ويعد اجتماع نيويورك امتداداً للقاءات التي استضافتها العاصمة النمساوية على مدى الأسابيع الماضية، والتي كان آخرها فيينا 3 الذي انعقد في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني، وتم خلاله التوافق على إجراء مفاوضات بين النظام والمعارضة في يناير/كانون الثاني المقبل.
لكن توقيت الاجتماع الدولي يكتسب أهميته هذه المرة لكونه يأتي بعد أكثر من أسبوع على انتهاء مؤتمر الرياض الذي ضمّ أبرز أطياف المعارضة السورية السياسية والعسكرية. كما يأتي بعد ساعات من الاجتماع المقرر اليوم الخميس في الرياض لحسم هوية رئيس الهيئة التفاوضية التابعة للمعارضة. كما يعقد الاجتماع وسط استمرار تمسك العديد من الدول بمواقفها من أسس الحل السوري والقوى المشاركة فيه.
وبينما أكدت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أمس الأربعاء، أنّ "هناك جهوداً تبذل لإنهاء الصراع في سورية بالطرق الدبلوماسية والتوصل إلى حل"، مشددة على أن رئيس النظام السوري، بشار الأسد، "لا يمكن أن يكون جزءاً من حل طويل الأجل"، نقلت وكالة الإعلام الروسية، أمس، عن نائب وزير الخارجية الروسي، أليكسي ميشكوف، قوله "نؤيد مشاركة دائرة واسعة من قوى المعارضة التي تمثل الشعب في عملية التفاوض السورية"، مضيفاً "من المؤكد أنه ينبغي عدم استبعاد الأكراد من هذه العملية".
وفي السياق، يقول معارض سوري في حديث لـ"العربي الجديد" إن التصريحات التي تلت اللقاء بين كيري والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في موسكو، "مخيفة وأخشى أن يكون هناك تنازلات من كيري لبوتين على حساب المعارضة السورية ولصالح الأسد". ويوضح أنّ "المعارضة السورية بدأت تخشى من قيام الولايات المتحدة الأميركية بتنفيذ ما تريده روسيا بعدما أخذت دور الوسيط في محادثات فيينا الأخيرة". ومما قاله كيري بعد الاجتماع ببوتين ولافروف، إن روسيا والولايات المتحدة وجدتا "أرضية مشتركة يمكن لجماعات المعارضة المشاركة على أساسها في محادثات السلام السورية"، بينما أوضح بوتين أن "روسيا والولايات المتحدة تسعيان معاً من أجل إيجاد حل للأزمة السورية". ووصف بوتين الموقف بأنه محتدم للغاية.
وكانت روسيا تشترط قبل مشاركتها في اجتماع المجموعة الدولية غداً في نيويورك، أن يكون هناك ثلاثة ملفات منجزة، وهي: تشكيل وفد المعارضة السورية، إصدار القائمة السوداء التي تضم التنظيمات الإرهابية، وتحديد آليات عمل وقف إطلاق النار.
وعلى ما يبدو فإن روسيا تنازلت عن هذه الشروط. وجاء التنازل على الرغم من عدم رضاها التام عن مؤتمر الرياض الذي استثنى شخصيات قريبة من النظام السوري كانت روسيا ترغب بمشاركتها في وفد المعارضة التفاوض. وكانت روسيا قد سعت إلى إفشال المؤتمر من خلال اللعب بورقة قائمة التنظيمات المقرر تصنيفها إرهابية عبر ربط بدء التفاوض مع النظام بصدور هذه القائمة، والعمل على ضمّ بعض الفصائل السورية التي شاركت في مؤتمر الرياض ضمن تلك القائمة. وهو الأمر الذي يبدو أن الأميركيين استطاعوا إقناع الروس بالتغاضي عنه.
اقرأ أيضاً: لافروف وكيري يعلنان عن اجتماع بنيويورك حول سورية الجمعة
لكن في موازاة ذلك، لا يبدو أن محاولات روسيا والنظام لإدخال شخصيات مقربة من الأخير في وفد المعارضة التفاوضي قد انتهت. وفي السياق، تكشف مصادر في المعارضة من دمشق، لـ"العربي الجديد" أن مجموعة من القوى السياسية القريبة من النظام السوري، سلمت قائمة مكونة من 22 شخصاً، لمكتب المبعوث الأممي الخاص بسورية، ستيفان دي ميستورا، في دمشق، مدعية أنها تمثل المعارضة السورية في الداخل ومطالبة بأن تكون هذه الأسماء ضمن وفد المعارضة المفاوض، في حال تم عقد مفاوضات مع النظام.
وتفيد المصادر أن القائمة ضمت كلاً من "محمود مرعي، ميس كريدي من هيئة العمل الوطني والمقربين من مكتب الأمن الوطني، مجد نيازي ووضاح كيالي من حزب سورية الوطن، وليان مسعد ومصطفى قلعي من هيئة العمل الوطني الديمقراطي، عبد القادر عبيد وشادي قحمش من الحزب السوري القومي الاجتماعي الذي يترأسه وزير المصالحة الوطنية في حكومة النظام علي حيدر، محمد أبو القاسم ومجد الأغواني من حزب التضامن. يضاف إليهم ماهر مرهج وسهير سرميني من حزب الشباب الوطني السوري، بروين إبراهيم وجعفر مشهدية من حزب الشباب للعدالة والتنمية، ماهر كرم من حزب التضامن العربي الديمقراطي، نواف الملحم وسليمان شبيب من حزب الشعب، وسنان علي ديب وباسل كويفي وسليم الخراط من حزب التضامن الوطني الديمقراطي". كذلك تضم القائمة "طارق الأحمد من الحزب السوري القومي الاجتماعي والجمعية السورية المدنية، ومحمد شكري شيخاني كشخصية منشقة عن هيئة التنسيق".
ووفقاً للمصادر، فإن النظام يضغط على دي ميستورا لإشراك عدد من هذه الأسماء في أي وفد معارض قد يفاوض النظام في المرحلة المقبلة، لافتة إلى أن "المبعوث الأممي وافق على رفع خمسة أسماء من بين هذه القائمة إلى لجنة التواصل الدولية للمشاركة في وفد المعارضة، باسم معارضة الداخل، إلا أن النظام يحاول الضغط ليرتفع العدد إلى 10 على الأقل".
وتوضح المصادر أن "المؤتمر الذي عقد في دمشق أخيراً تحت شعار (صوت الداخل)، بالتزامن مع اللقاء الموسع للمعارضة السورية في الرياض، كان يهدف إلى تقديم هذه القائمة الموضوعة مسبقاً".
في غضون ذلك، يكشف مصدر لـ"العربي الجديد" أن اجتماع باريس الذي جمع وزراء خارجية مجموعة أصدقاء سورية، يوم الأحد الماضي، تم الاتفاق خلاله على تقديم الدعم للفريق التفاوضي الذي يمثل المعارضة السورية.
وبينما تسعى الإدارة الأميركية إلى تحقيق إنجاز من خلال نقل المشاورات حول سورية من فيينا إلى نيويورك، ولا سيما أنها تترأس مجلس الأمن للدورة الحالية، مما يسهّل عليها عملية إصدار قرار جديد من مجلس الأمن حول سورية، يشير المصدر في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أنّ هناك مشروع قرار سيتم تقديمه لمجلس الأمن حول إجراءات بناء الثقة، والذي سيتضمن في البداية فك الحصار في جميع أرجاء سورية، وإيصال المساعدات الإنسانية، وخروج المعتقلين، وصولاً إلى وقف إطلاق النار. ويلفت المصدر إلى أن مجموعة أصدقاء سورية بحثت مخرجات مؤتمر الرياض، وأيّدت ما توصلت إليه المعارضة في المؤتمر من تشكيل الهيئة التفاوضية والاتفاق على رؤية مشتركة جمعت أطياف المعارضة السورية.
من جهته، يكشف مصدر آخر من المعارضة السورية لـ"العربي الجديد" أن كلا من رئيس الوزراء السوري المنشق رياض حجاب والرئيس السابق للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أحمد الجربا يتنافسان على رئاسة الهيئة التفاوضية، مرجحاً أن يحصل حجاب على المنصب، اليوم الخميس، خلال الاجتماعات التي ستعقدها الهيئة في الرياض. ووفقاً للمصدر، فإن اجتماع الهيئة سيكون من أجل تشكيل الوفد التفاوضي، ووضع آليات للعمل والنظام الداخلي الذي ستعمل به الهيئة.
وكان المجتمعون في مؤتمر الرياض قد شكلوا ثلاث لجان مؤقتة. الأولى مهمتها وضع النظام الداخلي وآليات العمل، بينما تتولى الثانية اختيار فريق العمل الذي سيقيم في الرياض. أما في ما يتعلق باللجنة الثالثة فهي لجنة إعلامية، وتم اختيار رياض نعسان آغا متحدثاً باللغة العربية، وسالم المسلط متحدثاً باللغة الانكليزية، ومنذر ماخوس متحدثاً باللغة الفرنسية، على أن تقوم هذه اللجان بفتح مكاتب خاصة بالهيئة خلال 20 يوماً.
اقرأ أيضاً: ولادة الوفد السوري المفاوِض قريبة...ورفض لزجّ القريبين من النظام