ورفض مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض الجنرال أتش آر ماكمستر، والذي يعبّر موقفه عن رأي الجنرالات، الإعلان عن موقفه الشخصي من قضية نقل السفارة وتقديراته لنتائجها السياسية ومدى توافقها مع المصالح السياسية والأمنية الأميركية في الشرق الأوسط، حيث ينتشر آلاف الجنود الأميركيين في العراق وسورية والخليج العربي، وحيث تخوض القوات الأميركية حرباً ضد فلول تنظيم "داعش"، وتتحسّب من أي اصطدام عسكري غير محسوب مع القوات الروسية والإيرانية التي وسّعت نفوذها في المنطقة.
وقال ماكمستر في حديث مع محطة "فوكس نيوز" يوم الأحد، إنه لا يعلم طبيعة القرار الذي سيتخذه الرئيس، مضيفاً "لقد وضعنا أمامه خيارات عدة وناقشنا معه كل واحد من تلك الخيارات كي تتخذ الولايات المتحدة الموقف المناسب من قضية القدس بما يساعد على دفع عملية السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين".
وكشفت صحيفة "واشنطن بوست" أن ترامب عبّر عن غضبه الشديد خلال اجتماع عقده يوم الجمعة مع مستشاريه للأمن القومي بسبب تحذيراتهم المتكررة له من التداعيات الأمنية والسياسية لقرار نقل السفارة. ونقلت الصحيفة عن مقربين من البيت الأبيض أنه خلال المناقشات التي استغرقت أكثر من الوقت اللازم، واستمرت أكثر من ساعة، أعرب الرئيس الأميركي عن تأففه مما اعتبر أنها "تحذيرات مبالغ بها" من قبل فريقه الأمني. وأشار تقرير الصحيفة إلى أنّ وزارة الخارجية الأميركية سبق وأبلغت السفارات الأميركية في الشرق الأوسط اتخاذ إجراءات أمنية وقائية تحسباً لتداعيات أمنية وتظاهرات احتجاجية وهجمات انتقامية قد تتعرض لها في حال اتخذ قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بالمدينة عاصمة للدولة العبرية.
لكن مصادر دبلوماسية لفتت إلى أنّ التحذيرات الأمنية للسفارات الأميركية في الشرق الأوسط كانت صدرت تحسباً من ردود فعل على تغريدة للرئيس الأميركي تضمّنت شريط فيديو مزوّراً يثير مشاعر العداء ضد المسلمين.
وأجّل ترامب، مساء الإثنين، إعلاناً كان مرتقباً، بشأن نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. ومن المنتظر أن يلقي خطاباً، اليوم الأربعاء، يتوقّع المراقبون أن يعلن خلاله الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال على أن يوقّع قبل ذلك على تمديد تأجيل نقل السفارة من تل أبيب ستة أشهر أخيرة. لكن الرئيس الأميركي، حسب المصادر الدبلوماسية، سيتخذ إجراءات بنقل البعثة الدبلوماسية إلى القدس لتطمين الجانب الإسرائيلي.
ورأى أرون دايفيد ميلر الباحث الأميركي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط والخبير في عملية السلام، أنّ ترامب يريد الاستثمار الإعلامي للخطوة وإظهار أنه الرئيس الأميركي الأكثر تأييداً لإسرائيل، وأنه اتخذ القرار الذي لم يقدم عليه الرؤساء الأميركيون السابقون. وقال ميلر "أعتقد أنّ الأمر بالنسبة له كبير جداً، لأنه يريد القول أنا لست باراك أوباما، أنا أكبر داعم لإسرائيل في التاريخ الأميركي الحديث. المسألة أيضاً تتعلّق بالرقم واحد. فترامب أيضاً أوّل رئيس أميركي يزور إسرائيل في بداية ولايته وأول رئيس صلّى على حائط المبكى". لكن خطوة نقل السفارة إلى القدس، بالنسبة لميلر الذي كان ضمن فريق مفاوضات السلام الأميركي خلال إدارة أوباما، ستكون بمثابة الضربة القاضية لعملية السلام في الشرق الأوسط.
وأشارت صحيفة "نيويورك تايمز" إلى اتساع دائرة المعارضين لقرار نقل السفارة في فريق ترامب بمن فيهم صهره كوشنير المفترض أنّه عرّاب "صفقة القرن" في الشرق الأوسط. ولم يبد كوشنير خلال ظهور إعلامي نادر في مؤتمر عن العلاقات الأميركية الإسرائيلية عقد في واشنطن، أي إشارات إلى أنه يؤيّد شخصياً خطوة نقل السفارة، مكتفياً بالقول إن ترامب لم يتخذ قراره بعد وأنه ما زال يدرس عددا من المعطيات والحقائق المرتبطة بهذا القرار. ويواجه كوشنير اتهامات بمحاولته التدخل لمنع صدور قرار في مجلس الأمن الدولي العام الماضي يدين الاستيطان الإسرائيلي.
بدوره، أبدى رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق إيهود باراك الذي يزور واشنطن، تحفّظات على توقيت قرار إدارة ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس، رغم إشادته المبدئية بالخطوة. وقال باراك إن ترامب "لا يملك أي خطة لعملية السلام" وأن خطوة نقل السفارة "لا تخدم سوى اليمين الإسرائيلي المتطرف ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، في حين أنّ نتائجها لن تكون في صالح عملية السلام وإعادة الاستقرار إلى المنطقة.
وحذر السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل مارتن أنديك من تداعيات خطيرة على الإدارة الأميركية، ومن اندلاع أعمال عنف في الشرق الأوسط، جراء قرار نقل السفارة من دون وضع تصوّر كامل ومفصّل لحل سلمي بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ومن الأسئلة التي طرحها أنديك: هل سيذكر ترامب القدس الشرقية ضمن القرار؟ وهل سيحدّد نقل السفارة إلى القدس الغربية، فاسحاً المجال أمام مفاوضات مستقبلية حول مصير القدس الشرقية التي يطالب الفلسطينيون بأن تكون عاصمتهم؟
وكشفت صحيفة "نيويورك تايمز" عن خطة سعودية لـ"السلام" بين الفلسطينيين والإسرائيليين، قدّمها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان للرئيس الفلسطيني محمود عباس، خلال زيارة الأخير إلى الرياض الشهر الماضي، جاءت "منحازة للإسرائيليين أكثر من أي اقتراح سابق تبنّته الإدارة الأميركية، ولا يمكن لأي زعيم فلسطيني أن يقبل بها"، وفق ما نقلت الصحيفة عن مسؤولين فلسطينيين وعرب وأوروبيين استمعوا إلى صيغة عباس للخطة المقدّمة.
وذكرت الصحيفة الأميركية أنه وفق الاقتراح السعودي، سيحصل الفلسطينيون على دولة خاصة بهم، ولكن فقط أجزاء غير متجاورة من الضفة الغربية، وبسيادة محدودة على أراضيهم، فيما ستظل الغالبية العظمى من المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، قائمة. ولن يُمنح الفلسطينيون القدس الشرقية عاصمة لهم، بل يقترح السعوديون أن تصبح أبو ديس، إحدى ضواحي القدس، عاصمة الدولة الفلسطينية.
وأشارت الصحيفة إلى أن عباس بدأ إجراء مكالمات هاتفية مع قادة سياسيين في المنطقة بعد مغادرته الرياض. ونقلت الصحيفة عن مسؤول حكومي لبناني، لم تكشف هويته، تلقى مكالمة من عباس، يقول فيها إنه فوجئ بالاقتراح السعودي بأن تصبح أبو ديس عاصمة الدولة الفلسطينية.
ورغم استمرار انحياز الرأي العام الأميركي لصالح إسرائيل، فإن خطوة إدارة ترامب نقل السفارة الأميركية إلى القدس لا تحظى برضا الأميركيين، حسب استطلاع أجراه أخيراً الباحث في مركز "بروكينغز" وفي جامعة ميريلاند شبلي تلحمي. ويظهر الاستطلاع أنّ غالبية قصوى من الأميركيين (63 في المائة)، تعارض نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، في حين أعرب 81 في المائة منهم عن عدم ثقتهم بدور كوشنير كمبعوث خاص للسلام.