ومع تركيز الجيش المصري على مواجهة الجماعات الإرهابية داخل شمال سيناء بصورة واضحة منذ ثورة 25 يناير 2011، ومع اشتداد المواجهات خلال الأشهر الأخيرة، كشف قائد قيادة الأركان المشتركة الوسطى الجنرال جوزيف فوتيل في إيجاز صحافي أخيراً عن مساندة بلاده للمجهود العسكري المصري في مواجهة الإرهاب بشمال سيناء. وقال "نتمنى لهم بالتأكيد النجاح عندما يتصدون لتهديد داعش الذي انبثق من هذه المنطقة ونأمل أن ينجحوا في ذلك. ونحن لا نشارك بشكل مباشر في هذه العمليات بأنفسنا ولكن بطرق عديدة، حيث نقدم بعض المساعدة لمصر في تقاسم الدروس المستفادة وتقديم الاستشارة وغيرها من المساعدات التي قد تكون مفيدة لهم حيث إنهم يتعاملون مع هذا العدو تحديداً وإننا لذلك نتطلع إلى استمرار ذلك الدعم". وهكذا وبسبب سيناء عرضت واشنطن مساعدة الجيش المصري على التدريب والتسليح لمواجهة أخطار غير تقليدية مثل مكافحة الإرهاب.
كذلك يرى وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس "ضرورة تغيير طبيعة مناورات النجم الساطع لتركز على تدريبات مكافحة الإرهاب، وليس على حروب المدرعات التقليدية بين جيشين نظاميين". وهذا ما جرى في آخر نسخها التي أُجريت في مصر خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وهكذا وبعدما كانت مناورات النجم الساطع تشهد مشاركة ما يقرب من سبعين ألف جندي، لم تتعد المشاركة الأميركية في آخر نسخها مائتي جندي فقط.
ومنذ بدء هذه المناورات عام 1980 وهي تركز على حروب تقليدية بين قوات كبيرة في مناطق صحراوية واسعة تستخدم فيها المدرعات والطائرات والدبابات، وكانت تعد الكبرى من نوعها في العالم. وأكد المتحدث باسم القيادة المركزية الأميركية (تُشرف عسكرياً على منطقة الشرق الأوسط) أن مشاركة الجيش الأميركي مع القوات المسلحة المصرية في مناورات النجم الساطع 2017 تعزز العلاقات العسكرية بين القوات الأميركية وشريكتها المصرية. إلا أنه أكد كذلك على "أن المناورات ستتغير من حيث الشكل والحجم والمضمون. وسيشارك فقط 200 جندي أميركي في المناورات". وعلى الرغم من استئناف مناورات النجم الساطع، إلا أنها تعكس استمرار وجود خلافات في وجهات نظر الطرفين حول طبيعة هذه المناورات والتحديات العسكرية التي يجب للجيش المصري التدرب على مواجهتها في المستقبل. وبالفعل أجريت المناورات على نطاق زمني وجغرافي محدود، وتغيرت طبيعة التدريبات المشتركة لتركز على سبل مكافحة الإرهاب.
وجاء توقيع مصر على اتفاقية CISMOA كدليل إضافي على قبول مصر بواقع جديد في طبيعة علاقتها العسكرية مع واشنطن. وجاءت أنباء التوقيع المصري على لسان الجنرال فوتيل خلال شهادته أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب يوم 27 فبراير/شباط الماضي. وقال فوتيل "احتفلنا بتوقيع الاتفاقية الثنائية في يناير/كانون الثاني 2018 وهو ما يعد تتويجاً لأكثر من ثلاثة عقود من علاقات أمنية متينة وتعاون كبير في مكافحة الإرهاب". ولم يخرج أي تفسير مصري حول هذه الاتفاقية إلا تغريدة للسفارة المصرية بهذا المعنى دون الخوض في أي تفاصيل. ولا يمكن تفهم مغزى وتوقيت هذا التوقيع بدون تفهم خلفية الموقف المصري الذي طالما رفض القبول بهذه الاتفاقية، والتي تعد بنودها حتى اليوم شأنا سرياً على غير اتفاقيات شبيهة وقعتها وزارة الدفاع الأميركية مع دول مثل كوريا الجنوبية والهند وباكستان. وتشير وثائق ويكيليكس إلى رفض الجيش المصري على مدار عقود طويلة التوقيع على هذه الاتفاقية، ونقلت الوثيقة الصادرة عن السفارة الأميركية بمصر في مارس/آذار 2009 قلق قيادات القوات المسلحة من عدم السماح الأميركي لمصر بامتلاك أنواع متطورة من الأسلحة، وإحباط القيادات المصرية من عدم حصول القاهرة على أنظمة أسلحة معينة محظور بيعها لمصر. كان السبب الذي أبرزته الوثيقة حينها لحرمان مصر من هذه الأنظمة والأسلحة هو رفض مصر التوقيع على الاتفاقية التي توفر ضمانات الحماية المناسبة للتكنولوجيا التي ابتكرتها الولايات المتحدة وتحاول الحفاظ على حصرية التحكم في تداولها والاطلاع عليها.
واشنطن تعتقد أنها تنجح في مسعاها القديم لتغيير العقيدة القتالية للجيش المصري، وساعدها في ذلك تطورات الداخل المصري الذي يركز فيه الجيش المصري بالأساس على مكافحة الإرهاب داخل مصر. واليوم تريد واشنطن أن تقتصر أهداف التسليح الأميركي لجيش مصر على دعم قدرته على مواجهة التهديدات الجديدة. إلا أن مسؤولين مصريين يناقضون الرؤية الأميركية ويستشهدون بعدم حدوث أي تغيير من خلال سعيها الجدي للحصول على عتاد عسكري تقليدي متقدم من مصادر أخرى كروسيا وفرنسا، وغيرهما من الدول. وقد قامت مصر بالتعاقد على شراء منظومة دفاع جوي روسي من طراز أس 300، وشراء طائرات رافال مقاتلة من فرنسا إضافة لحاملة طائرات هيلوكوبتر. كذلك تستشهد القاهرة بالاستمرار في إجراء مناورات كبيرة بصور متكررة على معارك تقليدية، وإن كانت لا تشارك فيها الولايات المتحدة، تتضمن القيام بمهام عسكرية في مناطق صحراوية مفتوحة.
وعلى الرغم من سلبية موقف النخبة الأميركية ممثلاً في الإعلام والمراكز البحثية والأكاديميين من النظام المصري الشديد السلبية، كما يظهر بوضوح في استمرار انتقاد ممارسات النظام المصري غير الديمقراطية، إلا أن هناك ثناء أميركيا رسميا وغير رسمي على جهود القاهرة في مواجهة الإرهاب، وعلى تبنيها الكامل لأجندات الاتفاقات مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.