شنّ حزب الله، بالأمس، أشرس هجوم على القطاع المصرفي اللبناني وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. جاء هجوم الحزب العنيف على لسان الكتلة النيابية (كتلة الوفاء للمقاومة)، التي اعتبرت أن "القانون الأميركي الذي صدر أخيراً وتلتزم المصارف اللبنانية العمل بموجب أحكامه، هو قانون مرفوض جملة وتفصيلاً، لأنه يؤسس لحرب إلغاء محلية، يُسهم في تأجيجها المصرف المركزي وعدد من المصارف، فضلاً عن كون الالتزام به مصادرة للسيادة اللبنانية النقدية".
ورأت الكتلة أن "التعاميم التي أصدرها حاكم المصرف المركزي أخيراً، وفقاً للقانون الأميركي السيئ الذكر، هي انصياع غير مبرر لسلطات الانتداب الأميركي النقدي على بلادنا، ومن شأنها أن تزيد تفاقم الأزمة النقدية وتدفع البلاد نحو الإفلاس بسبب ما سينتج من قطيعة واسعة بين اللبنانيين وبين المصارف، الأمر الذي يعرّض البلاد لانهيار نقدي خطير ولفوضى عارمة غير قابلة للاحتواء".
وتم التداول، أمس، بمعلومات عن أن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، غادر لبنان لأيام عدّة في انتظار هدوء هذه الحملة. واستخدام عبارة "حرب إلغاء محليّة"، يعني أن الحزب يُبرّر لنفسه ولجمهوره الإجراءات التي قد يتخذها في المقابل، لأنه في "حالة حرب".
وهجوم حزب الله الحاد، ينطلق من أن تعاميم مصرف لبنان تعطي الحق للمصارف اللبنانيّة بإغلاق أي حساب تعتقد أن القانون الأميركي المتعلق بـ"منع ولوج حزب الله إلى المؤسسات المالية الأجنبية وغيرها من المؤسسات"، كما جاء في تعميم مصرف لبنان رقم 137، والذي نص في مادته الأولى بأنه على المصارف أن تقوم "بتنفيذ عملياتها بما يتناسب مع مضمون القرار الأميركي الصادر بتاريخ 18 ديسمبر/ كانون الأول 2015، ومضمون الأنظمة التطبيقية الصادرة بالاستناد إليه".
وتنصّ المادة الثانية أن على المصارف أن تقوم بـ"إبلاغ "هيئة التحقيق الخاصة"، فوراً، بالإجراءات والتدابير التي قد تتخذها تماشياً مع مضمون النصوص المشار إليها في المقطع "أولاً"، من هذه المادة، ولا سيما لجهة تجميد أو إقفال أي حساب عائد لأحد عملائها أو الامتناع عن التعامل أو عن فتح أي حساب له وتوضيح الأسباب الموجبة التي تُبرر اتخاذ هذه الإجراءات والتدابير".
تهديد الحزب واضحٌ إذن. وهو ما يُشير إلى أن هذه الإجراءات تترك آثاراً قاسية على الحزب وجسمه الشعبي، كما يؤكّد عدد من المصادر السياسيّة والمصرفيّة لـ"العربي الجديد". وهذا الأمر يُعاكس ما سبق للأمين العام لحزب الله حسن نصرالله أن أعلنه، لجهة عدم تأثّر الحزب بهذه الإجراءات والعقوبات، لأنه لا يملك حسابات مصرفيّة، على حدّ قوله. نقل وزيرا الحزب في الحكومة (حسين الحاج حسن ومحمد فنيش) هذا "التهديد" إلى اجتماع الحكومة اللبنانية الذي جرى ليل الخميس ــ الجمعة، مترافقاً مع "هواجس" الحزب.
وقال الوزيران إن الحزب تواصل مسبقاً مع حاكم مصرف لبنان لـ"تفاجئه" بأن تعاميم مصرف لبنان تجاوزت ما تم الاتفاق عليه، وهو ما تزامن مع إبلاغ وزيري حزب الله، الحاج حسن وفنيش، مجلس الوزراء بإقفال مصرفين لحسابات مصرفية للنائبين عن الحزب، نوار الساحلي وعلي فياض، والنائب السابق أمين شري. خرج مجلس الوزراء من هذا "الموضوع ــ القنبلة" بأقل الخسائر الممكنة. وقد قرر المجلس تكليف رئيسه تمام سلام "متابعة هذا الموضوع مع حاكم مصرف لبنان بمشاركة وزير المالية المطلع على تفاصيل الاتصالات والإجراءات المتخذة وإعلام مجلس الوزراء عند الاقتضاء عن نتيجة متابعته لهذا الموضوع".
وبحسب مصادر وزارية، فإن هذا التكليف يمتصّ جزءا من "انفعال" حزب الله، خصوصاً لجهة وجود وزير المالية العامة علي حسن خليل (حركة أمل)، وهو على اطلاع كامل على ما يُمكن فعله، وما يتوجب على لبنان فعله لحماية البلد وعدم تعريضه لعزلة خارجية. وعوّلت هذه المصادر على خليل لجهة التواصل مع الحزب، ولجهة تطمين اللبنانيين الشيعة من أن هذه الإجراءات ليست حملة تطاولهم، بل إنها موجّهة ضد فريق سياسي. كما أكّدت هذه المصادر على أن ما يقوم به حاكم مصرف لبنان هو لحماية القطاع المصرفي في لبنان.
ويؤكّد وزير الاقتصاد اللبناني آلان حكيم، في اتصال مع "العربي الجديد"، أن إجراءات حاكم مصرف لبنان تهدف إلى حماية القطاع المصرفي اللبناني. ويُشير حكيم إلى أن هذه الإجراءات لا تُعدّ "انصياعاً"، بل إنها "تطبيق للقانون المتعلق بالعقوبات، وذلك في إطار القانون المالي العالمي والقانون الدولي".
ويلفت حكيم إلى أن القانون الأميركي سياسي وليس قانونياً، لكنه مشكلة حزب الله وليس المصارف. ويؤكّد أن تعاميم مصرف لبنان تعطي الحق للمصارف بأن تتخذ إجراءاتها ومن ثم تُبلغ مصرف لبنان بذلك لإبداء الرأي، بمعنى أن المصارف تقوم بإجراءات استباقية.
ويرى حكيم أن على الحكومة معالجة الأمر حتى لا يؤدي إلى اختناق شعب بأكمله، عبر وضع خطة واضحة، وليس مجرد طمر الرأس بالرمال كما تفعل النعامة. كما يذكر بأن هذه الإجراءات تستند إلى القوانين المالية التي أقرها البرلمان اللبناني في نهاية العام الماضي في آخر جلسة تشريعية له. ويلفت حكيم إلى أن إجراءات المصارف في ما خصّ تبييض الأموال لا تجري بشكلٍ اعتباطي، بل إن هناك أربعة معايير، وهي قيمة المبلغ وغاية استعماله ومصدره والعملة المستخدمة.
ولعلّ أبرز ما دفع حزب الله إلى رفع سقف خطابه عالياً، هو اعتبار أن الأموال المتداولة بالعملة اللبنانية جزء من هذه الإجراءات، وهو ما يتناقض مع ما سبق أن أعلنه حاكم مصرف لبنان في مقابلة تلفزيونيّة، لجهة إمكانيّة استخدام الليرة اللبنانيّة لتجاوز العقوبات.
ويتفق المحلل السياسي المقرّب من حزب الله، قاسم قصير، مع هذه الوجهة، ويلفت في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أن بيان كتلة حزب الله النيابية يُعدّ إنذاراً للقطاع المصرفي ولحاكم مصرف لبنان. وينقل قصير عن مسؤولين في الحزب معنيين بالملف المالي، أن المصارف ومصرف لبنان يتصرفون كأنهم ملكيون أكثر من الملك، لجهة اتخاذ إجراءات أكثر من تلك التي طلبها الجانب الأميركي. ويذكر في هذا السياق الاستمارات التي تجري تعبئتها في المصارف حول المعلومات الشخصية والعائلية لأصحاب الحسابات البنكية، وإقفال حسابات توطين فواتير الهاتف الخلوي.
ويقول قصير إن الحزب قد يتخذ إجراءات أكثر حدّة فيما لو استمرت الإجراءات كما هي، لكنه استبعد الوصول إلى ما يتم تداوله عن أن الحزب قد يلجأ إلى دعوة جمهوره لمقاطعة المصارف والتوقف عن دفع السندات لمن سبق وحصل على قروض مصرفية، أو قيام مصارف قريبة من الحزب برفض الامتثال لتعاميم حاكم مصرف لبنان.
وبالأمس، دافع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع عن حاكم مصرف لبنان والإجراءات التي اتخذها، وقال إنه "لم يكن ينقصنا سوى أن يأتي البعض اليوم ليحاولوا زعزعة القطاع الاقتصادي الأخير الصامد في لبنان، ليس لسبب إلا لأنه يلتزم بسياسات دولية لا يمكن للقطاع المصرفي اللبناني أن يستمر من دونها".
ولفت جعجع إلى أنه "لا يمكن للبعض أن يقوم بما يحلو له يمنة ويسرة وخارج كل الأطر الشرعية، ومن ثم يطلب من الشعب اللبناني بأكمله تحمّل نتيجة أعماله. المطلوب من الجميع قليل من الحكمة وعدم المس بآخر قلعة من قلاعنا الاقتصادية وهو القطاع المصرفي، لأن في ذلك خراب لنا جميعاً".