في السياق، أكد خليل زاد في جزء من حديثه مع الصحافيين عبر الهاتف في 15 مايو/ أيار الحالي، أن "طالبان" أثبتت تعهدها في اتفاق الدوحة ولم تقم بأي هجوم على القوات الأميركية بعد التوقيع على الاتفاقية، بالتالي ستسحب واشنطن قواتها وفق الجدول الزمني المتفق عليه، مشدّداً أيضاً على أن وقف إطلاق النار بين "طالبان" والقوات الأفغانية لم يكن ضمن اتفاق الدوحة. ولوّح خليل زاد بإمكانية بدء الحوار الداخلي في القريب العاجل وفي وقت يكون جزء كبير من القوات الأميركية موجوداً في أفغانستان. يشير هذا الموقف الأميركي إلى أن الولايات المتحدة ستخرج قواتها من أفغانستان مهما كان الوضع بين "طالبان" والحكومة الأفغانية، وهو ما برز في فصل خليل زاد بين المرحلة الأولى من عملية السلام، أي الحوار بين "طالبان" والولايات المتحدة، وبين المرحلة الثانية وهي مرحلة الحوار الأفغاني ـ الأفغاني.
وحيال موجة التصعيد الحالي، تحديداً الهجومين الأخيرين، وأحدهما استهدف مستشفى في كابول والآخر جنازة في إقليم ننجرهار، شرق البلاد، كشف خليل زاد أن تنظيم "داعش" يقف وراءهما، مطالباً كلاً من الحكومة و"طالبان" بالتنسيق بينهما من أجل الوقوف في وجه التنظيم، الساعي لإشعال حرب طائفية على غرار ما حصل في العراق وسورية، وفقاً لكلامه. وهنا يعارض خليل زاد موقف الحكومة التي اتهمت الحركة بالوقوف وراء الهجومين، وكأن المسؤول الأميركي يوحي بأن الحكومة و"طالبان" أصبحتا بالنسبة لواشنطن سواء، والعدو أصبح "داعش" لا الحركة، في إشارة إلى عدم اصطفاف واشنطن إلى جانب الحكومة في حربها على "طالبان". وحمل موقف خليل زاد بخصوص الهجمات الأخيرة رسالة للمواطنين مفادها: إما استمرار الحرب بين "طالبان" والحكومة في حال عدم إطلاق المرحلة الثانية من عملية السلام، وذلك بعدما تصالحت واشنطن مع الحركة، وإما التعرّض لحرب يشنّها تنظيم "داعش".
هذه المواقف دفعت الحكومة الأفغانية إلى الردّ، إذ طلب المتحدث باسم مكتب مستشار الأمن القومي الأفغاني جاويد فيصل من خليل زاد تقديم أدلة على عدم وقوف "طالبان" وراء الهجومين وأن "داعش" نفذهما، مطالباً من وصفهم بـ"حلفاء أفغانستان" تجنّب الإدلاء بتصريحات "تساعد الجماعات الإرهابية"، على حد قوله. من جهته، وصف المتحدث باسم الرئاسة الأفغانية صديق صديقي، تصريحات خليل زاد بأنها "تبرئة مبكرة لطالبان"، مشدّداً على أن الحكومة ملتزمة بالعمل للمصالحة. أما نائب الرئيس الأفغاني، الرئيس السابق للاستخبارات الأفغانية أمر الله صالح، فذهب أبعد من ذلك بالقول إن الاتفاق بين "طالبان" وواشنطن وُقّع تحت إشراف الاستخبارات الباكستانية، وهو ما تكمن في طياته الكثير من الدلالات.
كل تلك التطورات والتوقعات تأتي في خضمّ موجة من التصعيد وتكثيف العمليات العسكرية للقوات الأفغانية على "طالبان" بعد إعلان الرئيس الأفغاني أشرف غني، خروجها من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم، بينما بدأت الحركة تنفذ عمليات انتحارية على أهداف حكومية، آخرها على مركز للاستخبارات الأفغانية، يوم الإثنين. حتى أن المعطيات تشير إلى أن الآتي أسوأ، ما يضعف فرص انعقاد الحوار الأفغاني الأفغاني، رغم تأكيدات خليل زاد بذل الجهود من أجل تعيين موعد جديد له. وبينما خاطب الرئيس الأفغاني أخيراً القوات الخاصة أثناء زيارته لمقرها، بقوله "أخرجوا سيوفكم من الغطاء وأظهروا لأعداء البلاد أنكم تدافعون عن سيادة الوطن"، شدّدت مصادر في الحركة على أنها أيضاً على أهبة تامة للرد. وقال قائد ميداني في الحركة لـ"العربي الجديد"، إن قيادات الحركة عقدت اجتماعات مهمة وقررت شن هجمات مكثفة على الأهداف الحكومية، من عسكرية وغيرها، لإجبارها على مراجعة قرارها الأخير، مؤكداً أن العمليات العسكرية ستقتصر على القوات الأفغانية والمنشآت الحكومية ولن تكون ضد القوات الأجنبية، وذلك بحكم التوافق بين الحركة وواشنطن.
إضافة إلى كل ما سبق، تشير النبرة الإعلامية لـ"طالبان" إلى أن حرب أفغانستان هذا العام مختلفة عن الأعوام السابقة، وأنها ضد القوات الأفغانية لا الأجنبية، وهو ما برز في الأدبيات المنشورة في وسائل إعلام الحركة، تحديداً استخدام مصطلح "إزالة العراقيل الموجودة في وجه تأسيس النظام الإسلامي"، بينما في السابق كانت تستخدم مصطلح "القضاء على الاحتلال". ومن التطورات المهمة أيضاً هو حل النزاع على الرئاسة الأفغانية، ما قد يخفف شيئاً من العبء عن كاهل الرئيس الأفغاني، رغم ما واجهه من انتقادات لاذعة من أنصاره ومؤيديه، تحديداً من بعض رموز القبائل البشتونية التي دعمت غني في الانتخابات الرئاسية أواخر العام الماضي. واستفاد غني من خسارة منافسه عبد الله عبد الله الكثير من أبناء معسكره، تحديداً الجمعية الإسلامية، بقيادة وزير الخارجية السابق صلاح الدين رباني، والتي ينتمي إليها معظم قادة معسكره. وأصدرت الجمعية، أول من أمس الإثنين، بياناً وجهت فيها انتقادات لاذعة لعبد الله لقبوله عرض الرئيس وقبول نتيجة الانتخابات، في حين أنها كانت تسعى لتغيير النظام من الرئاسي إلى البرلماني. لكن عبد الله عبد الله أصرّ على أنه قبل عرض الرئيس وتنازل عن منصبه، مع إصراره على فوزه بالانتخابات، لثلاثة أسباب: المصالحة ثم انسحاب القوات الأميركية ما سيشكّل تغيراً كبيراً في أفغانستان، علاوة على تفشي وباء كورونا.