حسمت الولايات المتحدة موقفها من قضايا عدة، معلنة أنه "لا مستقبل لبشار الأسد في السلطة"، وأن "وجودها في شرقي نهر الفرات مرهون بتفعيل عملية التفاوض في جنيف"، التي تنص على انتقال سياسي ينسف كل الخطط الروسية والإيرانية شرقي المتوسط.
ورفع وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، يوم الثلاثاء الماضي، سقف مطالب بلاده في سورية، معلناً أن "هدف بلاده يكمن في ضمان إنهاء سلطة رئيس النظام، بشار الأسد"، كاشفاً عن 3 شروط لانسحاب قوات بلاده من الأرض السورية. وقال ماتيس، في مؤتمر صحافي واسع عقده في وزارة الدفاع (البنتاغون) إن "هدفنا يتمثل بتحويل سير الأزمة السورية إلى إطار عملية جنيف ليكون بإمكان الشعب السوري أن يختار بنفسه حكومة لا يقودها بشار الأسد"، مضيفاً أن "ما يحدث في سورية حرب أهلية، ويجب ألا يكون للأسد مستقبل في أي حل سوري مستقبلي".
ووضع تصريح المسؤول الأميركي حدّاً لمحاولات روسية حثيثة من أجل تجاوز مسار جنيف والتركيز على مسار سوتشي من أجل التوصل إلى حل سياسي يرسخ الوجود الروسي في سورية، ويعيد إنتاج نظام بشار الأسد. كذلك يحمل التصريح رسائل واضحة لروسيا وإيران مفادها أنه "من غير المسموح لهما التفرد بالملف السوري، وتحويل البلاد إلى مناطق نفوذ بلا منازع لهما". كما أنهى التغير في السياسة الأميركية في سورية، محاولات النظام العودة إلى منطقة شرقي الفرات من خلال اتفاق مع "مجلس سورية الديمقراطي" (مسد) الذراع السياسية لـ"قوات سورية الديمقراطية (قسد) التي تهيمن عليها الوحدات الكردية. وجاء التصريح الأميركي في خضم أنباء متضاربة عن زيارة قام بها مسؤولون أميركيون منذ نحو شهرين إلى دمشق، ولقائهم مع مسؤولين أمنيين من النظام أكدت مصادر أنها "لم تثمر عن اتفاق مع النظام يتضمن فك تحالفه مع الإيرانيين".
وادّعت وسائل إعلام تابعة للنظام وحزب الله أن نظام الأسد رفض الشروط الأميركية للانسحاب من سورية، وهي انسحاب القوات الإيرانية كاملاً من جنوب البلاد، وضمانات خطية بحصول الشركات الأميركية على حصة من قطاع النفط في شرق البلاد، وتزويد الجانب السوري واشنطن بالمعلومات عن التنظيمات الإرهابية وعناصرها، لا سيما المنحدرين من دول الغرب.
وتحتفظ الولايات المتحدة بوجود عسكري مهم في شرق سورية، يتمثل بالعديد من القواعد العسكرية التي تضم أكثر من ألفي عسكري، منتشرين في قاعدة التنف على الحدود السورية العراقية، وفي منطقة الشدادي في ريف الحسكة الجنوبي، وفي منبج وعين العرب في ريف حلب الشمالي الشرقي. كما أقام التحالف الدولي ضد تنظيم "داعش" التي تقوده الولايات المتحدة قاعدة عسكرية في منطقة جبل عبد العزيز، جنوب غربي مدينة الحسكة بنحو 35 كيلومتراً، أشار ناشطون محليون إلى أنها "تُعتبر من أهم القواعد الجوية في محافظة الحسكة، وتحتوي على مهبط للطيران المروحي".
ودعمت الولايات المتحدة منذ عام 2014 الوحدات الكردية، وهي الذراع العسكرية لحزب "الاتحاد الديمقراطي"، حتى باتت تسيطر على نحو ربع مساحة سورية. وتسيطر هذه القوات اليوم على أغلب منطقة شرق الفرات التي تعدّ "سورية المفيدة" بثرواتها المائية والزراعية والنفطية. كما انتزعت السيطرة من تنظيم "داعش" على أغلب محافظة الرقة، ومعظم مساحات محافظة دير الزور، إلى جانب سيطرتها على أغلب محافظة الحسكة، أقصى شمال شرقي سورية، باستثناء مربعين أمنيين للنظام في مدينتي القامشلي والحسكة، وأجزاء من ريف المحافظة. كذلك تسيطر على أجزاء واسعة من ريف حلب الشمالي الشرقي، شرق نهر الفرات، وسلسلة قرى جنوب نهر الفرات التي تمتد من مدينة الطبقة غرباً وحتى مدينة الرقة شرقاً، على مسافة أكثر من 60 كيلومتراً.
وكثّف مسؤولون أميركيون زياراتهم إلى مناطق سيطرة قوات "قسد" في ظل أنباء عن بدء واشنطن تشييد قاعدة عسكرية كبرى في محيط بلدة الشدادي. ما يعني نيّة واشنطن البقاء طويلاً في الشرق السوري الذي لا يزال يئن تحت وطأة صراعات لا تكاد تنتهي أطرافها من قوات النظام ومليشيات إيرانية تمارس سلطة الأمر الواقع على من بقي من المدنيين، وتنظيم داعش، وقوات "قسد".
وأشارت شبكة "فرات بوست" الإخبارية، يوم الثلاثاء، إلى أن "مستشار الخارجية الأميركية في مناطق سيطرة قسد وليام روباك، قال يوم الثلاثاء، خلال اجتماع مع شيوخ ووجهاء العشائر في ريف دير الزور، إن الولايات المتحدة وقوات التحالف الدولي باقية في شمال شرقي سورية، حتى إنهاء تنظيم داعش وإرساء الاستقرار في المنطقة". ولفتت الشبكة إلى أن "روباك جال في الأيام القليلة الماضية في مناطق شرق نهر الفرات، إضافة إلى مدينة منبج غرب النهر والتي تسيطر عليها قسد".
ولطالما كان "عدم اليقين" الأميركي في سورية خلال إدارة الرئيس باراك أوباما حافزاً للنظام وحلفائه لاستمرار الفتك بالمدنيين، والقضاء على فصائل المعارضة التي وصفتها واشنطن بـ "المعتدلة" وقدمت دعماً لها قبل اعتمادها على قوات "قسد" التي باتت يدها البرية في سورية.
وتنظر المعارضة السورية بعين الشك إلى التصريحات الأميركية التي تتقلّب من دون تحديد مسار واضح، يمكن أن يؤدي إلى حلّ وفق المرجعيات الدولية. وأكدت مصادر مطلعة في المعارضة السورية أن "واشنطن أفشلت قمة رباعية كان من المفترض أن تضمّ الشهر المقبل تركيا وروسيا وفرنسا وألمانيا للتباحث في حلول للقضية السورية، خصوصاً على صعيد عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم"، مشيرة إلى أن "واشنطن أبلغت هذه الدول أنه لا عودة للاجئين قبل تحقيق الانتقال السياسي".
من جانبه، أبدى السفير السوري السابق، فاروق طه اعتقاده بأن "الولايات المتحدة عراب المأساة السورية"، مضيفاً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "موقفها سلبي مرتبك، لا تعرف متى تقدم ومتى تحجم". وأشار إلى أنه "ضد أي وجود أجنبي في سورية بالمطلق"، مضيفاً أن "من الواضح اليوم عدم وجود موقف أميركي واضح ومحدد. ونشهد تصدعاً واضحاً وتنافراً بين مختلف المؤسسات الأميركية، وتغريدات ترامب تزيد في الطنبور نغماً". وتابع قائلاً إنه "أصبح من المستحيل التنبؤ بسلوك أميركا في سورية، لكنهم في كل الأحوال لن يخرجوا بسهولة".
من جانبه، رأى عضو "مجلس سورية الديمقراطية"، بسام اسحق، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "واشنطن لا تستطيع التخلي عن وجودها في سورية في هذه المرحلة"، مضيفاً أن "الصراع السوري مدولٌ الآن، وينتقل إلى سياسي بامتياز بعد توقف معظم الاقتتال، ولكن كل طرف عليه أن يحافظ على مكاسبه ونفوذه على الأرض ليكون مؤثراً في أي مباحثات سياسية". وحول مستقبل النظام السوري على ضوء تصريحات ماتيس، قال اسحق إنه "رهين اتفاق دولي على رأسه الولايات المتحدة وروسيا"، مضيفاً أنه "لذا لن تتخلى الولايات المتحدة عن وجودها شرق نهر الفرات إلى أن يتم الوصول إلى حل سياسي نهائي للقضية السورية".