تلقّت السلطات المصرية مؤشرات سلبية من موسكو حول ملف عودة رحلات الطيران المباشر من روسيا إلى مطاري شرم الشيخ والغردقة، بعد الزيارة التي قام بها وفدان، واحد أمني وآخر ملاحي، للمطارين، لاستطلاع مستجدات التأمين الخاصة بهما، ومدى تحقق شروط روسيا لعودة الرحلات المباشرة لهذين المطارين اللذين كانا يستقبلان نحو 90 في المائة من حركة السياحة الروسية لمصر، قبل حادث سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء في أكتوبر/تشرين الأول 2015.
وقال مصدران، أحدهما بوزارة الطيران المدني والآخر بشركة سياحية روسية-مصرية، إنّ المؤشرات الآتية من موسكو "لا توضح أن العودة وشيكة". ويأتي ذلك بعدما كانت مصادر حكومية مصرية قد عبّرت لـ"العربي الجديد" الأسبوع الماضي، عن تفاؤلها بتحقيق الزيارة الأخيرة لنتائج "إيجابية"، قياساً بردة فعل المسؤولين الروس على ما شاهدوه من تطوّر للحالة الأمنية، وتركيب بعض أجهزة المراقبة والبصمة البيومترية التي اشترطت روسيا أخيراً تطبيق أنظمتها لاستئناف الرحلات، مشيرةً إلى أنّ موسكو ستبلغ القاهرة بنتائج الزيارة قبل نهاية العام.
وذكر المصدران أنّ الشركات السياحية الروسية، في إطار سعيها لتأمين رحلات عملائها لشرم الشيخ تحديداً، في فترة العطلة الشتوية والأعياد، ستستمر في تسفير رحلات "شارتر" إلى مطارات قريبة من شرم الشيخ، بما في ذلك مطار القاهرة، كما كان الوضع في العامين الماضيين.
وكان مدير واحدة من شركات السياحة الروسية الكبرى العاملة بين البلدين، "بيغاس"، قد أعلن أخيراً لوسائل إعلام مصرية، أنّ الشركة ستسيّر رحلات من موسكو إلى إيلات الإسرائيلية، ثمّ من إيلات إلى شرم الشيخ، لتسهيل السفر على عملائها، بدلاً من استخدام مطار القاهرة، الذي لم يكن مفيداً لشركات السياحة، بسبب ابتعاده عن شرم الشيخ، وزيادة تكلفة الرحلات من موسكو وغيرها من المدن الروسية إليه.
وأوضح المصدران أنّ شركات السياحة المشتركة بين روسيا ومصر، والتي انتعشت في السنوات العشر الأخيرة من عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، إلى حدّ تملّكها فنادق ومنتجعات كاملة في شرم الشيخ، تحاول حالياً لملمة شتات أعمالها وإعادة الروح لنشاطها بعد ثلاثة أعوام من الكساد، بسبب تعليق الرحلات الجوية بين روسيا ومصر. ولذلك، فهي تحاول بشتى السبل الضغط على السلطات الملاحية الروسية لتخفيف شروطها والسماح بعودة الرحلات إلى شرم الشيخ تحديداً، كما تحاول من جهة أخرى، الضغط على السلطات المصرية لقبول بعض الشروط التي تراها مجحفة وكان يتمسّك بها الجانب الروسي في المفاوضات.
ورجح المصدران أن تكون زيارة التفتيش الأخيرة، التي نشرت "العربي الجديد" تفاصيلها، نتيجة لبعض تلك الضغوط، لأنها لم تكن مجدولة وفق الاتفاقات التي تمت خلال زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لموسكو في أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وكانت "العربي الجديد" قد كشفت مطلع الشهر الماضي أنّ روسيا تشترط تطبيق أنظمة قياس بصمة بيومترية متقدمة، وبصمة الوجه، في مطاري شرم الشيخ والغردقة، الأمر الذي لم يتحقق بالكامل، على حد تعبير المصادر، بسبب مشاكل مادية، وأن السلطات المصرية اكتفت بتركيب بعض الأجهزة في المناطق الخاصة بدخول وخروج الأمتعة وعمل الموظفين.
ولم تطبّق مصر نظام بصمة الوجه في مطار القاهرة، إلا الشهر الماضي فقط. وقد وبدأ العمل بها بهدف التأمين وإحكام السيطرة على منافذ المطار. ورغم أن شركة "إيروفلوت" الروسية الحكومية استأنفت رحلاتها من موسكو للقاهرة والعكس في أبريل/نيسان الماضي، بناء على بروتوكول استئناف الرحلات وتأمين المطارات الذي وقعه البلدان، إلّا أنّ الموعد المبدئي لعودة الطيران لمدن البحر الأحمر والأقصر كان شهر أغسطس/آب الماضي، في حين أنه مرّت 4 أشهر قبل إرسال وفد التفتيش الروسي الأخير.
وكانت المصادر المصرية رأت أنّ موسكو كانت تتذرّع بمبررات ومشاكل تمّ حلها واستيفاء سبل تلافيها جميعاً، إذ تم الالتزام بزيادة نقاط التفتيش في المطارات المحلية، واشترت الحكومة أجهزة تفتيش حديثة، وتمّ تزويد جميع نقاط المطار بكاميرات تصوير تمتد سعتها التخزينية إلى أكثر من شهر، كما تم تخصيص مكان بالقرب من كل مطار لإقامة خبراء الأمن الروس، لكن سلطات الطيران الروسي مازالت ترى أنّ على مصر الانتظار حتى الربيع المقبل للبت في هذه المسألة.
ويعتمد البروتوكول والوثائق التكميلية التي وقعت بداية العام الحالي بين البلدين، حلاً وسطاً حول سلطات واختصاصات الخبراء الأمنيين الروس، حيث كانت موسكو ترغب في ألا يختصوا فقط بالتفتيش على الإجراءات الأمنية الخاصة بالرحلات الروسية، بل تمتد سلطاتهم للرقابة على الإجراءات الأمنية الخاصة بباقي الرحلات. وفي النهاية اتفق الطرفان على أن تكون للمراقبين الروس سلطة مراقبة على الرحلات من وإلى روسيا فقط.
وسبق أن ذكرت مصادر حكومية مصرية لـ"العربي الجديد" أنّ السياحة في مدن البحر الأحمر تعتمد بنسبة 92 في المائة على الطيران المباشر، وليس الطيران الداخلي الآتي من القاهرة، فضلاً عن أن إجبار السائحين الروس على استخدام الطيران الداخلي من القاهرة إلى أي مدينة أخرى للوصول إلى محل إقامتهم، يؤثر سلباً بنسبة تصل إلى 70 في المائة على إقبال الروس على الحجوزات الفندقية. علماً بأنّ السائحين الروس مازالوا يمثلون نحو 40 في المائة من إشغال الفنادق في مدن البحر الأحمر، مما يعني أن استمرار الوضع الحالي يحرم مصر من فرص كبيرة في زيادة عوائدها السياحية.