سيطرة "تحرير الشام" بأخرى خاضعة لقوات النظام السوري و"الجيش السوري الحر" في محافظة حلب. وقالت "الإدارة العامة للمعابر" التابعة لـ "حكومة الإنقاذ" في بيان لها، إنها افتتحت معبري "دارة عزة" و"المنصورة"، غرب حلب أمام الحركة التجارية والإنسانية بعد تأمين المنطقة "عسكرياً وأمنياً"، وذلك بعد نحو أسبوع من إغلاقهما.
في المقابل، رفضت "الفعاليات الثورية" في مدينة معرة النعمان، أمس الجمعة، إقامة أي مقرّ عسكري لـ"تحرير الشام" داخل المدينة، وحدّدت في بيان لها موقفها من التطورات الأخيرة في الشمال السوري. وقال البيان إنّ الرفض سببه "منع حصول أي مواجهات بين الهيئة والأهالي الرافضين لها من جهة، وعدم السماح لروسيا وقوات نظام (بشار) الأسد باستخدام هذه المقرات ذريعة لقصف المدينة والمدنيين". وكانت "حكومة الإنقاذ" تشكّلت في الشمال السوري مطلع نوفمبر/تشرين الثاني عام 2017، وضمّت 11 حقيبة وزارية. وقد سلمت "الإدارة المدنية للخدمات" التابعة لـ"هيئة تحرير الشام" مؤسساتها الخدمية من مياه وكهرباء ومواصلات وغيرها، لهذه الحكومة.
في غضون ذلك، استقدمت قوات النظام تعزيزات جديدة إلى محيط محافظة إدلب، وكثّفت قصفها على المنطقة. وقالت مصادر محلية، إنّ طفلة قُتلت وأصيب عدة أفراد من عائلتها جراء إلقاء قنابل من طائرة مسيرة على مدينة اللطامنة بريف حماة الشمالي. كما قصفت قوات النظام مناطق عدة في ريف إدلب الشرقي وريف حلب الجنوبي.
وتحدّثت مصادر محلية عن استقدام النظام السوري تعزيزات عسكرية إلى النقاط التابعة له في ريف حماة الشمالي، شملت عشرات المدرعات والمعدات العسكرية، وتمركزت بشكل خاص في قرية الجرنية والمناطق المحيطة بها. كما طلبت من سكان بعض المنازل إخلاءها، في خطوة للتمركز فيها بعد وصولهم إلى المنطقة.
وفي سياق هذه التطورات، أعلن وزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو، أنّ بلاده وروسيا قد تنفذان عملية عسكرية مشتركة ضدّ "جبهة النصرة" في محافظة إدلب، حال تطلبت الضرورة ذلك. وقال جاووش أوغلو، في مقابلة تلفزيونية مع قناة تركية محلية: "نتحدّث عما يمكننا فعله ضدّ التنظيمات الإرهابية، وخصوصاً في إدلب، مع كل الأطراف وليس فقط روسيا. وهذا الأمر قد يتم عند الضرورة".
وأشاد الوزير التركي بالتعاون بين بلاده وروسيا في مجال مكافحة الإرهاب، مشدداً على أنّ كلا البلدين راضيان عن تطبيق الاتفاق حول محافظة إدلب الذي تم إبرامه في سوتشي العام الماضي، مشيراً إلى أنه "ليس من السهل إنجاز كل ذلك مع وجود التشكيلات المتطرفة".
وفي تفسير لهذه التطورات في الشمال السوري، قال المحلل السياسي شادي عبد الله في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "التطورات الأخيرة تشير إلى أننا مقبلون على سيناريو يشبه ما حدث من قبل مع تنظيم داعش، لناحية إمكانية تشكيل تحالف دولي، ضدّ هيئة تحرير الشام". وأضاف أنّ ما بدا أنّه تراخٍ تركي في مواجهة "تحرير الشام" "قد يكون متعمّداً لتمكين الأخيرة من بسط سيطرتها على تلك المناطق، بغية رفع الحرج عن تركيا في حال تم استهدافها بالطيران الروسي ومن جانب قوات النظام". ورأى عبد الله أنّ "تركيا في المحصلة قد لا تمانع من عودة هذه المناطق إلى سيطرة قوات النظام بعد أن ضمنت خلوها من المسلحين الأكراد، ضمن اتفاق مع روسيا يضمن عدم حصول عمليات انتقام من الأهالي والمعارضين، ومقابل إعطاء ضوء أخضر من روسيا لتركيا بالمضي قدماً في عمليتها شرق الفرات، للتخلّص أيضاً هناك من المسلحين الأكراد".
من جهته، رأى المقدّم أحمد السعود، عضو المجلس العسكري في "جيش إدلب الحر"، أنّ "جبهة النصرة أصبحت الوجهة في سورية، مثل داعش"، متوقعاً أن "تجتمع الدول لتشكيل تحالف للقضاء عليها". ورفض السعود في تغريدة له على "تويتر"، "تحميل تركيا أخطاءنا، لأن تركيا لن تتدخل بقضيتنا وستتعامل مع الواقع مع صعوبة الموقف"، معتبراً أنّ "الجبهة الوطنية للتحرير" و"الجيش الوطني" هما "المسؤولان عن هذا الفلتان الأمني في الشمال".
بدوره، قال القيادي في "الجيش السوري الحر" في الشمال السوري، مصطفى سيجري، إنه "لا يحق لوزارة دفاع الاحتلال الروسي الحديث عن تمدد النصرة والإرهاب الآن، وهي أكبر داعم له في سورية، من خلال دعم إرهاب الدولة المنظم ودعم الوحدات الكردية وتقديم الدعم المباشر لتنظيم جبهة النصرة من خلال فتح المعابر التجارية، واستهداف مقرات ومعسكرات الفصائل الرافضة لوجود النصرة".
ورأى سيجري في تغريدات له على "تويتر"، أنّ "الجيش الوطني"، "لا يتحمّل مسؤولية ما حدث من سيطرة لتنظيم النصرة على مناطق غير خاضعة لسيطرته، إنما يقع على عاتقه الإعداد لمعركة فاصلة يسحق فيها الخونة والعملاء على حد سواء، بما يضمن حمايتها من التسليم للنظام، أو التأثير على تحضيرات شرق الفرات".