ولم يقم أمير البلاد بحل البرلمان، الذي انتخب في أواخر شهر نوفمبر/ تشرين الثاني العام الفائت، واكتفى بقبول الاستقالة وتكليف رئيس مجلس الوزراء الحالي بتصريف العاجل من الأمور، لتصبح الحكومة الرابعة والثلاثون في تاريخ البرلمان الكويتي أحد أقل الحكومات عمراً في تاريخ الكويت، حيث لم يمض على تشكيلها أكثر من عام واحد، فيما قال رئيس مجلس الأمة، مرزوق الغانم، إنه قد بُلّغ باستقالة الحكومة، وأنه لن يدعو إلى جلسة برلمانية حتى تشكيل الحكومة الجديدة.
وتعود أسباب استقالة الحكومة إلى نتائج الاستجواب المقدم لوزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء ووزير الإعلام بالوكالة، بعد فشل الصفقة التي كان أجراها رئيس مجلس الوزراء مع عدد من نواب المعارضة، التي عادت إلى البرلمان بعد مقاطعة امتدت أربعة سنوات، بسبب الاعتراض على مرسوم الصوت الواحد.
وتضمنت بنود الصفقة قيام الحكومة بإعادة الجنسيات لمن سحبت منهم لأسباب سياسية، وإزالة القيود الأمنية عن المعارضين، وإصدار عفو عام عن المعتقلين السياسيين، لكن تدخلات كبيرة من أطراف حكومية ومعارضة أدت إلى إفشال الصفقة واستجواب وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء، والذي تحول إلى كبش فداء، خصوصاً وأن نواباً في البرلمان محسوبون على الحكومة قاموا بالتصويت ضده، مما أدى إلى وصول عدد الأعضاء الذين أيدوا طرح الثقة فيه إلى 30 عضواً من أصل 50.
وفشل العبدالله أثناء الاستجواب في تبرير تجاوزات مالية تورطت بها بعض الإدارات الهامشية التابعة له، كما فشل أيضاً في مجاراة النائبين المستوجبين رياض العدساني وعبدالكريم الكندري أثناء النقاش، مما أضعف موقف الحكومة بشكل كبير، وأظهرها بمظهر مهزوز أمام الرأي العام.
وكان العبدالله قد دخل جلسة الاستجواب بعد اتفاق مع المعارضة يقتضي بإسقاط الاستجواب مقابل إعادة الجنسيات المسحوبة، لكن أطرافاً حكومية وبرلمانية عطّلت تسيير عمل لجنة إعادة الجنسيات، التي شكلت بأمر أميري في شهر مايو/ أيار من العام الحالي، مما أدى إلى غضب نواب المعارضة وإعلانهم الوقوف مع الاستجواب الذي كانوا قد طالبوا مقدميه بالتريث سابقاً.
وستدخل الكويت في حالة فراغ سياسي إلى أواخر شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، وهو الموعد اليذ ينتظر أن يقدم فيه رئيس الوزراء تشكيل حكومته الجديدة، حيث تحاول الأحزاب والتيارات السياسية التي تحظى بوجود داخل البرلمان الحصول على مقاعد وزارية، وعلى رأسها الحركة الدستورية الإسلامية (حدس)، وهي الذراع السياسي للإخوان المسلمين في الكويت، وعدد من الكتل القبلية والمستقلة.
ومن المنتظر أن يكلف أمير الكويت رئيس مجلس الوزراء الحالي بتشكيل الحكومة، فيما سيبقى وزير الداخلية الحالي، الشيخ خالد الجراح الصباح، والذي يحظى برضا حكومي ونيابي على حد سواء، بينما يبدو أن الحياة السياسية لوزير الدفاع الحالي ووزير الداخلية الأسبق، محمد الخالد الصباح، قد توقفت عند هذا الحد، بعد إفصاح مصادر مقربة للحكومة نيتها عزله عن مناصبه، وحمّلت الأطراف الحكومية الخالد مسؤولية ملف سحب الجنسيات السياسي عندما كان وزيراً للداخلية مطلع الألفية في فترته الأولى، ووزيراً في عام 2014 في فترته الثانية، والتي شهدت الوتيرة الأعلى لسحب جنسيات المعارضين.
ووضع أعضاء البرلمان خطوطاً حمراء تجاه عودة عدد آخر من الوزراء أو تدويرهم، وأبرزهم وزير الصحة الحالي، جمال الحربي، على خلفية تجاوزات مالية في المكاتب الصحية التابعة للوزارة في ألمانيا، كما يبدو أن وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، هند الصبيح، لا تحظى بقبول برلماني عقب قراراتها المتشددة في عدد من اللجان والهيئات التابعة للوزارة.
أما وزير النفط عصام المرزوق، فإنه تعرض لاستجواب من قبل النائب فيصل الكندري، لكن هذا الاستجواب لم يُقدم بسبب قرار الحكومة الاستقالة. وقال النائب خالد العتيبي، في تصريح صحفي له، إن "تدوير الوزراء المستجوبين والمرفوضين شعبياً وإعطاءهم حقائب وزراية أخرى يمثل إهانة للشعب الكويتي الذي يرفضهم".
وسيبقى كل من وزراء البلدية والأوقاف والعدل والمالية والتجارة والإسكان والإشغال في مناصبهم، وسط غموض يحيط بمصير وزير الخارجية الحالي، الشيخ صباح الخالد الصباح.
ويمثل الوزير محمد العبدالله الصباح مشكلة كبيرة لدى الحكومة والبرلمان، حيث يصر البرلمان على رفض وجوده في أي منصب وزاري، ويحاول إقصاءه من الحياة السياسية، بينما تتمسك الحكومة وأطراف واسعة النفوذ بإبقائه داخل مجلس الوزراء، خصوصاً وأنه يعد أحد أعضاء الأسرة الحاكمة الرئيسيين الذين يجري الإعداد لهم لمناصب أكبر في المستقبل.
وقال الأكاديمي والباحث السياسي، عبدالرحمن المطيري، لـ"للعربي الجديد"، إن "المشكلة تكمن في أن محمد العبدالله الصباح أكبر من الاستجواب، كونه الحفيد المباشر الوحيد لمبارك الكبير، مؤسس الكويت الأول، كما يُتوقع له مستقبل كبير في الساحة السياسية مستقبلاً، والاستجواب الذي قدّم له كانت تقف خلفه أطراف داخل الحكومة لإقصائه بشكل أسرع، خصوصاً وأن محمد العبدالله لم يكن موفقاً في الرد على الأسئلة، واستهزأ بنواب البرلمان الذين انتخبهم الشعب الكويتي، مما أدى إلى قيام الحكومة بالاستقالة لحمايته".
ويتوقع المراقبون أن تقوم الحكومة الكويتية بعدة خطوات إذا ما أرادت إبعاد العبدالله عن المشهد السياسي الداخلي مؤقتاً، إلى حين هدوء الأوضاع، أبرزها توليته حقيبة وزارة الخارجية بديلاً للوزير الحالي، في ظل الأزمة الخليجية، وهو أمر ممكن، كونه زار الولايات المتحدة عدة مرات كممثل لأمير الكويت لبحث الأزمة، أو تسليمه لوزارة سيادية وبعيدة عن الحسابات السياسية، مثل وزارة الدفاع، بينما لن يكون خيار إقصائه عن الساحة السياسية مطروحاً لما يمثله من أهمية لدى الأسرة الحاكمة.