لم تنتهِ ذيول الاشتباكات الحدودية بين السودان وإثيوبيا الأسبوع الماضي، بعد اعتبار مصادر دبلوماسية سودانية، أن المناوشات العسكرية التي وقعت بسبب هجوم مليشيات إثيوبية مدعومة من الجيش على المنطقة الحدودية والاستيلاء على أراضي مواطنين سودانيين وممتلكاتهم، حملت رسائل مريبة هذه المرة. وأضافت أن "هذا الأمر يتكرر منذ سنوات عديدة، إلا أنه في المرات السابقة كان الجيش الإثيوبي يتدخل لتحجيم تلك المليشيات ومنعها من التصرف". وكشفت المصادر لـ"العربي الجديد"، أن القيادة السياسية المصرية وجّهت رسائل إلى نظيرتها السودانية فور وقوع تلك الأحداث في هذا التوقيت، مطالبة إياها بضبط النفس، وعدم الانجرار إلى التصعيد الذي ترغب فيه إثيوبيا، وذلك على عكس ما يُروَّج له عن دور مصري في تأجيج الخلافات بين أديس أبابا والخرطوم. وأشارت المصادر إلى أن "القاهرة عبّرت عن دعمها الكامل للقوات المسلحة السودانية في أي تحرك لحفظ حقوق السودان في الخلافات الدائرة، لكن الأمر هذه المرة هدفه تعطيل المفاوضات مجدداً، التي توصلت إليها الوساطة السودانية أخيراً".
ودعت القيادة المصرية نظيرتها السودانية، بحسب المصادر، إلى تفويت الفرصة، وعدم تأجيج صراع من شأنه أن يحقق أهداف إثيوبيا في فرض الأمر الواقع والبدء بملء خزان سد النهضة في يوليو/ تموز المقبل، من دون التوصل إلى اتفاق نهائي مع مصر والسودان.
من جهة أخرى، كشفت مصادر دبلوماسية وفنية مصرية لـ"العربي الجديد"، عن دراسة الجهات المسؤولة عن ملف السد تصوّراً أوروبياً شارك في إعداده مراكز أبحاث يحمل طابعاً رسمياً، بهدف التوصل إلى صيغة حل ترضي جميع أطراف أزمة سد النهضة، ويراعي احتياجات الدول الثلاث ومتطلباتها. وقالت المصادر إن المقترح الأوروبي يقوم على سياسة التعويض لتخفيف الأضرار التي ستترتب على الأطراف كافة، موضحة أن المقترح ينصّ على رعاية الاتحاد الأوروبي للاتفاق وإنشاء صندوق يُقدَّم من خلاله تعويض لأديس أبابا مقابل اتّباع سياسة بطيئة في ملء خزان السد، بشكل يدعمها في تحقيق التنمية الداخلية بوتيرة مناسبة، لحين الانتهاء من ملء خزان السد خلال عدد أكثر من السنوات بما يخفف من الأضرار الناجمة والواقعة على الأمن المائي المصري.
وأشارت المصادر إلى أن أبرز السلبيات التي يتضمنها التصوّر الأوروبي والذي عُرض للدراسة على الدول الثلاث (إثيوبيا، مصر، السودان)، هي قفزه فوق مبدأ الحصص التاريخية، وعدم تضمينه ما يقرّها. وقالت إن آلية صندوق التعويضات ستُموَّل وفقاً للتصوّر المطروح من جانب الاتحاد الأوروبي ضمن الشق الخاص بحفظ مصالح دول الاتحاد في تلك المنطقة، بما يضمن الاستقرار بها وعدم اندلاع حرب مياه من شأنها إشعال المنطقة برمّتها وتهديد مصالح أوروبا. وأضافت أن التصوّر اقترح مشاركة عدد من القوى الأخرى من خارج الاتحاد، وفي مقدمتها دول الخليج، للمساهمة في الصندوق من منطلق نفعي، يضمن حماية وتأمين استثماراتها الواسعة في إثيوبيا ومنطقة القرن الأفريقي، بفعل امتلاك الدول الخليجية استثمارات ضخمة في إثيوبيا، معظمها يتركز في المجال الزراعي.
وكان الاتحاد الأوروبي قد رحب في بيان الخميس الماضي، باستئناف المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا حول سد النهضة، مشدّداً على أهمية خفض التوتر بين الأطراف الثلاثة. وقال الممثل الأعلى للشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، إنه "يرحب باستئناف المحادثات بين إثيوبيا ومصر والسودان حول أزمة سد النهضة". وأكد خلال محادثاته مع مفوض السلام والأمن في الاتحاد الأفريقي إسماعيل شرقي، "أهمية خفض حدة التوتر بين الأطراف والسعي لإيجاد حل يرضي الجميع"، كاشفاً عن استعداد بروكسل لتقديم الدعم للجميع.
وواكب ذلك تأكيد وزير المياه والري والطاقة في إثيوبيا، سيليشي بيكيلي، أن بلاده لن تعترف بالحقوق التاريخية لمصر في مياه نهر النيل. ونقلت الصحفة الرسمية لوزارة الخارجية الإثيوبية على موقع "فيسبوك"، جانباً من كلمة بيكيلي أمام ممثلي الأحزاب السياسية ورجال الدين في إثيوبيا حول تطورات المفاوضات والوضع الحالي. وقال الوزير إن المحادثات الثلاثية بشأن سد النهضة "فيها ميل مصري لتأكيد ما يُسمى الحقوق التاريخية في المياه، التي لا يمكن قبولها من قبل إثيوبيا أو دول نهر النيل". من جانبه قال وزير الخارجية الإثيوبي، جيدو أندارجاشيو إن موقف بلاده ثابت من استخدام مواردها المائية بشكل منصف ومعقول، بما يتماشى مع المبادئ المُتفق عليها بالتعاون و"بعدم التسبب في أي ضرر كبير".