وبعكس المُتوقع، فإن اللقاء لم يتناول الأزمة الكبيرة التي أحدثتها تسريبات وصف فيها وزير الخارجية ورئيس "التيار الوطني الحر"، وصهر رئيس الجمهورية، جبران باسيل، بري بـ"البلطجي"، بل اتفق الرؤساء الثلاثة على سلة خطوات تؤهّل لبنان للمشاركة في المؤتمرات الدولية، التي تنعقد تباعاً في باريس وروما وبروكسل، لتقديم الدعم المالي والعسكري للحكومة، وتأجيل الخلاف بين بري وباسيل إلى ما بعد الانتخابات النيابية المقررة في بداية مايو/أيار المقبل.
تقوم سلة الحل على فتح دورة استثنائية لمجلس النواب بهدف تمرير موازنة عام 2018، التي أنجزتها الحكومة قبل أزمة استقالة الحريري من العاصمة السعودية الرياض نهاية العام الماضي، وبالصيغة ذاتها التي لجأ إليها رئيس الوزراء الأسبق فؤاد السنيورة عام 2006، لتبرير الإنفاق الاستثنائي بعد الخلاف السياسي حول الموازنة، من خلال توسيع قاعدة الصرف الاستثنائي التي ينص عليها الدستور في حال تأخر إقرار الموازنة. وهو ما يُسقط فعلياً كل الحجج التي واجه بها تحالف الثامن من آذار الذي يضم "حزب الله" و"حركة أمل" و"التيار الوطني الحر" (وزير المال الحالي علي حسن خليل، هو أحد ممثلي الحركة في الحكومة الحالية) السنيورة في حينه واتهامه بالفساد وتجاوز الدستور والإنفاق دون رقابة.
كما نص اتفاق الرؤساء الثلاثة عل تفعيل العمل الحكومي، وهو ما نتج عنه انعقاد مجلس الوزراء، اليوم الخميس، لبحث جدول أعمال مؤلف من 93 بنداً، وبقيمة إنفاق تتجاوز النصف مليار دولار أميركي موزعة بين كلفة توسعة مطار بيروت الدولي وتكاليف إدارية لمجلس الوزراء وتنظيف المطامر العشوائية للنفايات التي انتشرت في مختلف المناطق منذ عام 2015. وهو إنفاق مُبرر بعناوينه وغاياته، ولكن لا يمكن تجاوز واقع أن معظم التلزيمات التي ستنتج عن هذا الاتفاق ستتم بالتراضي وقبل أسابيع قليلة فقط على موعد الانتخابات النيابية. وهو ما يطرح تساؤلات عن إمكانية تحوّل هذه التلزيمات إلى مشروع رشى انتخابية تُحسن من حظوظ الأحزاب المشاركة في الحكومة خلال عملية الاقتراع.
كما حلّ اللقاء الثلاثي الأزمة بين عون وبري التي اندلعت بسبب توقيع رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة على مرسوم منح الأقدمية لضباط دورة عسكرية، دون توقيع وزير المال على ذلك المرسوم. وهو ما دفع بري للاحتجاج بصيغة دستورية تحدث فيها عن الحاجة لتوقيع وزير المال على المراسيم، ولكنها حملت في باطنها البعد الطائفي الفعلي للاعتراض مع حرص بري على وجود "التوقيع الشيعي" على المراسيم جنباً إلى جنب مع التوقيعين الماروني والسني على المراسيم المهمة.
عادت صيغة الحل إلى زمن الحرب الأهلية عندما ابتدع المُشرّعون خيار "المرسوم الجوال" الذي يدور به سعاة رسميون بين مقر إقامة رئيس الجمهورية في منطقة بعبدا شرقي بيروت، وبين مقر إقامة رئيس الحكومة في بيروت الغربية، ومنازل الوزراء المعنيين بسبب صعوبة اجتماعهم نتيجة المعارك وخطوط التماس. وعلى الطريقة اللبنانية تم الاتفاق على تمرير سلة توقيعات تشمل كل الترقيات في الأسلاك العسكرية والأمنية على أن ينضم توقيع وزير المال إلى توقيعي عون والحريري.
وإن نجحت هذه السلة في تأمين مدخل هادئ إلى الانتخابات النيابية وإلى المؤتمرات الدولية التي ستحمل مئات ملايين الدولارات إلى خزينة الدولة، فإن خلاف بري - باسيل سيُعرقل تشكيل الحكومة الثانية في عهد عون بعد انتهاء الانتخابات. وستعاود القوى السياسية اللجوء إلى خيارات سياسية فرعية بعيدة عن النص الدستوري لترقيع الأزمة المُقبلة حتماً.