مع تزايد الاتصالات السياسية بشأن الملف الليبي، برز تحرك دبلوماسي على المستويين المغربي والتركي، بعد أن كشفت وسائل إعلام مغربية عن ترتيبات لعقد قمة مرتقبة بين العاهل المغربي الملك محمد السادس والرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال الأيام القليلة المقبلة بالرباط. وتثير القمة المحتملة أسئلة حول دوافعها، خصوصاً أنها تأتي عقب توتر صامت بين البلدين من جهة وفي سياق إقليمي ودولي مضطرب. مع العلم أن الأطراف الدولية والإقليمية المتداخلة في الملف الليبي باشرت إعادة ترتيب أوراقها وحساباتها في انتظار ما قد تسفر عنه المعارك العسكرية المتواصلة مع إصرار حكومة الوفاق، بدعم تركي، على التقدم باتجاه مدينة سرت، وما قد يؤول إليه الحراك الدبلوماسي الساعي لوقف العمليات العسكرية، بعد عجز القيادة المصرية عن التسويق لـ "إعلان القاهرة" الذي رفضته حكومة فائز السراج، وتحفظت عليه دول إقليمية عدة، بينها المغرب الذي يرى فيه تجاوزاً لاتفاق الصخيرات (2015).
ولم تكُن العلاقة بين المغرب وتركيا بأحسن حال في الأشهر الماضية. ففي ديسمبر/ كانون الأول الماضي استدعت الرباط سفيرها بأنقرة، علي لزرق، للتشاور بسبب استيائها من التدخل التركي في ليبيا. فالمغرب رفض منذ البداية أي تدخل أجنبي في الملف مهما كانت أسسه ودوافعه، على اعتبار أن "التدخلات الأجنبية لم تعمل إلا على تعقيد الوضع، وإبعاد آفاق حل سياسي، وتكريس الخلافات الداخلية وتهديد السلم والأمن بالمنطقة المغاربية برمتها".
وازداد شرخ الأزمة بين البلدين بعد تسريب أنباء عن وجود تفاهمات في الكواليس بين الجزائر وأنقرة لاستبعاد الرباط من الملف الليبي، ليصل الأمر إلى درجة إلغاء المغرب زيارتين للرئيس التركي إلى الرباط. كذلك أرخى التوتر بظلاله على العلاقات التجارية بين البلدين، إذ هدد وزير التجارة والصناعة مولاي الحفيظ العلمي بتمزيق اتفاقية التبادل الحر بين المغرب وتركيا، التي أضرّت بمصالح الأول، إذ لم يتوصل الجانبان إلى اتفاق لمراجعتها في 30 يناير/ كانون الثاني الماضي.
وفيما تمكنت أنقرة من احتواء التوتر التجاري مع الرباط، بالاستجابة للمطالب المغربية، يدفع سعي العديد من الأطراف، خصوصاً الإمارات، إلى القفز على اتفاق الصخيرات الذي أفرز حكومة الوفاق الوطني برئاسة السراج وتعترف بها الأمم المتحدة، الدولتين لتجاوز التوتر الذي طبع علاقاتهما في الأشهر الماضية، خصوصاً في ظل التوافق النظري بينهما على دعم حكومة الوفاق الليبية.
وبدا لافتاً خلال الأيام الماضية سعي الرباط إلى الحفاظ على اتفاق الصخيرات، مع تأكيد وزير الخارجية ناصر بوريطة، مباشرة بعد إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مبادرته لحل الملف الليبي، أن الاتفاق السياسي الموقع بمدينة الصخيرات هو المرجعية الأساسية لأي حل سياسي في ليبيا، وذلك خلال اتصال هاتفي مع نظيره وزير الخارجية بحكومة الوفاق الليبية، محمد الطاهر سيالة. كذلك نقل بوريطة رسالة شفهية من العاهل المغربي الملك محمد السادس إلى الرئيس التونسي قيس سعيد "تتعلق بالعلاقات الثنائية وتطويرها، وكذلك بالوضع الإقليمي والدولي".
وفي ظل المشهد السياسي الذي أفرزته المبادرة المصرية الرامية إلى تخطي اتفاق الصخيرات، الذي كان لفترة طويلة أبرز المرتكزات لكل طروحات الحل في ليبيا، يبدو التقارب المغربي التركي ممكناً للرد على تحركات الإماراتية ومبادرة السيسي في ليبيا، ولبعث الروح من جديد في اتفاق الصخيرات من خلال دعمه من قبل أنقرة التي باتت تمسك الكثير من الخيوط في الملف الليبي، ومن أبرز اللاعبين الدوليين في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
ولئن كانت القمة بين العاهل المغربي والرئيس التركي، في حال عقدها، مناسبة لتحديد طبيعة التعاون الذي يمكن القيام به لضمان وقف إطلاق النار في ليبيا والعودة إلى العملية السياسية، يطرح سؤال حول إن كان المشهد السياسي الإقليمي، وفق التحركات التركية، سيحيي فكرة تأسيس حلف تركي – جزائري - تونسي يضم كذلك المغرب. وهو الحلف الذي كان قد أعلن عنه وزير الداخلية الليبي فتحي باشاغا، في ديسمبر/ كانون الأول الماضي خلال مؤتمر صحافي عقده في العاصمة التونسية، بالقول إنه سيكون "هناك تعاون كبير مع تركيا وتونس والجزائر، وسنكون في حلف واحد، وهذا سيخدم شعوبنا واستقرارنا الأمني".
وفيما كان التحفظ المغربي بخصوص التدخل التركي في الأزمة الليبية قد دفع أنقرة، حينها، إلى اعتبار أن الأطراف الأساسية في تفعيل التعاون الأمني في المنطقة هما الجزائر وتونس باعتبارهما دولتي الجوار لليبيا والأكثر ارتباطاً بما يحدث في الأراضي الليبية، يرى الخبير الشرقاوي الروداني أنه من الصعب التكهن بهذا الحلف بالنظر إلى اختلاف آلية الرؤية والمصالح.
ويضيف في حديثٍ لـ"العربي الجديد" أنه على الرغم من العلاقة المتميزة بين المغرب وتركيا والتطابق في وجهات النظر في مجموعة من الملفات الدولية المختلفة، وكذلك الاهتمام المتبادل بالملف الليبي، إلا أنهما يختلفان في نظرتهما الاستراتيجية. بالنسبة للمغرب، يبقى استقرار ليبيا من استقرار منطقة شمال أفريقيا، بصفتها عضواً في الاتحاد المغاربي، الذي يبقى بالنسبة للرباط أفقاً استراتيجياً للدول الخمس المكونة له (المغرب، تونس، موريتانيا، الجزائر، ليبيا)، بخلاف تركيا التي تنظر إلى الملف الليبي في إطار "البحث عن إعادة التوازن الاستراتيجي في المنطقة عبر تمركزات طاقوية وأمنية واقتصادية".
ويبدي الروداني اعتقاده بأنه من الصعب تشكل حلف تركي تونسي جزائري مغربي بالنظر إلى الحسابات السياسية والرؤية المختلفة لكل طرف، فالجزائر تجمعها بروسيا علاقات تذهب إلى حد الاصطفاف حول بعض الملفات، في حين للمغرب وتونس رؤية مشتركة حول أهمية استقرار ليبيا لأمن وسلامة المنطقة. بالإضافة إلى التحديات الأمنية التي يفرضها الملف على مستوى الإرهاب والجريمة المنظمة والعابرة للحدود. في المقابل، تبحث تركيا عن موطئ قدم في المنطقة من أجل حماية استراتيجية لأمنها الطاقوي والاقتصادي وكذلك خلق نقاط تماس مصالح استراتيجية مع دول غرب حوض البحر الأبيض المتوسط، خصوصاً فرنسا وإيطاليا وإسبانيا.