للمرة الأولى تلتزم الولايات المتحدة الصمت حول سير معركة أساسية ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في العراق. تتفهّم واشنطن المسببات الداخلية لتحوّل موقف رئيس الحكومة العراقي حيدر العبادي، لكنها كانت تُفضّل مواصلة التركيز على معركة الموصل، التي بدأت رسمياً في 24 مارس/ آذار الماضي، فيما ترى طهران أن الأولوية هي لحماية بغداد من الطريق السريع المؤدي إلى الفلوجة. وبين تمسّك واشنطن بدور القوات الخاصة العراقية وإصرار طهران على دور "الحشد الشعبي"، بدأت معركة الفلوجة تراوح مكانها، ما أدى بالتالي لتجميد تقاطع المصالح بين الولايات المتحدة وإيران على جبهات القتال العراقية ضد التنظيم.
التجاذب الأميركي ـ الإيراني في معركة الفلوجة كان واضحاً، منذ لحظة إعلان العبادي عن بدء معركة تحرير المدينة في 23 مايو/ أيار الماضي، وزيارته مقرّ العمليات في اليوم التالي، وهو يرتدي ملابس "الفرقة الذهبية"، أي ملابس القوات الخاصة التي تدرّبت في الولايات المتحدة والأردن، والتي يريدها الأميركيون قيادة اقتحام مدينة الفلوجة.
الردّ الإيراني على محاولة العبادي حصر قيادة المعركة بالحكومة العراقية، تجلّى بتفقّد رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي في 25 مايو الماضي، مقرّ قيادة "الحشد الشعبي"، للاطلاع على خطة تحرير المدينة، وبعدها نُشرت صور لقائد "فيلق القدس" الجنرال قاسم سليماني، في الصقلاوية، على الجبهة الشمالية للفلوجة. حتى في التفاصيل الشكلية، يحاول الحشد إبراز استقلال ذاتي في إدارة المعركة، مثل تسمية معركة الفلوجة بـ"15 شعبان" بدلاً من اعتماد تسمية الحكومة "معركة كسر الإرهاب"، كما في إصدار بيانات منفصلة حول العمليات، بدل الاكتفاء بما يصدر عن "خلية الإعلام الحربي"، المخوّلة توفير آخر التطورات الميدانية.
اقــرأ أيضاً
الدعم الجوي الأميركي كان غير مسبوق في الأسبوع الماضي، باستهداف قيادات "داعش" في مختلف أنحاء العراق، في محاولة لإرباك التنظيم وفي الغارات المكثفة على الفلوجة وأطرافها، تمهيداً لتقدّم القوات الأمنية العراقية على تخوم المدينة. لكن مع دخول "الحشد الشعبي"، لا سيما المجموعات التي لا تدين بالولاء للعبادي، على خطّ المواجهة، بدأ الإرباك في تنسيق العملية العسكرية، التي قررت حينها نقل تركيزها من الجبهة الشمالية إلى الجبهة الجنوبية، بعد السيطرة على النعيمية، وذلك في محاولة للدخول إلى مركز المدينة عبر حي الشهداء. مع العلم أن طبيعة حرب الشوارع على الجبهة الجنوبية، تسمح لـ"الفرقة الذهبية" في الجيش العراقي بأن تؤدي دوراً رئيسياً، على عكس الطبيعة الوعرة في الجبهة الشمالية، حيث يستخدم "داعش" العمليات الانتحارية والسيارات المفخخة وإطلاق الصواريخ.
في هذا السياق، يكشف المتحدث باسم وزارة الدفاع (البنتاغون) كريستوفر شيروود، لـ"العربي الجديد"، عن أن "الدور الأميركي في عملية تحرير الفلوجة، هو إسداء المشورة وتوفير الدعم للقوات الأمنية العراقية". ويضيف أنه "لدينا الثقة بالقوات الأمنية العراقية، فيما تُنفّذ خطتها لاستعادة الأراضي من داعش". كما يلفت شيروود إلى أن "تحرير أي أرض من داعش يمثل هزيمة عسكرية ومعنوية للتنظيم"، لكنه فضّل عدم التعليق على سير العمليات أو على دور "الحشد الشعبي".
مع العلم أن الاتفاق بين الحكومة العراقية و"الحشد الشعبي" كان يقضي بأن يقاتل الحشد على أطراف الفلوجة، من دون أن يدخل المدينة، نظراً للحساسية الطائفية. وهو ما سبق أن أعلنه القيادي في الحشد أبو مهدي المهندس، الذي وافق أيضاً مع عشائر الأنبار، على خطة لإخلاء العائلات وحمايتها في الفلوجة وأطرافها.
وقد التزمت فصائل الحشد إلى حدّ كبير بالاتفاق الذي يشير إلى بقائها متمركزة في الأطراف، لحماية ظهر الجيش العراقي والشرطة، فيما تحاول اختراق الفلوجة، لكن مع ظهور ملامح لتقدم الحشد نحو الجبهة الشمالية، قررت واشنطن وقف الغطاء الجوي الذي بدونه من الصعب تحقيق تقدم ملموس في أرض المعركة.
ودفع هذا الأمر العبادي إلى الحديث عن تمهّل في العمليات العسكرية، لتقليص المخاطر على المدنيين داخل الفلوجة، وعلى القوات الأمنية المشاركة في تحريرها. لكن يختزن قرار العبادي محاولة لتبريد الأجواء وإعطاء فرصة للتوسط بين واشنطن وطهران وبين حكومته و"الحشد الشعبي" لتوضيح قواعد الاشتباك.
بالتالي، إذا قررت طهران التصعيد وعدم التراجع عن دور الحشد، ستواصل واشنطن على الأرجح انكفاءها وسيكون العبادي في وضع صعب في حال راوحت المعركة مكانها وانضمت إلى الجمود الذي يلفّ عمليات الموصل، في ظل عدم التنسيق بين القوات الأمنية العراقية "والحشد الشعبي" وقوات البشمركة.
ويبدو أنه بعد غزل أميركي مع زيارة غير مسبوقة للقنصل العام في البصرة لجرحى "الحشد الشعبي" في 12 مارس/ آذار الماضي، دخلت العلاقة بين الطرفين الآن مرحلة جديدة، لكن الهدنة لا تزال قائمة بين واشنطن وفصائل الحشد، لا سيما تلك التي قاتلت الجيش الأميركي خلال أولى مراحل الغزو عام 2003. وقيادة الحشد تكتفي بالقول إنها لا تريد تدخلاً أميركياً في الفلوجة، كما حصل في الرمادي، لكنها تمتنع حتى الساعة عن انتقاد الأميركيين بشكل علني، فيما واشنطن ترفض التعليق على تحركات الحشد وتكتفي بالقول إنه يجب على الحكومة العراقية قيادة المعركة. وفي حال فشل العبادي أو الأصدقاء المشتركين لإيران والولايات المتحدة في بغداد، بالاتفاق على صيغة لمواصلة معركة الفلوجة، فقد تكون هناك في المرحلة المقبلة حاجة لتنسيق أميركي ـ إيراني على مستوى السفراء في بغداد، لتخفيف حدة التوتر واستعادة زخم المعارك ضد "داعش"، وإلا فإن حكومة العبادي ستدخل مجدداً دائرة المخاطر السياسية على استقرارها.
الردّ الإيراني على محاولة العبادي حصر قيادة المعركة بالحكومة العراقية، تجلّى بتفقّد رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي في 25 مايو الماضي، مقرّ قيادة "الحشد الشعبي"، للاطلاع على خطة تحرير المدينة، وبعدها نُشرت صور لقائد "فيلق القدس" الجنرال قاسم سليماني، في الصقلاوية، على الجبهة الشمالية للفلوجة. حتى في التفاصيل الشكلية، يحاول الحشد إبراز استقلال ذاتي في إدارة المعركة، مثل تسمية معركة الفلوجة بـ"15 شعبان" بدلاً من اعتماد تسمية الحكومة "معركة كسر الإرهاب"، كما في إصدار بيانات منفصلة حول العمليات، بدل الاكتفاء بما يصدر عن "خلية الإعلام الحربي"، المخوّلة توفير آخر التطورات الميدانية.
الدعم الجوي الأميركي كان غير مسبوق في الأسبوع الماضي، باستهداف قيادات "داعش" في مختلف أنحاء العراق، في محاولة لإرباك التنظيم وفي الغارات المكثفة على الفلوجة وأطرافها، تمهيداً لتقدّم القوات الأمنية العراقية على تخوم المدينة. لكن مع دخول "الحشد الشعبي"، لا سيما المجموعات التي لا تدين بالولاء للعبادي، على خطّ المواجهة، بدأ الإرباك في تنسيق العملية العسكرية، التي قررت حينها نقل تركيزها من الجبهة الشمالية إلى الجبهة الجنوبية، بعد السيطرة على النعيمية، وذلك في محاولة للدخول إلى مركز المدينة عبر حي الشهداء. مع العلم أن طبيعة حرب الشوارع على الجبهة الجنوبية، تسمح لـ"الفرقة الذهبية" في الجيش العراقي بأن تؤدي دوراً رئيسياً، على عكس الطبيعة الوعرة في الجبهة الشمالية، حيث يستخدم "داعش" العمليات الانتحارية والسيارات المفخخة وإطلاق الصواريخ.
في هذا السياق، يكشف المتحدث باسم وزارة الدفاع (البنتاغون) كريستوفر شيروود، لـ"العربي الجديد"، عن أن "الدور الأميركي في عملية تحرير الفلوجة، هو إسداء المشورة وتوفير الدعم للقوات الأمنية العراقية". ويضيف أنه "لدينا الثقة بالقوات الأمنية العراقية، فيما تُنفّذ خطتها لاستعادة الأراضي من داعش". كما يلفت شيروود إلى أن "تحرير أي أرض من داعش يمثل هزيمة عسكرية ومعنوية للتنظيم"، لكنه فضّل عدم التعليق على سير العمليات أو على دور "الحشد الشعبي".
مع العلم أن الاتفاق بين الحكومة العراقية و"الحشد الشعبي" كان يقضي بأن يقاتل الحشد على أطراف الفلوجة، من دون أن يدخل المدينة، نظراً للحساسية الطائفية. وهو ما سبق أن أعلنه القيادي في الحشد أبو مهدي المهندس، الذي وافق أيضاً مع عشائر الأنبار، على خطة لإخلاء العائلات وحمايتها في الفلوجة وأطرافها.
وقد التزمت فصائل الحشد إلى حدّ كبير بالاتفاق الذي يشير إلى بقائها متمركزة في الأطراف، لحماية ظهر الجيش العراقي والشرطة، فيما تحاول اختراق الفلوجة، لكن مع ظهور ملامح لتقدم الحشد نحو الجبهة الشمالية، قررت واشنطن وقف الغطاء الجوي الذي بدونه من الصعب تحقيق تقدم ملموس في أرض المعركة.
بالتالي، إذا قررت طهران التصعيد وعدم التراجع عن دور الحشد، ستواصل واشنطن على الأرجح انكفاءها وسيكون العبادي في وضع صعب في حال راوحت المعركة مكانها وانضمت إلى الجمود الذي يلفّ عمليات الموصل، في ظل عدم التنسيق بين القوات الأمنية العراقية "والحشد الشعبي" وقوات البشمركة.
ويبدو أنه بعد غزل أميركي مع زيارة غير مسبوقة للقنصل العام في البصرة لجرحى "الحشد الشعبي" في 12 مارس/ آذار الماضي، دخلت العلاقة بين الطرفين الآن مرحلة جديدة، لكن الهدنة لا تزال قائمة بين واشنطن وفصائل الحشد، لا سيما تلك التي قاتلت الجيش الأميركي خلال أولى مراحل الغزو عام 2003. وقيادة الحشد تكتفي بالقول إنها لا تريد تدخلاً أميركياً في الفلوجة، كما حصل في الرمادي، لكنها تمتنع حتى الساعة عن انتقاد الأميركيين بشكل علني، فيما واشنطن ترفض التعليق على تحركات الحشد وتكتفي بالقول إنه يجب على الحكومة العراقية قيادة المعركة. وفي حال فشل العبادي أو الأصدقاء المشتركين لإيران والولايات المتحدة في بغداد، بالاتفاق على صيغة لمواصلة معركة الفلوجة، فقد تكون هناك في المرحلة المقبلة حاجة لتنسيق أميركي ـ إيراني على مستوى السفراء في بغداد، لتخفيف حدة التوتر واستعادة زخم المعارك ضد "داعش"، وإلا فإن حكومة العبادي ستدخل مجدداً دائرة المخاطر السياسية على استقرارها.