يُختصر تقرير LADE بأن "تعاطي وزارة الداخلية مع إدارة العملية الانتخابية غير جدي ولم تقم الوزارة ببذل الجهود المطلوبة للحؤول دون حصول هذا الكم الهائل من المخالفات". لكن مقابل "عدم جدية" وزارة الداخليّة، فإن الناخب البيروتي كان جدياً بإيصال رسالته لمن يرغب بسماعها. فالنتائج غير الرسمية، إذ لم تكن النتائج الرسميّة والنهائيّة لمدينة بيروت قد صدرت للحظة كتابة هذه السطور بعدما طلبت "بيروت مدينتي" إعادة فرز الأصوات في العديد من الأقلام بسبب التزوير، تُشير إلى حصول لائحة "بيروت مدينتي" على ما يُقارب ثلاثين في المئة من أصوات الناخبين. ويُعد حصول هذه اللائحة على هذا الرقم، انجازاً سياسياً لها، خصوصاً وأنها تواجه لائحة أحزاب السلطة مجتمعين، على اختلافاتهم السياسيّة، مدعومة من المرجعيات الدينيّة الإسلامية والمسيحيّة، ورجال الأعمال وتجّار بيروت. وبهذا، فإن الناخب البيروتي، يُعلن اعتراضه على طريقة إدارة مصالحه المباشرة.
كما تُشير هذه الأرقام، إلى حصول "بيروت مدينتي" على أكثريّة أصوات الناخبين المسيحيين، وهو ما يؤشّر إلى تعميق الفجوة ما بين تيار المستقبل والجمهور والأحزاب المسيحيّة. وبذلك يعيش هذا التحالف السياسي بين تيار المستقبل والقوات اللبنانية أسوأ مراحله منذ عام 2005. ولم يأتِ هذا الموقف من فراغ، بل إنه نتج عن تراكمات من أبرزها طريقة إدارة ملف انتخابات الرئاسة.
اقرأ أيضاً: انتخابات بيروت أمام مشروعين: تحالف السلطة يخشى أهل الاختصاص
لكن لا يُمكن اختزال رجاحة الصوت المسيحي لصالح "بيروت مدينتي" بالأزمة بين "المستقبل" والقوات اللبنانيّة، بل إن الأزمة أشمل، وتحتاج إلى قراءة متأنية. فالمشاركة المسيحيّة بهذه "التحركات المدنية" ليست جديدة، إذ شارك أهالي الأشرفية بكثافة في تظاهرات الحراك المدني، الصيف الماضي.
ويُسجّل للائحة "بيروت مدينتي" (التي تتألف من شباب ناشطين ويساريين عدد كبير منهم من رموز الحراك الشعبي) حصولها على نسبة غير متوقعة من الأصوات السنية، إذ رجحت مصادر اللائحة حصولها على أكثر من عشرة في المئة من هذه الأصوات، وهو ما يُعدّ أمراً غير متوقع خصوصاً منذ عام 2005، وهو ما يُشير إلى وجود اعتراض على الرئيس سعد الحريري داخل "ساحته". ويبدو أن ساحة الاعتراض هذه تتمدد إلى طرابلس، حيث يجري تحضير لائحة تجمع المجتمع المدني بالوزير أشرف ريفي، في وجه تحالف الحريري والرئيس نجيب ميقاتي.
بعلبك: انتفاضة انتخابية
وإذا كانت نتائج بلدية بيروت بهذه الأهمية، فإن الانتخابات في مدينة بعلبك (البقاع ـ شرق لبنان)، لم تكن أقلّ أهميّة. فالمعركة الانتخابيّة في "مدينة الشمس" كانت بين لائحة "بعلبك مدينتي" المدعومة من فعاليات بعلبكية والمجتمع المدني، في وجه لائحة شعارها "قاوم بصوتك" المدعومة من "حزب الله". وبحسب أرقام ماكينة "حزب الله" فقد حصلت لائحة الحزب على 54 في المئة من الأصوات مقابل حصول لائحة "بعلبك مدينتي" على 46 في المئة من الأصوات. وقد اعترف نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم بأن الانتخابات في بعلبك وبلدة بريتال "تتميز بطابع سياسي". كما فاز حزب الله في المعركة في بريتال، ضد اللائحة المدعومة من نائب الأمين العام الأسبق للحزب الشيخ صبحي الطفيلي، وهو معارض شرس لتدخل حزب الله في القتال في سورية إلى جانب النظام.
لا يُمكن اعتبار أن نتيجة بعلبك تمثّل المناخ الشيعي العام، فالحزب، كما أعلن قاسم، فاز بثمانين بلدية، ولم تُخرق لوائحه إلا في ستّ، لكن نتيجة بعلبك تُعتبر إنذاراً لمزاج مديني، لا يبدو مرتاحاً لخيارات حزب الله السياسيّة والتنموية والاجتماعية. إذ لا يُمكن حصر معارضة حزب الله بدوره في سورية، بل إن الأمر يطاول بشكلٍ رئيسي الهوية التي يعمل الحزب على صبغ بعلبك بها، ومن أبرز تجلياتها ضرب مهرجانات بعلبك الدوليّة.
زحلة: ليست بالضرورة "مقبرة الأحزاب"
تُتهم مدينة زحلة تاريخياً بأنها "مقبرة" الأحزاب. فعلى مرّ السنوات لم تستطع الأحزاب المسيحيّة السيطرة على المدينة (الأكبر في البقاع وتسمّى عاصمة الكثلكة في الشرق). وفي الانتخابات النيابيّة الأخيرة، أي عام 2009، عزا آل سكاف (ورثة الإقطاع في المنطقة) والتيار الوطني الحرّ، هزيمتهم أمام قوى 14 آذار إلى كثافة التصويت السني ضدّهم. عكست الانتخابات البلديّة الأخيرة صورة معاكسة. فلائحة الأحزاب (القوات اللبنانيّة، حزب الكتائب، والتيار الوطني الحرّ) برئاسة أسعد زغيب، استطاعت تحقيق فوز كامل، على حساب لائحة آل سكاف، ولائحة النائب نقولا فتوش (أو لائحة آل فتوش). وتُعتبر هذه النتيجة مفاجئة لمن توقّع ألا تفوز لائحة بكامل أعضائها، خصوصاً مع استخدام المال السياسي لرشوة الناخبين بشكلٍ واسع من قبل لائحتي سكاف وفتوش بحسب ما أعلنته الأحزاب المشاركة في اللائحة الثانية. إضافة إلى دعم لائحة سكاف من قبل تيار المستقبل وحزب الله، الذي وزع أصواته بين لائحة سكاف ولائحة فتوش ومرشحي التيار الوطني الحرّ.
اقرأ أيضاً: البقاعان الشمالي والغربي تفرّقهما السياسة ويجمعهما اللاجئون