أن يختار رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون مقرّ الكنيسة المارونية في بكركي ـ كسروان (شرق بيروت) وقداس عيد الميلاد (25 ديسمبر/ كانون الأول الحالي) لتوجيه رسائله والإشارة إلى تقاليد جديدة في تشكيل الحكومات "يحاول البعض خلقها"، فذلك عملياً لا يمكن وضعه إلا في خانة التصويب على "حزب الله"، على خلفية الخلاف الحكومي الأخير، المتعلق بالحصص، وبمسعى "التيار الوطني الحر" الحصول على 11 وزيراً، أي الثلث المعطل في حكومة من 30 وزيراً، مقابل رفض "حزب الله".
عملياً دخلت البلاد مرحلة من السبات التي ينتظر أن تنتهي مع انتهاء الأعياد (بعد 1 يناير/كانون الثاني المقبل)، لتبيان إمكانية عودة تشغيل قنوات الاتصال بين المعنيين لمحاولة إنضاج مخرج ما من أجل تشكيل الحكومة، على الرغم من خرق "حزب الله"، وأمينه العام حسن نصرالله، هذا السبات، عبر التواصل مع "التيار الوطني الحر" ورئيس الجمهورية ومعايدتهم بمناسبة الأعياد.
في الشكل لا يعترف أحد من "حزب الله" أو "التيار الوطني الحر" بحقيقة الأزمة الحكومية، وهل هي فعلياً أزمة ثقة بين حلفاء تفاهم 6 فبراير/ شباط 2006 (وثيقة التفاهم الموقّعة بين الحزبين في صالون كنيسة مار مخايل في بيروت)، أو أزمة ثقة بين قيادة "حزب الله" ورئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، أو هي محاولة تجاذب في مرحلة لبنانية دقيقة، تخفي محاولات كل طرف لإطباق سيطرته على الحكومة، استعداداً للانتخابات الرئاسية والنيابية التالية (في عام 2022)، أو محاولة لتضييع الوقت في لحظة إقليمية غامضة.
تبدو كل هذه التساؤلات مشروعة في ظلّ ضبابية المشهد العام في المنطقة، بدءاً من سورية التي يحاول البعض فهم خلفيات قرار الانسحاب الأميركي منها، وصولاً إلى الانفتاح العربي على النظام السوري، والغارات الإسرائيلية الأخيرة، مروراً باستمرار أزمة الحكومة العراقية، وزيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخاطفة إلى بغداد، وانتهاءً باليمن وهدنة الحديدة، والصراع الأميركي – الإيراني في مياه الخليج.
وحده رئيس مجلس النواب نبيه بري بدا واضحاً نسبياً عندما حاول الإشارة إلى ارتباط الملف الحكومي في لبنان بالمشهد العام في المنطقة، عندما تحدث عن شيء ما يحضر للبنان، ملمحاً إلى قطبة إقليمية، وإلى أن الموضوع يتعدّى إطار الثلث المعطل، والحصص الوزارية والصراع اللبناني الداخلي.
اقــرأ أيضاً
لكن بعيداً عن هذه الاستنتاجات، إلا أن الثابت والواضح بالنسبة لكثر أن العلاقة بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، بعد تسلّم باسيل رئاسته، لا تشبه مرحلة العلاقة بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" أيام ميشال عون. وهو ما بدا في الأيام الأخيرة، حسبما ذكرت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، بأنه "ثمة أزمة ثقة حقيقية بين باسيل وحزب الله، على الرغم من أن الرجل أمسك لسنوات ملف العلاقة بين التيار والحزب، ولا يزال يلتقي دورياً قيادات الحزب، والتقى شخصياً نصرالله خلال فترة تأليف الحكومة".
لكن ما يعزز الحديث عن علاقة باسيل بـ"حزب الله" عوامل عدة، ومنها محاولة الإيحاء دوماً بأن "الحزب" يحاول تحييد رئيس الجمهورية عن معركته، خصوصاً أن الأيام الأخيرة شهدت تصعيداً هو الأكثر حدة بين قواعد الحزب و"التيار" على مواقع التواصل الاجتماعي، بلغت حدّ "تمنين" كل طرف للآخر بما سلفه خلال السنوات الماضية، منذ عام 2006، تاريخ توقيع وثيقة التفاهم بين الطرفين.
عملياً لم يقل يوماً "حزب الله" إنه يريد أن ينتزع الثلث المعطل من "التيار الوطني الحر"، وهو ما قاله نصرالله شخصياً في إحدى إطلالاته أخيراً، بأنه لا مانع من حصول "التيار" على هذا الثلث، وعملياً أيضاً يحاول "التيار" دوماً التأكيد على عدم تمسكه بهذا الثلث لغايات سياسية، بل انطلاقاً من حقه التمثيلي كـ"تيار" وحق رئيس الجمهورية.
ووسط الغموض في تفسير خلفيات الصراع بين الطرفين المستجد ثمة تفسيران يتم التداول بهما، حسب مصادر مواكبة. التفسير الأول يشير إلى "ارتباطات إقليمية، تحديداً بما تريده إيران في هذه المرحلة، حسبما كشف موقف بري، خصوصاً أن المحاولة الأخيرة لتشكيل الحكومة أتت بعد دور روسي واضح". التفسير الثاني يركّز على "الحسابات اللبنانية ــ اللبنانية انطلاقاً من جملة عوامل، أهمها الدور المنوط بهذه الحكومة في المرحلة المقبلة، والملفات الملقاة على عاتقها، ربطاً بالمشهد العام في المنطقة، وبمحاولات حزب الله تعزيز حضوره فيها حماية لمصالحه".
ويتشعب عملياً التفسير الثاني للإشارة إلى حيثية الحكومة، بوصفها "الحكومة التي ستستمرّ مبدئياً حتى الانتخابات النيابية والرئاسية المقبلة عام 2022، في ظلّ مساعي باسيل للوصول إلى سدة الرئاسة الأولى بعد انتهاء ولاية عون، خصوصاً أن الحكومة ستكون مكلفة بصلاحيات رئاسة الجمهورية متى حلّ الفراغ، في حال انتهاء الولاية من دون الاتفاق على انتخاب رئيس جديد، كما حصل بين عامي 2014 و2016. بالتالي ففي حال امتلاك باسيل للثلث المعطل فإنه سيكون فعلياً الرجل الأقوى في المعادلة الحكومية والمقرر، وهو ما لا يريده "حزب الله".
ويعزز أيضاً هذه القراءة حديث نصرالله في خطاب طالب فيه بتمثيل النواب السنة المحسوبين عليه، عن أن "الحزب والحلفاء من حقهم الحصول على كتلة وزارية أكبر من الممنوحة لهم في المعادلة الحكومية التي لا تزال سارية"، في إشارة إلى فريق "8 آذار" باستثناء "التيار الوطني الحر". وبعيداً عن تحليل خلفيات الصراع المستجد هذا إلا أن الأكيد أن الحكومة رحلت إلى أجل غير مسمى.
وعلى الرغم من صمت رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، وتوقف الاتصالات والمشاورات كلياً، إلا أنه من المتوقع أن تستأنف بعد رأس السنة، وعلى أكثر من خط. ففي الساعات الماضية عاد الحديث بقوة إلى إمكانية تأليف حكومة مصغرة تكنوقراطية (14 وزيراً)، من أصحاب الاختصاص، مهمتها إنقاذ البلاد على أكثر من صعيد، خصوصاً اقتصادياً، لكن العارفين بالمشاورات التي امتدت على نحو 8 أشهر، يدركون أن هذا الطرح مرفوض جملة وتفصيلاً من قبل "حزب الله"، إلا إذا اختار الحريري وعون تأليف مثل هذه الحكومة، ووضع الجميع أمام خيار أوحد، وهو الخيار المستبعد، نظراً إلى ما يعنيه من اشتباك واضح مع "حزب الله"، وتصعيد خطير.
عملياً دخلت البلاد مرحلة من السبات التي ينتظر أن تنتهي مع انتهاء الأعياد (بعد 1 يناير/كانون الثاني المقبل)، لتبيان إمكانية عودة تشغيل قنوات الاتصال بين المعنيين لمحاولة إنضاج مخرج ما من أجل تشكيل الحكومة، على الرغم من خرق "حزب الله"، وأمينه العام حسن نصرالله، هذا السبات، عبر التواصل مع "التيار الوطني الحر" ورئيس الجمهورية ومعايدتهم بمناسبة الأعياد.
تبدو كل هذه التساؤلات مشروعة في ظلّ ضبابية المشهد العام في المنطقة، بدءاً من سورية التي يحاول البعض فهم خلفيات قرار الانسحاب الأميركي منها، وصولاً إلى الانفتاح العربي على النظام السوري، والغارات الإسرائيلية الأخيرة، مروراً باستمرار أزمة الحكومة العراقية، وزيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخاطفة إلى بغداد، وانتهاءً باليمن وهدنة الحديدة، والصراع الأميركي – الإيراني في مياه الخليج.
وحده رئيس مجلس النواب نبيه بري بدا واضحاً نسبياً عندما حاول الإشارة إلى ارتباط الملف الحكومي في لبنان بالمشهد العام في المنطقة، عندما تحدث عن شيء ما يحضر للبنان، ملمحاً إلى قطبة إقليمية، وإلى أن الموضوع يتعدّى إطار الثلث المعطل، والحصص الوزارية والصراع اللبناني الداخلي.
لكن بعيداً عن هذه الاستنتاجات، إلا أن الثابت والواضح بالنسبة لكثر أن العلاقة بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، بعد تسلّم باسيل رئاسته، لا تشبه مرحلة العلاقة بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" أيام ميشال عون. وهو ما بدا في الأيام الأخيرة، حسبما ذكرت مصادر مطلعة لـ"العربي الجديد"، بأنه "ثمة أزمة ثقة حقيقية بين باسيل وحزب الله، على الرغم من أن الرجل أمسك لسنوات ملف العلاقة بين التيار والحزب، ولا يزال يلتقي دورياً قيادات الحزب، والتقى شخصياً نصرالله خلال فترة تأليف الحكومة".
لكن ما يعزز الحديث عن علاقة باسيل بـ"حزب الله" عوامل عدة، ومنها محاولة الإيحاء دوماً بأن "الحزب" يحاول تحييد رئيس الجمهورية عن معركته، خصوصاً أن الأيام الأخيرة شهدت تصعيداً هو الأكثر حدة بين قواعد الحزب و"التيار" على مواقع التواصل الاجتماعي، بلغت حدّ "تمنين" كل طرف للآخر بما سلفه خلال السنوات الماضية، منذ عام 2006، تاريخ توقيع وثيقة التفاهم بين الطرفين.
عملياً لم يقل يوماً "حزب الله" إنه يريد أن ينتزع الثلث المعطل من "التيار الوطني الحر"، وهو ما قاله نصرالله شخصياً في إحدى إطلالاته أخيراً، بأنه لا مانع من حصول "التيار" على هذا الثلث، وعملياً أيضاً يحاول "التيار" دوماً التأكيد على عدم تمسكه بهذا الثلث لغايات سياسية، بل انطلاقاً من حقه التمثيلي كـ"تيار" وحق رئيس الجمهورية.
ويتشعب عملياً التفسير الثاني للإشارة إلى حيثية الحكومة، بوصفها "الحكومة التي ستستمرّ مبدئياً حتى الانتخابات النيابية والرئاسية المقبلة عام 2022، في ظلّ مساعي باسيل للوصول إلى سدة الرئاسة الأولى بعد انتهاء ولاية عون، خصوصاً أن الحكومة ستكون مكلفة بصلاحيات رئاسة الجمهورية متى حلّ الفراغ، في حال انتهاء الولاية من دون الاتفاق على انتخاب رئيس جديد، كما حصل بين عامي 2014 و2016. بالتالي ففي حال امتلاك باسيل للثلث المعطل فإنه سيكون فعلياً الرجل الأقوى في المعادلة الحكومية والمقرر، وهو ما لا يريده "حزب الله".
ويعزز أيضاً هذه القراءة حديث نصرالله في خطاب طالب فيه بتمثيل النواب السنة المحسوبين عليه، عن أن "الحزب والحلفاء من حقهم الحصول على كتلة وزارية أكبر من الممنوحة لهم في المعادلة الحكومية التي لا تزال سارية"، في إشارة إلى فريق "8 آذار" باستثناء "التيار الوطني الحر". وبعيداً عن تحليل خلفيات الصراع المستجد هذا إلا أن الأكيد أن الحكومة رحلت إلى أجل غير مسمى.
وعلى الرغم من صمت رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، وتوقف الاتصالات والمشاورات كلياً، إلا أنه من المتوقع أن تستأنف بعد رأس السنة، وعلى أكثر من خط. ففي الساعات الماضية عاد الحديث بقوة إلى إمكانية تأليف حكومة مصغرة تكنوقراطية (14 وزيراً)، من أصحاب الاختصاص، مهمتها إنقاذ البلاد على أكثر من صعيد، خصوصاً اقتصادياً، لكن العارفين بالمشاورات التي امتدت على نحو 8 أشهر، يدركون أن هذا الطرح مرفوض جملة وتفصيلاً من قبل "حزب الله"، إلا إذا اختار الحريري وعون تأليف مثل هذه الحكومة، ووضع الجميع أمام خيار أوحد، وهو الخيار المستبعد، نظراً إلى ما يعنيه من اشتباك واضح مع "حزب الله"، وتصعيد خطير.