حتّى تلك الأحزاب البعيدة التي قاطعت المشاورات؛ فقد أصابتها تبعات الاجتماعات والتسريبات السرية والمعلنة، ووضعت علامات استفهام كبيرة على حجم تماسك جبهاتها الداخلية، وربّما لم تنجُ من ذلك إلا الأحزاب التي تمّ استثناؤها منذ البداية من المبادرة، مثل حزب "حراك تونس الإرادة"، الذي يتزعمه الرئيس السابق، منصف المرزوقي.
ولعلّ ما جاء، أمس، على لسان النائب والقيادي البارز في الجبهة الشعبية، منجي الرحوي، قد كشف عن طبيعة العلاقات داخل بعض المنظومات الحزبية، التي نجحت برغم كل الاختبارات في الحفاظ على تماسكها.
الرحوي، الذي رفض حقيبة وزارية عرضها عليه الشاهد، وأثارت ردود أفعال كثيرة من حزب "الوطنيون الديمقراطيون الموحد" الذي ينتمي له (أحد أحزاب الجبهة اليسارية)، أكّد أن البيانات والتصريحات التي أُثيرت لا داعي لها، واصفاً بعض قيادات الجبهة الشعبية "بالفوقية واتّخاذ قرارات بدون مناقشتها داخل الأطر"، وأن "الجبهة" تحتاج نظرة نقدية لتصويب خطّها التنظيمي والسياسي، وهو ما سيعبّر عنه في الفترة المقبلة.
ولكن الرحوي كشف، بالخصوص، أن "الجبهة" تشكو من عدة علل، مؤكداً "الانعتاق من أي سلطة أو قرارات تتخذ بصفة فردية وفوقية من دون مناقشات"، وأن ممثل الحزب الذي ينتمي له انخرط في حملة المقاطعة للمشاورات "دون العودة إلى أطر الحزب، وعليه فإن الموقف لا يُلزمه".
وأكد الرحوي، لـ"العربي الجديد"، أن الأمر لا يتعلق بالالتزام الحزبي والتقيد بموقفه وسياساته، مفسراً ذلك بأن الدعوة وجّهت له بصفته الشخصية، لا بصفته الحزبية، وبأن الجبهة ما كان عليها أن تقاطع المشاورات في مرحلة حرجة جداً، وأنه لا يمكن له التقيد بهذا الموقف الذي لم يقنعه، ولم يشارك في اتخاذه.
وأضاف الرحوي أنه ليس وحيداً في هذا الرأي، وإنما "يعبر عن رأي طيف واسع من منتسبي الجبهة الشعبية الذين لا يرون وجاهة في مقاطعتها مشاورات حكومة الوحدة الوطنية"، معتبراً أنه على الجميع بذل كل ما في جهدهم وما لهم من إمكانيات، كلٌّ في مجاله، للعمل على إنقاذ البلاد التي تواجه خطراً محدقاً.
وبرغم أن الرحوي والجبهة قد تجازوا الأزمة العابرة بعد رفضه الوزارة، فإن أحزاباً أخرى لن تتمكن من ذلك، ولربّما ستترك المشاورات آثارا بليغة على أكثر من حزب، لعلّ من أبرزها حزب الشاهد نفسه، "نداء تونس"، فالكتلة النيابية ومؤسسات الحزب لا يتّفقان على أسلوب التشاور، وعلى أسماء المرشحين، وعلى الوفد المفاوض نفسه، وهو ما سيترك قوائم طويلة من الغاضبين بعد تشكيل الحكومة.
ويواجه الحزب الثالث في الائتلاف، وهو حزب "الاتحاد الوطني الحر"، المصير ذاته؛ فالحزب متأرجح بين المشاركة في الحكومة، والخروج من الائتلاف، ولم يتمكن بعدُ من تحديد موقف موحّد بين قياديّيه ونوابه في البرلمان، الذين يشتكون من تجاهل الشاهد، وتركيزه على حزبي "النداء" و"النهضة" في المرتبة الأولى.