استقالة آمبر رود: ما وراء الأكمة

30 ابريل 2018
رود أقرت بـ"تضليل" البرلمان (كريس راكتليف/Getty)
+ الخط -
باستقالة وزيرة الداخلية البريطانية، آمبر رود، مساء الأحد، وقبول رئيسة الحكومة تيريزا ماي استقالتها، وتعيين وزير الإسكان والمجتمعات ذي الأصول الباكستانية، ساجد جاويد، مكانها، أصبحت خامس وزير يستقيل من حكومة ماي التي تشكلت بعد الانتخابات العامة العام الماضي، وذلك بعد أن أقرت بأنها ضللت البرلمان "عن غير عمد" حول وجود أرقام معينة من المهاجرين غير القانونيين الذين تسعى وزارة الداخلية لطردهم من البلاد. 

وكانت تنتظر رود جلسة برلمانية عاصفة اليوم الاثنين في مجلس العموم، حيث كانت ستستجوب حول وجود هذه الأرقام التي تسعى الوزارة إلى تحقيقها، ولكنها استبقت هذه العاصفة بتقديم استقالتها. 

وتعود الأزمة التي أطاحت برود إلى "فضيحة ويندرش"، والتي تتركز على طريقة معاملة وزارة الداخلية لأبناء المهاجرين من الكاريبي، الذين قدموا إلى المملكة المتحدة بعيد الحرب العالمية الثانية وساهموا في إعادة إعمار بريطانيا، والذين تطالب الداخلية البريطانية أبناءهم الآن بإثبات أحقيتهم بالإقامة في بريطانيا. 

ويأتي ذلك في سياق سياسة "البيئة المعادية" التي خلقتها تيريزا ماي عندما كانت وزيرة للداخلية بين عامي 2010-2016، والتي تقضي بحرمان المهاجرين غير القانونيين من حق العمل والعلاج والتعليم والسكن في بريطانيا، وضرورة إثبات صحة أوراق إقامتهم في بريطانيا للحصول على هذه الخدمات. 

وتفترض هذه السياسة أن التضييق على المهاجرين غير القانونيين سيدفعهم للعودة إلى بلادهم، إلا أن هذه الطريقة غير الإنسانية في التعامل مع الأفراد تسببت بضرر معاكس في قضية "جيل ويندرش"، إذ إن أبناء هؤلاء المهاجرين هم مواطنون بريطانيون قانوناً، ولكنهم لا يمتلكون الأوراق التي تثبت ذلك، وما فاقم من معضلتهم تدمير وزارة الداخلية البريطانية بطاقات الوصول التي تثبت دخول آبائهم إلى بريطانيا، وبالتالي تثبت إقامتهم في البلاد، وأحقيتهم في جنسيتها. 

وكان حرمان بعضهم من الأوراق القانونية قد أدى إلى وفاتهم لمنعهم من تلقي العلاج وطردهم من العمل ووضعهم في "بيئة معادية".

ويبقى أن ما أطاح برود ليس "السياسة غير الإنسانية" التي استمرت وزارة الداخلية في اتباعها تحت إدارتها منذ العام 2016، وإنما كذبها أمام البرلمان حول علمها بوضع وزارتها أهدافاً تشمل طرد أعداد معينة من المهاجرين غير القانونيين سنوياً، تماماً كما كان الكذب السبب وراء استقالة وزير التنمية الدولية السابقة، بريتي باتيل، حول لقائها بمسؤولين إسرائيليين سراً، وأيضاً كذب داميان غرين، وزير الدولة السابق، حول وجود محتوى بورنوغرافي على جهازه الحاسوبي في العمل.

وفي حالة رود، كانت وثائق قد نشرتها "الغارديان" الجمعة قد أثبتت تضليل الوزيرة البريطانية السابقة للجنة الشؤون الداخلية في مجلس العموم حول الأرقام المزعومة، إذ أكدت وثائق الصحيفة التي سربت إليها من وزارة الداخلية نية الوزارة ترحيل 12800 شخص، قبل أن تنشر الأحد رسالة بعثت بها رود إلى ماي عام 2017 حول نيتها رفع أرقام الذين سيتم ترحيلهم بنسبة 10 في المائة، وهو ما يثبت علمها وسعيها لتطبيق هذه السياسة بخلاف ما ادعته أمام البرلمان الأربعاء الماضي.

ويعزو المحللون السياسيون البريطانيون استقالة رود إلى أسباب أخرى، أهمها عدم خبرتها السياسية، فهي لم تمتلك سوى خبرة وزارية لعام واحد قبل أن تصبح وزيرة للداخلية، عدا عن أنها كانت دخلت البرلمان البريطاني بعد انتخابات عام 2010، كما أن بعض المحللين يرون أنها لم تسئ التعامل مع "قضية ويندرش"، رغم بطء استيعابها لحجم المشكلة، إذ عملت خلال ولايتها على تحسين الظروف التي خلقتها ماي، كما كانت شكلت خلية عمل للتعامل مع تبعات القضية، وأعربت مراراً عن اعتذارها عن المعاملة التي تلقاها المتضررون، إلا أن عدم امتلاكها للخبرة السياسية الكافية دفعها لإنكار علمها بوجود النية بطرد أعداد معينة من المهاجرين غير القانونيين، ولكنها وبدل تراجعها عن ذلك واعتذارها في الأيام التالية، أصرت على موقفها وكررت نفيها لوجود مثل هذه الأهداف في وزارة الداخلية. 

 

أما المقربون من حزب المحافظين فوجهوا اللوم إلى حزب "العمال" الذي يسعى إلى صرف الأنظار عن ظاهرة العنصرية في صفوفه ضد اليهود. 

ويرى هؤلاء أن صحيفة "الغارديان" المقربة من "العمال" شنت "حملة شعواء" ضد الحكومة الحالية بهدف دعم حظوظ حزب "العمال" في الانتخابات المحلية الخميس الثالث من شهر مايو/ أيار، وذلك من خلال التركيز على موضوع الهجرة لكسب أصوات مدينة لندن متعددة الأعراق. 

كما يرى هؤلاء أن الهدف الأكبر من ذلك هو رأس تيريزا ماي، إذ أن استقالة ماي ستتيح المجال أمام انتخابات عامة جديدة قد تصل بجيريمي كوربن إلى 10 داوننغ ستريت. 

وبالفعل تعرض استقالة رود استقرار حكومة ماي للخطر لسببين: أولهما أن استقالتها تضع تيريزا ماي في مرمى النيران، كونها هي من وضعت هذه السياسة عندما كانت وزيرة للداخلية. 

وبينما وجهت الاتهامات، حتى الآن، إلى رود بسوء معاملة "جيل ويندرش"، فإن استقالتها تعري ماي أمام انتقادات معارضيها. وكان الوزراء البريطانيون قد سارعوا لحماية رئيسة الحكومة فور استقالة رود، ليصروا على أن وزيرة الداخلية استقالت فقط بسبب تضليلها للنواب، وليس بسبب فضيحة ويندرش. 

أما السبب الثاني فيأتي من كون هذه الاستقالة الخامسة من حكومة ماي في غضون عام. وتساهم هذه الاستقالات في تقويض مصداقية رئيسة الوزراء، التي تقود حكومة أقلية في البرلمان، وتضم وزراء من تيارين متضادين في حزبها حول المسألة الأهم في حاضر بريطانيا ومستقبلها، وهي بريكست والعلاقة مع أوروبا. 

وتسعى ماي للحفاظ على توازن حساس بين مؤيدي البريكست المخفف والمشدد في حكومتها، ويعد ذلك سبباً لتعيين جاويد، المؤيد للاتحاد الأوروبي، مكان رود، وهي من المدافعين عن الاتحاد، إلا أن ماي تحاول أيضاً، الاستفادة من الاستقالات التي تصيب الحكومة بهدف زيادة أعداد الوزراء المقربين منها. 

فكما أنها استغلت استقالة وزير الدفاع، مايكل فالون، لتعين حليفها غافين وليامسون مكانه، قامت ماي بتعيين جاويد مكان رود، وأعادت جيمس بروكنشير، وزير إيرلندا الشمالية السابق، وأحد حلفائها، إلى الحكومة ليأخذ مكان جاويد. 

وكان بروكنشير قد استقال بداية العام الحالي لأسباب صحية تتعلق بعلاجه من مرض السرطان. 

وبينما تلقت رود تعاطف زملائها السابقين في الحكومة في العلن، وجه هؤلاء انتقادات لاذعة لتيريزا ماي في الدوائر غير الرسمية، متهمينها بـ"التضحية برود للحفاظ على منصبها". 

وينتظر أن تنضم رود بعد عودتها إلى مجلس العموم إلى متمردي حزب المحافظين الذين يعارضون سياسة حكومة حول بريكست.