لغز المرشحة الرئاسية عن الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، لا يزال يحيّر الكثيرين في واشنطن. هل تكون رئاستها المحتملة امتداداً طبيعياً لسياسة الرئيس الأميركي الحالي باراك أوباما الخارجية مع تعديلات تجميلية، أم تتموضع على يمينه في مقاربة تميل إلى الصقور في واشنطن؟ وهل تكون نموذجاً لتدخّل الرئيس الأسبق بيل كلينتون في البوسنة عام 1995 أو لعدم تورطه في رواندا عام 1994؟
تحرص هيلاري كلينتون خلال حملتها الرئاسية على إلقاء خطاب رئيسي بعد كل تحوّل بارز مرتبط بالشرق الأوسط. بعد إقرار الاتفاق النووي مع إيران، كان لها خطاب في مؤسسة "بروكينغز" في واشنطن. وبعد اعتداءات باريس الأخيرة، كان لها يوم الخميس الماضي خطاب في مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك رسمت فيه ملامح خطتها للتعامل مع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). اقترحت في هذا السياق ثلاثة عناصر رئيسية: هزيمة "داعش" في سورية والعراق والشرق الأوسط، تعطيل وتفكيك البنى التحتية التي تسهّل تدفق اللاجئين وتموّل الأسلحة والدعاية في كل أنحاء العالم، وتعزيز الدفاعات الأميركية ودفاعات الحلفاء ضد التهديدات الخارجية والمحلية.
لا جديد في هذه العناوين العريضة مقارنة مع استراتيجية أوباما الحالية، لكن في تفاصيل خطتها لمّحت كلينتون إلى ضرورة بدء "مرحلة جديدة" تتوسّع فيها جهود محاربة "داعش" عبر تكثيف الضربات الجوية وتعزيز القدرة على اختراق التنظيم وجمع المعلومات الاستخباراتية حول عملياته. كما أكدت أن الضربات الجوية ليست كافية ولا بدّ من قوات برية غير أميركية لاستعادة المناطق التي يسيطر عليها "داعش". أما في الشأن العراقي، فنوّهت كلينتون بقتال القوى الكردية وانتقدت أداء الجيش العراقي كما ربطت نجاح العمليات البرية بمشاركة عدد أكبر من العراقيين السنّة في هذه المعارك، داعية إلى تكرار تجربة "صحوة الأنبار". وأكدت أنه يجب الضغط على بغداد لتسلّح القوات السنّية والكردية، وإلا ستفعل واشنطن ذلك بشكل مباشر.
أما سورياً، فهناك تماهٍ في خطة كلينتون مع مقاربة أوباما في إيجاد حل سياسي يمهّد الطريق لتركيز السوريين على محاربة "داعش". وأعادت التأكيد على موقفها المؤيد لفرض منطقة حظر جوي لحماية المدنيين تسمح للسوريين بالبقاء في بلدهم "بدل اللجوء إلى أوروبا" وتسهّل سيطرة المعارضة السورية على آخر معاقل "داعش" على الحدود التركية. ودعت كلينتون إلى إعادة النظر في قرار فرض الحظر الجوي، مشيرة إلى التجربة الناجحة في شمال العراق لحماية الأكراد. وخلال توليها منصب وزيرة الخارجية عام 2012 اقترحت كلينتون بالتنسيق مع مدير وكالة الاستخبارات المركزية حينها ديفيد بترايوس، ووزير الدفاع ليون بانيتا، فكرة تحديد الفصائل المعارضة المعتدلة وتدريبها ومدّها بالسلاح لتدافع عن نفسها بمواجهة نظام بشار الأسد، وهي خطة لم يوافق عليها البيت الأبيض في ذلك الوقت.
اقرأ أيضاً: كلينتون: لسنا في حرب مع الإسلام بل مع المتطرفين
على المستوى الإقليمي، رأت كلينتون أن أي استراتيجية لمحاربة "داعش" لن تنجح من دون دور أكبر لتركيا والدول العربية. وعبّرت في هذا السياق عن المزاج العام حيال أنقرة داخل إدارة أوباما حين قالت: "مهما كان الأمر صعباً، علينا أن نجعل تركيا توقف قصف المقاتلين الأكراد في سورية الذين يحاربون داعش". واعتبرت أن السعودية حوّلت انتباهها من سورية إلى اليمن لأنها تركز على التهديد الإيراني، ودعت إلى إيجاد أرضية مشتركة بين واشنطن والرياض. وذكرت أن رسالتها إلى السعودية ستكون: "ما تواجهونه في اليمن هو عرض مسبق لما قد تواجهونه في المستقبل ما لم نحصل على تضافر جهود لوقف القتال، والسعي إلى حل سياسي" في سورية.
من الواضح منذ فترة أن التعامل مع إيران هو الملف الذي تحاول فيه كلينتون أن تظهر تمايزها عن أوباما. فالإدارة الحالية سلكت طريق التفاوض النووي مع طهران في ظل تقاطع رؤية الطرفين حيال بروز خطر "داعش". لكن منذ لحظة توقيع الاتفاق النووي حذرت كلينتون من التسرّع في توسيع رقعة التحاور مع إيران حول قضايا إقليمية. وفي خطابها هذا الأسبوع، اقترحت معادلة جديدة ذكرت فيها أن ما يساهم في تفعيل الحرب على "داعش" هي سياسة "رفع ثقة شركائنا العرب ورفع تكاليف سلوك إيران السيئ".
صورة كلينتون، لا سيما بين القاعدة اليسارية، أنها أيّدت كل الحروب الأميركية، لا سيما تصويتها في الكونغرس لصالح غزو العراق عام 2003، والذي دفعت ثمنه سياسياً خلال الانتخابات الرئاسية التمهيدية عام 2008. خلال المنتدى الديمقراطي بداية الشهر الحالي، تساءلت المقدمة اليسارية راتشيل مادو إذا ما ستكون رئاسة كلينتون "أكثر عدوانية" من أوباما، فكان جواب هيلاري "لا"، وتمسّكت بمبدأ الدبلوماسية لكنها ختمت بالقول: "مع ذلك، أعتقد أن استبعاد استخدام القوة أمر غير مسؤول. لكن يجب أن تكون القوة الملاذ الأخير، ليس الخيار الأول". كلينتون قد تكون أكثر تشدداً في الأسلوب والتكتيك مثلها مثل أي رئيس جمهوري محتمل، لكن في النهاية الرئيس الأميركي الجديد سيواجه التحديات نفسها ومروحة الخيارات ذاتها.
اقرأ أيضاً: الانتخابات الرئاسية الأميركية: قوة المرشحة كلينتون من ضعف الآخرين