على الرغم من انشغاله بمعركة حلب، لم يهمل النظام السوري مشروعه الآخر في محيط العاصمة دمشق، ومجمل الجنوب السوري، والمتمثل في "عمليات المصالحة" التي تقضي، في المحصلة، بإخلاء تلك المناطق من مقاتلي المعارضة، وبسط سلطة النظام عليها مقابل تخفيف الحصار عنها، والسماح بإدخال المواد الغذائية والصحية إليها. وبعد سلسلة من "مصالحات" بدأت في داريا التي تم ترحيل مقاتليها وسكانها في أغسطس/آب الماضي، مروراً بالمعضمية ودمر والهامة وقدسيا والتل وخان الشيح مع مجمل مناطق الغوطة الغربية وآخرها زاكية، تتجه جهود النظام إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة مقاتلي المعارضة في جبل الشيخ. وهذه المناطق تخضع للحصار من جانب قوات النظام والمليشيات المساندة له من جهة. كما تعاني من خلافات بين الفصائل، مع غياب الدعم عنها من جهة أخرى، وهو ما تجلى في فشل معظم العمليات العسكرية التي أعلنت عنها تلك الفصائل أخيراً ضد قوات النظام.
وأكد الخطيب أن نظام الأسد وبالتنسيق مع الروس، موافق على بقاء الأهالي والمقاتلين في مناطقهم، وهو يقدم عروضاً أفضل مما قدمه في المناطق الأخرى، منها إبقاء السلاح الخفيف بيد مقاتلي المعارضة، بالنظر إلى حساسية المنطقة الحدودية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
وكانت مجلة "نهضة الحرمون" التي تصدر في القنيطرة نشرت ما وصفته بالبنود أو الشروط التي طرحتها مندوبة النظام خلال الاجتماعين السابقين مع مندوبي فصائل المعارضة. وتتضمن تسليم السلاح الثقيل والمتوسط والفردي، وخضوع جميع المطلوبين لـ"تسوية وضع"، وتشكيل فيلق في الحرمون، مؤلف من 1200 مقاتل يتبع لجيش النظام، ويتحرك تحت أمرته في المنطقة، بحيث يبسط الجيش سيطرته على جميع المناطق بمساعدة فيلق "الحرمون" المشكل. وبالنسبة للمتخلفين عن الخدمة العسكرية، فيمنحون مهلة ستة أشهر للالتحاق بقطعهم العسكرية. وكل من يبلغ عمره 40 سنة وما دون، هو مطلوب لخدمة الاحتياط، في حين تتم تسوية وضع المنشقين عن الجيش، ومن ثم يتم تسريحهم.
غير أن مصدراً في "تنسيقية الثورة السورية في بيت سابر بجبل الشيخ" نفى لـ"العربي الجديد" صحة ما أوردته المجلة. وقال المصدر الذي رفض الكشف عن اسمه، إن الحد الأدنى المطروح من جانب فصائل المعارضة يتمثل في عدم ترحيل أحد من مقاتلي المنطقة إلى خارجها، وألا يكون هناك تهجير أو قتال إلى جانب قوات النظام، فضلاً عن ضرورة إطلاق سراح المعتقلين وتأمين الأمور الخدمية. ونفى المصدر أن تكون الفصائل بوارد تسليم السلاح الخفيف، معتبراً أن حديث الإعلامية، كنانة حويجة، عن هذا الأمر جاء نتيجة "استفزازها" من جانب المفاوضين، وهو ما تراجعت عنه لاحقا خلال حديثها مع من وصفهم المصدر بالعقلاء بين ممثلي الفصائل. ولفت المصدر إلى أن حويجة وافقت منذ الجلسة الأولى على ألا يخدم أي متخلف عن الخدمة العسكرية أو منشق أو احتياط، في جيش النظام، فيما تتم تسوية أوضاع من يرغب في إلقاء السلاح والعودة إلى حياته الطبيعية، مع إعفاء الناس من فواتير الكهرباء والماء وعودة الموظفين إلى وظائفهم، بحسب المصدر.
وكان وفد يمثل قوات النظام برئاسة حويجة دخل في العاشر من الشهر الجاري إلى بلدة بيت سابر، وهي إحدى قرى جبل الشيخ الواقعة تحت سيطرة مقاتلي المعارضة. وعقد الوفد اجتماعاً مع ممثلين عن التشكيلات العسكرية الموجودة في المنطقة. ثم عقد اجتماعاً ثانياً بعد خمسة أيام، لكنه شهد توتراً بين الجانبين، إذ أطلقت حويجة تهديدات باجتياح المنطقة عسكرياً في حال لم تلب الفصائل شروط المصالحة التي طرحها وفد النظام. وفي هذا الصدد، قالت بعض المصادر أن هذه الشروط تتضمن ترحيل المقاتلين إلى إدلب، أو انضمامهم إلى فيلق جديد يتم تشكيله مقابل السماح لهم بالبقاء في مناطقهم.
وكانت قوات نظام الأسد قد توصلت إلى اتفاق تسوية مع أهالي بلدة زاكية في ريف دمشق الغربي، يقضي بـ"تسوية أوضاع" المتخلفين والمنشقين والمطلوبين الراغبين بالتسوية. وينص الاتفاق أيضاً على إعطاء المتخلف والمنشق مدة 6 أشهر لتسوية وضعه، لكن يحق له ضمن هذه المدة، حسب ادعاءات النظام، الخروج إلى أي مكان آخر.
ونشرت صفحات موالية للنظام على مواقع التواصل الاجتماعي، صوراً لاجتماع محافظ القنيطرة مع وفد روسي ضم عدداً من الضباط، تم خلاله مناقشة وضع المصالحات الوطنية بالمحافظة. وتأتي هذه الخطوة استكمالاً لمشاريع مماثلة بدأتها قوات النظام السوري مطلع هذا العام، شملت عدة مناطق بريف القنيطرة الأوسط.
وتشير تقديرات إلى أن عدد مقاتلي فصائل المعارضة في القنيطرة وريفها يصل إلى نحو 2000 مقاتل، موزعين على عدد من التشكيلات التابعة للجبهة الجنوبية وحركة "أحرار الشام" وجبهة "فتح الشام"، ويسيطرون على العديد من البلدات والقرى. غير أن مقاتلي المعارضة في القنيطرة يخضعون لحصار منذ أكثر من سنتين. وخلال الأشهر الماضية، حاولوا مرات عدة كسر هذا الحصار بالتعاون مع قوات المعارضة في درعا. ومعركة "قادسية الجنوب" كانت آخر المحاولات التي قامت بها فصائل المعارضة بين شهري سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول الماضيين، لكنها لم تنجح في ذلك.
وكان مركز التنسيق الروسي بقاعدة حميميم بدأ بالاضطلاع بدور أكبر في هذا الموضوع منذ بدء الهدنة. وأصبحت بيانات المصالحة تصدر عنه. وترافق ذلك مع استقبال المركز لعدد من الوفود التي كانت قد دخلت بمصالحات سابقة مع النظام. وأظهرت تقارير إخبارية مصورة لقنوات موالية للنظام مجموعة من الجنود الروس بالزي العسكري في إحدى الصالات التي شهدت ما أطلق عليه "مؤتمر مصالحة الجنوب". وجرى خلاله إعلان إنجاز اتفاق مصالحة مع وجهاء بلدة إبطع في ريف درعا الشرقي. كما تم الإعلان عن تحضيرات لضم كل من طفس ونوى وبلدات أخرى لهذا الاتفاق. لكن فصائل المعارضة نفت ذلك، كما هددت وخونت كل من يسير بهذا الطريق. وقبل أيام جرى اختطاف شخص ينشط في لجان المصالحة، يدعى أبو ياسر الداغر، في ريف درعا الشرقي، من جانب مسلحين مجهولين.