تحاول الحكومة المصرية الضغط على حكومتي السودان وإثيوبيا لعقد اجتماع على المستوى الوزاري، بشأن تصفية الخلافات حول مشروع سد النهضة الإثيوبي، وإجراءات وضوابط فترة ملء خزان السد، وذلك بموعد أقصاه الأسبوع الثالث من شهر أكتوبر/تشرين الأول الحالي.
إلا أن مصر، التي تعتري خطابها الرسمي نبرة تهدئة ملحوظة، تواجه تعنتاً من الجانب الإثيوبي، الذي وجد في أجواء التشكيل الوزاري الجديد لحكومة هايلي ماريام ديسالين الثانية، فرصة مؤاتية لرفض حضور اجتماع طارئ دعت إليه مصر يومي 4 و5 من الشهر الحالي، وكذلك فعلت السودان، التي عاد البرود يكتنف علاقتها الثنائية بمصر بعد فترات من محاولات التقارب المتبادلة مطلع العام الحالي.
ولا تشكو السودان من المخاوف ذاتها التي تسيطر على مصر نتيجة مشروع سد النهضة، نظراً لتعدّد مصادر الري لديها، لكنها وقّعت مع طرفي النزاع الأصليين مصر وإثيوبيا على بروتوكول عدم الإضرار في مارس/آذار الماضي.
وقالت مصادر حكومية مصرية لـ"العربي الجديد"، إن مصر تسعى لأن يكون الاجتماع المقبل على مستوى الوزراء المختصين، وليس على مستوى الخبراء الفنيين المحليين، وذلك بعدما لوحظ وجود اختلاف بين التعهدات السياسية والخطاب الفني الصادر من الجانب الإثيوبي تحديداً، وذلك استهلاكاً للوقت لحين الانتهاء من عملية الإنشاءات الأولية والبدء في ملء الخزان.
وأضافت المصادر أن القاهرة أبلغت أديس أبابا بأنها لن تقبل المماطلة لفترة أطول، كما أنها مصرّة على إعادة المكتب الهولندي الاستشاري إلى طاولة المفاوضات وزيادة حصته من الدراسات إلى 40 في المائة، على الأقل، بدلاً من 30 في المائة وعدم الأخذ بتوصيات المكتب الاستشاري الفرنسي فقط، وذلك في موعد أقصاه نهاية نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
وأكدت المصادر أن الحكومة المصرية تحصل من خلال الأقمار الصناعية على صور دورية لتطورات الأوضاع في مشروع سد النهضة، وأن كل المؤشرات تدل على أن إثيوبيا لن تستطيع البدء في ملء الخزان قبل الصيف المقبل.
واعتبرت المصادر أن هذا التاريخ ليس مطمئناً، لأن إثيوبيا إذا بدأت ملء الخزان بالتزامن مع شهور فيضان النيل، فستتعرض مصر لأسوأ أزمة مائية في تاريخها الحديث، قياساً بالتزايد الضخم في عدد السكان والحاجة المطردة للموارد المائية على مستوى الجمهورية، وليس في وادي النيل فقط.
اقرأ أيضاً: السيسي يتمسّك بالحلول السياسية لأزمة سد النهضة
وأكدت المصادر أن مصر تحاول الضغط الآن لتكون هي صاحبة الحق في اختيار موعد ملء الخزان، بما ﻻ يضر الجانب الإثيوبي، ولا يعيق مسار تنميته، وأن تطول فترة ملء الخزان مع زيادة تدريجية بسيطة في نسبة المياه المخزنة، وذلك حتى ﻻ تتعرض عملية إنتاج الكهرباء في مصر لهزة كبيرة، أخذاً في الاعتبار رغبة الحكومة المصرية في إدخال محطة كهربائية جديدة واحدة على الأقل إلى الخدمة (من المحطات الجديدة التي تتولى شركة سيمنز الألمانية إنشاءها) قبل انتصاف فترة ملء الخزان.
وحول الحملة الدبلوماسية، التي يضعها النظام المصري كحل بديل للمفاوضات في حال تعثّرها، والتي كشفت عنها "العربي الجديد" في تقرير الأسبوع الماضي، ذكر المصدر أن وزارة الخارجية طلبت من سفارات مصر في واشنطن وباريس وروما عرضاً بشركات علاقات عامة ودعاية دولية لاختيار إحداها لإدارة وتنفيذ الحملة، فور اتخاذ قرار سياسي باللجوء لهذا الخيار.
من جهته، أكد وزير الري المصري الأسبق، محمد نصر علام، أن اجتماع اللجنة الوطنية الثلاثية المكوّنة من 12 خبيراً من كلٍّ من مصر والسودان وإثيوبيا، لمناقشة تطورات ملف "أزمة سد النهضة الإثيوبي"، سيكون مصيره الفشل مثل الاجتماعات السابقة، التي لم تسفر عن أية نتائج إيجابية، لأن إثيوبيا ما زالت تتعامل بتعنت شديد مع مصر تجاه أزمة السد.
وقال علام، لـ"العربي الجديد"، إن الاجتماع يحمل رقم 14 في تاريخ مشاورات أزمة السد، التي بدأت منذ ثلاث سنوات، وكلها اجتماعات شكلية ووعود ليست لها أية نتائج على أرض الواقع، في ظل استمرار أديس أبابا في عمليات البناء، لافتاً إلى أن أول اجتماع كان في 15 مايو/أيار 2012 في أديس أبابا لتقييم سد النهضة، وللاطلاع على المستندات والدراسات التي تُقدّمها إثيوبيا حول السد وآثاره الإيجابية والسلبية على كلٍّ من مصر والسودان، والاجتماع الأخير كان أيضاً في أديس أبابا، يومي 20 و21 أغسطس/آب الماضي، لمراجعة ومناقشة عمل الشركات الاستشارية الدولية لإتمام الدراسات الموصى بها من قِبل اللجنة الدولية للخبراء، لتحديد تأثيرات سد النهضة على مصر والسودان، موضحاً أنه تم خلال الاجتماع منح المكتبين الاستشاريين الفرنسي والهولندي، لسد النهضة الإثيوبي حتى 5 سبتمبر/أيلول الماضي وفشل ذلك بعد انسحاب المكتب الفرنسي من عملية التقييم لرفضه بناء السد.
وأضاف وزير الري المصري الأسبق أن التعتيم على نتائج أي اجتماع دليل على الفشل، الذي تمر به مصر في تلك الأزمة، التي ستضر بالأمن القومي المصري، لكون السد سيضر بمصر أمنياً وسياسياً واقتصادياً، لافتاً إلى أن الجانب الإثيوبي نجح في فرض مطالبه وحصل عليها في ظل ضعف المفاوض المصري. وأضاف أن الجانب السوداني منصاع تماماً لقرارات إثيوبيا، نظراً للمصالح المشتركة بينهما، إذ ستحصل السودان على الكهرباء بأرخص الأسعار من إثيوبيا بعد بناء السد. ووصف تلك الاجتماعات المتكررة بـ"المهزلة" التي لن ترضي أحداً، ويعرف نتائجها الشعب قبل المقربين من هذا الملف.
وأضاف أن المسار، الذي تسير فيه الحكومة من مفاوضات بشأن سد النهضة، سواء في القاهرة أو الخرطوم أو أديس أبابا، فاشل، ويعلم ذلك كل الناس، ولكن الوحيد الذي لا يعلم هو الحكومة المصرية، مطالباً بضرورة أخذ مسار سياسي آخر يقوم به وزير الخارجية، لكونها أصبحت معركة سياسية يجب الأخذ فيها بكل الوسائل، وأن السكوت سوف يضع مصر في مرحلة "حرجة" للغاية.
اقرأ أيضاً: تأخر التقرير الفني لسد النهضة... سياسة "التخدير" الإثيوبية مستمرة