فاجأ النائب العام وممثل الادعاء العام في محكمة سيدي محمد، وسط العاصمة الجزائرية، أحمد بلهادي، الجميع، بإدلائه بتصريحات مثيرة، والتماسه البراءة التامة لـ19 ناشطاً في الحراك الشعبي، كانوا قد اعتقلوا خلال مظاهرات 17 يناير/كانون الثاني الماضي.
وقال ممثل الحق العام، خلال جلسة المحاكمة، إن "الجزائريين يمشون قدماً نحو الجزائر الجديدة، الجزائر التي يكون فيها القضاء حراً، وإنهم يحملون ويردّدون شعارات تطالب بقضاء حرّ ومستقل"، وأضاف: "لهذا أنا أتحمل المسؤولية بصفتي ممثل الحق العام، وأرفض التعليمات والمذكرات الفوقية التي تأتي من فوق (يقصد من السلطة)، وتجسيداً لمبدأ استقلالية القضاء، أطلب تطبيق القانون في حق هؤلاء، وألتمس البراءة لهم"، بعدما كانت قوات الأمن قد اعتقلت الناشطين الـ19 وأُفرج عنهم بعد ذلك بيومين، بتهمة التجمهر غير المرخص، لكنها أبقتهم قيد الملاحقة القضائية، وقرّرت المحكمة، اليوم الأحد، تأجيل النطق بالحكم إلى 23 فبراير/ شباط الجاري.
وأضاف المسؤول القضائي أن "العدالة ستستقل في الجزائر الجديدة، ولن نعود لسنوات التسعينيات بفضل هذا الشعب، بفضل هذا الدفاع، وبفضل القضاة الذين سيستقلون".
ويقرّ القضاة بشكل علني بوجود ضغوط عليهم من قبل السلطة السياسية والأجهزة الأمنية، وأعلنت نقابة القضاة في بيانات سابقة أن "القاضي ما زال رهين العصب والمناورات، عن سبق إصرار يتم تكريسه في الغرف المظلمة"، ووصفت "وضع العدالة بأنه ضحية لمفارقة راهنة بين نصوص قانونية تتحدث عن استقلالية العدالة، وبين الممارسات المفضوحة، والتي تستدعي حركة نضالية غير مسبوقة للقضاة، لأن الصراع هو بين الأحرار والأشرار".
وفي شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، شهدت الجزائر أزمة حادة بعد تمرد غير مسبوق للقضاة ضد السلطة ووزير العدل بلقاسم زغماتي، وإضراب عام شلّ المحاكم ودام عشرة أيام، قبل أن تتدخل وساطات لإنهائه. وقبل يومين، كانت نقابة القضاة قد أودعت شكوى لدى مجلس قضاء وهران، غربي الجزائر، ضدّ من أمر ونفذ حادثة اعتداء قوات الدرك على القضاة داخل قاعة محكمة وهران نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
ويعلّق الناشط الحقوقي عبد الغني بادي على تصريح النائب العام، بقوله إنه يؤكد أن العدالة في الجزائر ما زالت بعيدة عن مسار الاستقلالية عن الضغوط الفوقية، قائلاً لـ"العربي الجديد" إن هذا يؤكد أيضاً أن هناك قضاة شرفاء يقاومون لأجل حماية الحقوق، والحفاظ على شرف المؤسسة القضائية.
وتشكك القوى المدنية والسياسية باستمرار في طبيعة وخلفيات الأحكام القضائية التي يصدرها القضاة، خصوصاً في القضايا ذات البعد السياسي، أو تلك المرتبطة بنشطاء الرأي وقضايا الحريات، ويُعدّ مطلب استقلالية العدالة من بين أبرز المطالب التي تبناها ورفعها الحراك الشعبي منذ فبراير الماضي، خصوصاً أن المجلس الأعلى للقضاء، الذي يدير المسار المهني للقضاة، يترأسه رئيس الجمهورية، وينوب عنه وزير العدل، وهو ما يمثل تداخلاً بين السلطتين التنفيذية والقضائية.