لكن انتشار هذه المخازن داخل المدن والأحياء السكنية، بما في ذلك الحسينيات والمنازل وحتى المدارس، وتكدس الأسلحة والمتفجرات فيها بشكل عشوائي، ومن دون مراعاة وسائل الأمن وحفظها وفق المعايير، بات يشكل خطراً حقيقياً على السكان في المدن، ويحول هذه المخازن إلى قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة على غرار ما حصل في مرات سابقة. وقتل وأصيب 204 عراقيين جراء ثلاثة انفجارات لتلك المخازن وقعت بين 2016 و2018 في بغداد وحدها، الأول في منطقة هور رجب جنوبي بغداد والثاني في حي العبيدي شرقي بغداد فيم الانفجار الأخير وقع الأسبوع الماضي شرقي بغداد أيضاً. وتسببت الانفجارات الثلاثة بخسائر بشرية وألحقت أضراراً مادية بما في ذلك انهيار منازل مواطنين.
أكثر المليشيات التي تملك أسلحة استخدمتها في الحرب على تنظيم داعش ثم عادت بها إلى العاصمة بغداد ومدن جنوب البلاد، هي "سرايا السلام" التي يقودها زعيم "التيار الصدري" مقتدى الصدر، وتسيطر على عشرات المنازل في محافظات البصرة وذي قار، وفي بغداد لها أكثر من 50 بيتاً داخل "مدينة الصدر"، أكثر مناطق البلاد جماهيرية لمقتدى الصدر، فضلاً عن المساجد والحسينيات.
يأتي بعدها مليشيا "بدر" التي يتزعمها زعيم تحالف "الفتح" هادي العامري، تتوزع مخازن عتادها في حي "عرصات الهندية" في قلب العاصمة ومركزها التجاري، فيما تستولي "عصائب أهل الحق" على بيتين كبيرين في "الجادرية" القريبة من جامعة بغداد، واستخدام بعض الكراجات (مواقف السيارات والباصات) في الكرادة لنفس الغرض، وليس انتهاءً بـ"كتائب سيد الشهداء" التي تتخذ من معسكر "صقر" في حي "أبو الجير" بالعاصمة مخزناً لها. وتتشارك الكتائب مع الشرطة الاتحادية في هذا المعسكر لخزن الأسلحة. ولا تخلو المقرات السياسية التابعة لذات المليشيات من السلاح والعتاد، فعلى أقل تقدير يوجد في كل مقر عشرات الرشاشات والبنادق وقذائف الـ"آر بي جي".
وتعد البصرة ثاني مدينة عراقية يتم خزن عتاد وأسلحة الحشد الشعبي فيها. ويقول قيادي من "الحشد" يقطن في المدينة، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الأسلحة الموجودة لدينا في البصرة تكفي لغزو بلد آخر، حتى أننا أحياناً نخاف من انفجارها خصوصاً بعض الصواريخ التي تحتوي على نسبة عالية من البارود، إذ إن المدينة صيفها شديد الحرارة، ما يؤدي إلى تفاعل البارود داخل الصاروخ ويؤدي إلى انفجاره، وهذا الأمر يقود إلى كوارث". ويلفت إلى أن "مقاتلي الحشد الشعبي الذين حاربوا تنظيم داعش في مناطق شمال وغرب العراق، عادوا مع أسلحتهم إلى الجنوب، وكان من المفترض أن يتم تسليمها في بغداد".
وأعاد انفجار مخزن لعتاد تابع لمليشيا "سرايا السلام"، الأربعاء الماضي، في "مدينة الصدر" شرقي العاصمة العراقية بغداد وأدى إلى مقتل وإصابة عشرات المدنيين بالإضافة إلى سقوط عدد من المنازل، التذكير بقرار الحكومة العراقية المعروف بـ"ملف حصر السلاح بيد الدولة". مع العلم أن العراق كان أقرّ القرار نفسه في العام 2008، خلال فترة حكومة نوري المالكي، ثم أكد تفعيله رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي في عام 2016، عقب انفجار مخزن ذخيرة لمليشيا "عصائب أهل الحق" في منطقة العبيدي ببغداد، راح ضحيته أيضا نحو 70 قتيلا وجريحا من المواطنين.
وعلى أثر الانفجار الأخير، أصدر العبادي، أوامر فورية. وجاء في بيان رسمي، توجيهه "لوزارة الداخلية بالتحقيق بالحادث واتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة ضد الجهة التي ارتكبت هذه الجريمة"، فيما أكد على المباشرة بـ"تولي قيادات العمليات ومديريات شرطة المحافظات القيام بحملات تفتيش واسعة داخل المدن وخارجها لمصادرة مخازن الاسلحة والذخائر التابعة لجهات خارج الأجهزة الأمنية المسؤولة".
يقول عضو اللجنة الأمنية في المجلس المحلي لبغداد، سعد المطلبي، في حديث مع "العربي الجديد"، إن "الحكومة مقصرة في التعامل مع مخازن العتاد التابعة للقوات غير النظامية، وعليها الآن استخدام أدواتها في السيطرة على هذه الأكداس المنتشرة في كل بغداد، فهي تملك جيشاً قوياً وفرقاً متخصصة بملاحقة العصابات". ويشير إلى "وجود عشرين شخصية تتلاعب بالسلاح في بغداد، لها نفوذ وسيطرة مالية، وإذا تمكنت الحكومة من اعتقال هؤلاء فيسكون سكان العاصمة بخير، لكن ماذا نقول إذا كانت الحكومة تُجامل الخارجين على القانون لاعتبارات سياسية ومصالح شخصية".
من جهته ينتقد عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي محمد الكربولي، الضعف الحكومي في مواجهة المليشيات وسحب عتادها. ويقول الكربولي، في حديث مع "العربي الجديد" إن "الفصائل المسلحة لا تزال تملك سلاحاً ثقيلاً وعتاداً في مناطق سكنية، على الرغم من انتهاء المعارك ضد تنظيم داعش الإرهابي". وبالنسبة إليه فإن "قرارات الحكومة لم تكن صارمة، فهي حتى الآن لم تعاقب أي جهة تجاهر بحمل السلاح أو تهدد بالقصاص من جهات مدنية أو سياسية، بطريقة العصابات المنفلتة".
ويرى الكربولي أن "الحكومة أضعف من أن تحاسب الجهات التي تملك السلاح خارج إطار الدولة". ويلفت إلى أن "الفصائل المسلحة لا سيما في الحشد الشعبي، كانت تدعي سابقاً أنها في حاجة إلى الأسلحة بحجة مقاتلة داعش، أما الآن فلم تعد هذه الحجة نافذة، فقد انتهى عصر الإرهاب، وصارت أسلحتهم الثقيلة، تهدد الناس وتمثل لهم الإرهاب. ليعلم الجميع أن هذه الفصائل تعمل على تخزين سلاحها لأن الساحة العراقية مضطربة منذ 2003، وهذه الفصائل تحتاج إلى سلاحها لاستخدامه لأغراض سياسية".
ويعتبر عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان أن "التصريحات التي يطلقها العبادي بشأن الأعتدة وحصرها بيد الدولة، بعيدة عن الواقع، فهو ضعيف بينما الفصائل المسلحة هي القوية". ويضيف "أنا أستغرب من الأجهزة الاستخباراتية في البلاد، كيف كانت تعرف مكان السلاح التابعة لتنظيم داعش في الموصل عندما كانت محتلة من الإرهابيين، ولا تعرف مكان المخازن المملوكة لفصائل الحشد المسلحة داخل بغداد الخالية من تنظيم داعش، هذا الأمر لا يُعقل". ويشدد على أن "الحكومة عليها اعتقال كل تجار السلاح الموجودين في العاصمة من خلال حملات مداهمات، لأنهم يملكون أسلحة ثقيلة ومتفجرات أولاً، ولهم ارتباطات بقادة في الفصائل المسلحة، ويؤمنون لهم العتاد ثانياً، وهذه كلها أعمال خارجة عن القانون".
من جهته، يرى القيادي في مليشيا "النجباء"، أبو وارث الموسوي، أن "السلاح الذي يملكه الحشد الشعبي حالياً هو أصلاً سلاح الدولة، لأن الحشد ضمن المنظومة الأمنية العراقية". ويتساءل "هل من المنطقي أن تُسلّم الدولة سلاحها للدولة؟". ويلفت في حديث مع "العربي الجديد" إلى أن "قيادات الحشد الشعبي كانت قد طالبت كثيراً بإبعاد مخازن الأسلحة عن الأحياء السكنية داخل المدن الآمنة".
في غضون ذلك يبين الخبير الأمني العراقي المتخصص في دراسة الجماعات المسلحة، هشام الهاشمي، في حديث مع "العربي الجديد"، كيف أن "الحكومة العراقية لم تُفعل ملف حصر السلاح بيد الدولة". ويوضح أن "هذا الملف موجود منذ عام 2008، لكنها عجزت عن تنفيذه بسبب قوة المليشيات والفصائل المسلحة"، لافتا إلى أن "تصريحات الحكومة، لا سيما رئيسها حيدر العبادي خجولة". ووفقاً للهاشمي فإن العبادي "لا يريد أن يصطدم مع الجهات التي تملك مخازن داخل المناطق السكنية". ويعتبر أنه "إذا لم يُفعل قانون حصر السلاح، فينبغي أن تقدم هذه الفصائل بحسب قانون الحشد الشعبي جرداً كاملاً بما تملك من أسلحة وأنواعها".