دوما اليوم محاصرة بالحواجز العسكرية والسواتر الترابية، إذ اقتضت التسوية بقبول من تبقى من أهلها، ببنود الاتفاق الذي رعاه الروس، تحت اسم "مصالحة"، وقد أجبر كل من بقي في المدينة على الإقرار بأنه "اكتشف أن هناك مؤامرة ضد الدولة وضد الدين، متعهداً عدم العودة لحمل السلاح". إلا أن كل تلك الاعترافات لم تسقط عنهم كل التهم التي كان يسوقها عنهم من الإرهاب إلى التكفير، إذ لا يزال يمنع سكانها من الحركة بشكل حر، باستثناء عدد من طلاب الجامعات والمدرسات اللاتي سمح لهن بالخروج والدخول، أما من تبقى فممنوع عليهم الخروج، ومن يُستثنى من ذلك هو القادر على الحصول على الوساطة ودفع رشوة للحاجز تبلغ نحو 10 آلاف ليرة (19 دولاراً) للشخص الواحد.
أما بعد تجاوز الحاجز الرئيسي، ببضع عشرات الأمتار، فتبدأ بمشاهدة حطام المدينة لأن أكوام التراب لا تزال تغلق العديد من الطرقات الفرعية، وركام الأبنية لا يزال في الشوارع، وتكاد لا ترى مبنى لم تترك الحرب عليه أثراً عميقاً. ومنها ما تحوّل إلى تلة من الركام، ومنها ما دمّر جزئياً فتجد أسقفاً تتكئ على بعضها البعض، وأبنية بلا جدران وأخرى لفها سواد دخان نار سبق أن التهمها، تجاورها أكوام قمامة يبدو أنها تتكدس منذ أسابيع. ولا يكاد يخلو شارع من شوارع دوما من حاجز للنظام، لا يفصل بينها سوى عشرات الأمتار، إذ قُسّمت إلى قطاعات كل منها تسيطر عليه مليشيا من المليشيات الموالية أو جهة أمنية أو عسكرية.
تقول بيان، وهي شابة لا تزال صامدة في دوما، لـ"العربي الجديد"، إن "الحواجز تعمل على مضايقة الأهالي واستفزازهم، إضافة إلى أنه ما زالت هناك حوادث سلب مصاغ نساء، وسلب الشباب دراجاتهم النارية. كما أنهم يسحبون السيارات من الشوارع إن كانت متضررة أو أن مالكيها خارج دوما، ويدخلون منازل الناشطين والمقاتلين يفتشونها ويسرقون أثاثها، بذريعة مصادرتها لأنها كانت ملكا لمن يصفونهم بالإرهابيين".
ولفتت بيان إلى أن "الأهالي ما زالوا يعانون من عدم وجود قدرة شرائية لدى من تبقى في المدينة، إذ لا عمل داخل المدينة، في وقت لا تزال فيه الأسعار أعلى مما هي عليه في دمشق، ولا يزال الاعتماد الكامل على شراء الماء والاشتراك بمولدات الكهرباء بما يسمى الأمبيرات".
وتحدثت عن أن "هناك حالات اعتقال تقع داخل المدينة، كرئيس الحسبة أبو محمد راتب ناجي، الذي تم اقتياده إلى فرع أمن الخطيب التابع لأمن الدولة، حيث تعرض للضرب المبرح ثم تم إعادته، وخليل عيبور كذلك اعتقل ليوم ثم أُعيد، لكن هناك شخصا مثلا، من عائلة بويضاني اعتُقل منذ دخول النظام ولم يطلق سراحه حتى اليوم، ولا أسباب واضحة للاعتقال".
من جهته، قال أبو محمد، من دوما في حديث لـ"العربي الجديد"، إن "عملية التسوية مستمرة، بدأت بالمدرسات والطلاب الجامعيين، والآن تتم تسوية أوضاع الشباب، لا أدري متى ستنتهي هذه العملية. وضعنا سيئ للغاية ونريد أن نستعيد حقنا في الحركة والعمل".
ولفت إلى أن "الأهالي ما زالوا يلجأون للشرطة العسكرية الروسية، عند حدوث أي تجاوز أو اعتداء من قبل عناصر النظام، وقد قام الروس عقب دخولهم إلى المدينة بجمع أعضاء المجلس المحلي الذين بقوا في المدينة، وأطلقوا عليهم هيئة حكم محلي".
وعن التعليم والصحة، قال "عادت المدارس للعمل بالرغم من أنها بحاجة إلى ترميم، ومن يتولون التدريس هم في الغالب مدرسات بعقود وكالة وبعض المدرسات اللواتي كن في ملاك التربية، إلا أن النظام لم يصرف لهن رواتبهم. أما من ناحية الأوضاع الصحية، فهناك نقطة طبية واحدة بما يعرف حالياً مستشفى دمشق التخصصي، إضافة إلى عيادة متنقلة تدخل بشكل يومي إلى المدينة، إلا أن النظام لم يسمح بعد بدخول الأدوية، في حين يقوم الهلال الأحمر وتحت إشرافه بنقل الحالات المحتاجة إلى عمل جراحي مستعجل إلى أحد مستشفيات دمشق".
وبيّن أن "الأهالي ما زالوا يعيشون حالة من الصدمة، جرّاء ما حدث في دوما وفرض سيطرة النظام عليها، في ظل عدم وضوح مستقبلهم. وأكثر ما يؤرق العائلات هو مستقبل أبنائهم، إذ بعد انقضاء مدة الأشهر الستة، هل سيعتقلهم النظام ليزج بهم في المعارض التي تخوضها قواته؟ كما تجد عائلات مرتاحة للوضع الحالي، وتعتبر أن الإنجاز الأهم هو توقف القتال ودخول المساعدات الإنسانية".
أما إياد، فيؤرقه غياب الخدمات، قائلاً لـ"العربي الجديد"، إن "النظام يتقصد أن يحرم من تبقى في دوما من حقهم بالخدمات، وأعتقد أن هذا مقصود فهم يريدون أن يعاقبوا الأهالي بشكل جماعي لأقصى حد ممكن. فقد تحولت القمامة لتلال مرتفعة، واليوم نحن بفصل الصيف، وتحولت هذه الأكوام إلى مصدر للذباب والبعوض والأمراض".
من جانبه، أحمد من دوما قال لـ"العربي الجديد"، إن "من أكبر المخاطر التي تهدد أهالي دوما، هي تلك الخاصة بالملكيات، فعندما دخل النظام للمدينة سحب منها السجل العقاري والسجل المدني، وكان المجلس المحلي خلال السنوات الماضية قد بنى لهما بناء محصنا تحت الأرض، وأخذها إلى دمشق ولم يعدها. واليوم لا يوجد في المدينة عملية بيع أو شراء، حتى إن الأهالي يخشون أن يقر النظام العقود والمعاملات التي تمت خلال السنوات الماضية، في ظل سيطرة الفصائل المعارضة والتي تم إنشاء سجلات خاصة بها". ولفت إلى أن "الناس يعيشون تحت الأمر الواقع، ولا يملكون ترف الاختيار، وإلى اليوم عناصر النظام قاموا بتفتيش المنازل مرتين، حيث فتشوا الأهالي وسجلوا أسماءهم ثم رحلوا في كلتا المرتين، وهناك اتهامات تطاولهم بارتكاب جرائم تصفية بحق مدنيين بهدف سلبهم ممتلكاتهم".