استمراراً لسياسة هدم قاعدة الأقدمية المعمول بها في القضاء المصري منذ نشأته في القرن التاسع عشر، أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قراراً بتعيين المستشار سعيد مرعي، ثاني أقدم أعضاء المحكمة الدستورية العليا، رئيساً للمحكمة، متجاهلاً أقدم الأعضاء وأكبرهم سناً المستشار محمد خيري طه، وذلك تطبيقاً للتعديلات الدستورية الجديدة التي أقرت في إبريل/ نيسان الماضي، والتي سمحت لرئيس الجمهورية للمرة الأولى بأن يختار رئيس المحكمة الدستورية من بين أقدم خمسة أعضاء بها حتى نهاية فترة عمله وتقاعده.
ومن المقرر أن يستمر مرعي رئيساً للمحكمة إلى حين بلوغه سن التقاعد في أغسطس/ آب 2024، ما يعني أنه سيكون أحد أطول رؤساء المحكمة بقاءً في هذا المنصب الرفيع، الذي يعادل وظيفياً درجة وزير، ويملك سلطات كبيرة في تسيير أعمال المحكمة الدستورية، فضلاً عن عضويته في المجلس الأعلى للهيئات القضائية، ونيابته عن رئيس الجمهورية حال غيابه في رئاسة هذا المجلس.
وقالت مصادر حكومية إن مرعي سيؤدي اليمين الدستورية خلال ساعات، ليباشر عمله بدءاً من الأحد المقبل.
وقضى مرعي فترة 6 سنوات من حياته الوظيفية معاراً إلى السعودية كمستشار قانوني لوزارة التجارة في مطلع التسعينيات، ثم أعير إلى البحرين عامين مستشاراً لرئيس المحكمة الدستورية هناك، وإلى جانب ذلك فإنه قد بدأ حياته قاضياً بمجلس الدولة، واختير للانضمام للمحكمة الدستورية عام 1984.
وكان مرعي وفقاً للأقدمية سيعين رئيساً للمحكمة عام 2022، لكن تخطي السيسي لأقدم الأعضاء منحه 3 سنوات إضافية كاملة.
وسبق للسيسي أن عين خامس أقدم قاض بمحكمة النقض رئيساً للمحكمة، وسابع أقدم عضو بهيئة النيابة الإدارية رئيساً للهيئة، ما يعني أنه لم يعين حتى الآن أي رئيس هيئة في أقدميته الطبيعية.
ويكتسب تطبيق النص الدستوري الجديد هذا العام أهمية استثنائية، لأن هذا العام يشهد تغيير جميع رؤساء الهيئات، وهم المستشار حنفي جبالي رئيس المحكمة الدستورية وآخر من وصل إلى هذا المنصب بالأقدمية المطلقة المتبعة منذ 2012، والمستشار أحمد أبو العزم رئيس مجلس الدولة الذي تم تعيينه بالمخالفة للأقدمية في 2017، والمستشار مجدي أبو العلا رئيس مجلس القضاء الأعلى ومحكمة النقض الذي تم تعيينه بالمخالفة للأقدمية في 2017، والمستشارة أماني الرافعي رئيسة النيابة الإدارية التي تم تعيينها بالمخالفة للأقدمية في 2018، والمستشار حسين عبده خليل رئيس هيئة قضايا الدولة الذي تم تعيينه بالمخالفة للأقدمية في 2017.
ومخالفة الأقدمية، وفقاً للنص الدستوري الجديد، مغايرة للمخالفة التي طبقت عام 2017 بإصدار السيسي القانون الذي يمكنه من اختيار رؤساء الهيئات بهدف التخلص من المستشار يحيى دكروري في مجلس الدولة، والمستشار أنس عمارة في محكمة النقض، لأن القانون السابق كان يمنح المجالس العليا للهيئات سلطة إرسال قائمة قصيرة مكونة من 3 مرشحين ليختار السيسي أحدهم رئيساً للهيئة، أما النص الدستوري الجديد، وإمعانا في امتهان القضاة، فأعطى السيسي حق الاختيار دون شروط من بين أقدم 7 نواب، وهو ما يعني عملياً انتقال سلطة الاختيار والاستبعاد إلى الجهات الأمنية والاستخباراتية التي ستعد للسيسي بياناً بشأن كل مرشح محتمل ومميزاته ومشاكله.