استهداف البنية التحتية في حلب انتقاماً لفشل الاجتياح البري

رامي سويد

avata
رامي سويد
29 سبتمبر 2016
C29F16E0-A9C7-4252-9291-D2A3AB252855
+ الخط -
في سيناريو يتكرر مع كل محاولة للاجتياح البري للنظام السوري وحلفائه في مناطق سيطرة المعارضة السورية، تحولت البنى التحتية في حلب من مستشفيات، ومخابز، ومراكز للدفاع المدني، ومحطات للمياه والكهرباء، إلى هدف أساسي لقوات النظام السوري وطائرات الجيش الروسي خلال اليومين الماضيين؛ بهدف إخراج ما تبقى صالحاً منها عن الخدمة. تصعيد تزامن مع استمرار الملف السوري في فرض نفسه كبند أساسي في المشاورات الإقليمية، خصوصاً التي تجرى في تركيا، بما في ذلك اللقاءات التي أجراها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف مع المسؤولين الأتراك في أنقرة أمس الأربعاء أو تلك المنتظرة اليوم الخميس مع بدء زيارة ولي العهد السعودي، وزير الداخلية، الأمير محمد بن نايف إلى تركيا التي تستمر ليومين.
وكأنه كان على المجتمع الدولي انتظار تحقق سيناريو "المسلخ" بحسب تعابير الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون، لكي تبدأ المواقف تسمي الأمور بأسمائها، فجاءت جلسة مجلس الأمن الدولي، أمس الأربعاء، على وقع تهديد أميركي بوقف التعاون مع روسيا حيال سورية، "ما لم تتحرك موسكو لإنهاء الهجوم على حلب لأن روسيا هي المسؤولة عن تدهور الوضع في سورية"، بحسب ما نقلته الخارجية الأميركية من مضمون حديث كيري ونظيره سيرغي لافروف في اتصال هاتفي.


كما ترافق التصعيد في حلب مع بحث مقترحات جديدة لمحاولة وقف الحملة على المدينة، بما في ذلك ما أعلنه أمس وزير الخارجية الفرنسي جان مارك إيرولت عن عمله لطرح قرار على مجلس الأمن الدولي لفرض وقف إطلاق النار في حلب. واعتبر في كلمة أمام نواب البرلمان الفرنسي أن "هذا القرار سيضع الجميع أمام مسؤولياتهم. من لن يصوتوا له يخاطرون بمحاسبتهم للتواطؤ في جرائم حرب".
وفيما أشار وزير الخارجية الفرنسي إلى أن النظام السوري المدعوم من روسيا وإيران يشن "حرباً شاملة" على الشعب، هاجم وزير الخارجية الإيطالي باولو جينتيلوني الدور الروسي في سورية، محذراً إياها من أنها "تغامر بأن تجد نفسها في عزلة إذا استمرت في دعمها لرئيس النظام السوري بشار الأسد". كما نبهها إلى أن استمرار موقفها في حلب "سيفضي إلى استعداء كل المسلمين السنة في المنطقة"، على حد وصفه. واعتبر وزير الخارجية الإيطالي أن "القصف المتواصل على حلب لأسابيع طويلة، هدفه غير واضح وهمجي، فالروس لا يقاتلون ضد جيش، بل ضد مدينة". بدوره اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أن "المسلخ هو أمر أكثر انسانية مما يحصل في حلب"، مشدداً على أن الذين يستخدمون أسلحة أكثر تدميراً في سورية يرتكبون جرائم حرب.


استهداف ممنهج للبنى التحتية

وجاء استهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة المعارضة في مدينة حلب بعد أيام من استمرار فشل قوات النظام والمليشيات الأجنبية والمحلية الداعمة لها بتحقيق أي تقدم يذكر على حساب قوات المعارضة السورية بحلب التي تمكنت خلال الأيام الأخيرة من التصدي لجميع محاولات قوات النظام الرامية لإحراز أي نصر ميداني. واقتصرت نتائج عمليات النظام السوري وروسيا العسكرية في حلب على إلحاق مزيد من الأضرار بالبنية التحتية من مستشفيات ومخابز ومراكز للدفاع المدني ومحطات للمياه والكهرباء، بالإضافة إلى مقتل مئات المدنيين من سكان حلب نتيجة استمرار القصف. وقال الناشط الإعلامي حسن الحلبي لـ"العربي الجديد" إن طائرات حربية يعتقد أنها روسية استهدفت أمس الأربعاء مستشفيين ميدانيين في حيي الصاخور والمعادي، وهما من المستشفيات التي ما تزال تواصل عملها في حلب في ظروف صعبة مع استمرار حملة القصف على المدينة. وقد أدى القصف إلى تعرضهما لأضرار مادية كبيرة. وجاء هذا الاستهداف للمستشفيين بعد ساعات قليلة من استهداف مدفعية النظام السوري لمخبز كان يتجمهر حوله السكان للحصول على الخبز في حي المعادي فجر أمس الأربعاء. وقال الناشط ماجد عبد النور، في حديث إلى "العربي الجديد"، إن القصف استهدف تجمعاً أمام فرن للخبز ومركزاً طبياً في الحي ما تسبب بمقتل ستة أشخاص على الأقل وإصابة العشرات. ولفت إلى أن من بين الضحايا فريق الإسعاف الذي حضر لإنقاذ المصابين جراء القصف المدفعي والجوي.

وأتى هذا الاستهداف للمرافق الحيوية في حلب كالمستشفيات والمخابز بعد يوم واحد فقط من استهداف آخر مراكز الدفاع المدني في الأحياء المحاصرة التي تسيطر عليها المعارضة في حلب. وقصفت طائرات روسية مركزاً للدفاع المدني في حي الأنصاري بعدما استهدفت في الأيام القليلة الماضية مراكز الدفاع المدني بأحياء الصاخور ومساكن هنانو شمال شرق حلب.
وامتد قصف طائرات النظام السوري وروسيا على حلب ليشمل معظم أحياء المدينة المحاصرة من قبل قوات النظام. ولفت الناشط ماجد عبد النور إلى أن "الطائرات الروسية شنّت غارات أخرى بالقنابل الفوسفورية على المدينة المحاصرة أمس الأربعاء واستهدفت خاصة حيي المشهد والقاطرجي إضافة إلى أحياء الفردوس، والهلك، والصالحين. كما طاول القصف محيط جامعة إيبلا في ريف حلب الجنوبي".

وأسفر القصف الروسي على مبنى سكني في بلدة المنصورة في ريف حلب الغربي عن مقتل طفلين اثنين، أمس، فيما أدت غارات مشابهة متزامنة على مناطق بأطراف بلدتي أورم الكبرى وكفرناها القريبتين من المنصورة إلى وقوع أضرار مادية كبيرة. وكان القصف الروسي، يوم الثلاثاء، على حي الشعار بمدينة حلب قد أسفر عن مقتل 34 شخصاً بينهم 25 من عائلة واحدة، قضوا إثر تهدم مبنى من خمسة طوابق فوق ساكنيه. وقدرت مصادر محلية من مؤسسة الدفاع المدني، في حديث إلى "العربي الجديد" أمس الأربعاء، أن حصيلة حملة القصف العنيف الذي تشنه طائرات النظام السوري وروسيا على أحياء مدينة حلب في الأيام العشرة الأخيرة قد وصلت إلى 400 قتيل من المدنيين و1400 جريح.

وفي السياق، اتّهمت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، أمس الأربعاء، قوات النظام السوري باستخدام أسلحة كيماوية سامة في هجومين قامت بهما، أخيراً، على حيين سكنيين في مناطق تسيطر عليها المعارضة بمدينة حلب، وذلك في 10 أغسطس/آب و6 سبتمبر/أيلول 2016، ما تسبب بمقتل خمسة مدنيين وإصابة العشرات. كما أشارت المنظمة إلى أن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) استخدم أيضاً مواد كيماوية كسلاح في هجماته الأخيرة. ولفت نائب مدير قسم الطوارئ في المنظمة، أوليه سولفانغ، إلى أنه "حتى بعد تأكيد الأمم المتحدة مسؤولية الحكومة السورية عن هجمات كيماوية ضد المدنيين السوريين، لم توقف دمشق سلوكها الإجرامي". وأضاف "لكي يردع مجلس الأمن مثل هذه الأعمال الوحشية، عليه أن يحمّل الحكومة السورية عواقب تجاهلها لقراراته". وطالبت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالتحرّك فوراً حيال التقارير ذات المصداقية عن الهجمات، وفرض عقوبات فردية، وإحالة الملف السوري إلى "المحكمة الجنائية الدولية". وذكّرت المنظمة بالهجومين اللذين نفذتهما القوات الحكومية بالكلور عامي 2014 و2015، وبالهجوم الذي نفذه "داعش" بغاز الخردل عام 2015.

المعارضة تفشل محاولات التقدم

في غضون ذلك، تواصلت الاشتباكات بين قوات النظام وقوات المعارضة في محور مشروع 1070 شقة، وأطراف حي الراشدين جنوب غرب حلب، بالتزامن مع شن الطائرات الحربية غارات عدّة على مناطق الاشتباك. وقد تمكنت قوات المعارضة السورية من التصدي لجميع محاولات قوات النظام الرامية للتقدم في المنطقة في اليومين الأخيرين. وعجزت قوات النظام والمليشيات الداعمة لها، وفي مقدمتها حركة النجباء العراقية، عن إحراز أي تقدم جنوب غرب حلب بالرغم من الإسناد الجوي الكثيف الذي يدعم هجماتها. وكانت قوات النظام قد حاولت يوم الثلاثاء التقدم وسط مدينة حلب، تحديداً في حي الفرافرة في منطقة حلب القديمة، وأعلنت سيطرتها على الحي بالكامل قبل أن تنفي المعارضة السورية ذلك. وأوضحت المعارضة أن قوات النظام تمكنت من التقدم لتسيطر على مبانٍ عدة في الحي قبل أن تتمكن قوات المعارضة من استعادة السيطرة عليها مساء الثلاثاء، ليعود الحي بكامله إلى سيطرة الفصائل.

وجاء هذه التطورات لتثبت الفشل المستمر لقوات النظام بتحقيق أي تقدم يذكر في حلب، بعد مرور أكثر من أسبوع على إعلان وزارة الدفاع في النظام السوري عن إطلاقها عملية عسكرية كبرى في حلب بهدف استعادة السيطرة على المدينة بالكامل وما رافقه من تكثيف غير مسبوق للقصف الجوي على أحياء حلب المحاصرة. في غضون ذلك، تتواصل تحضيرات قوات المعارضة لشنّ هجوم معاكس على قوات النظام في حلب بهدف فك الحصار عن المدينة. وكشف قيادي في المعارضة السورية، لوكالة "رويترز"، أمس الأربعاء، عن أن دولاً أجنبية زودت مقاتلي المعارضة براجمات أرض أرض من طراز "غراد"، لم يحصلوا عليها من قبل رداً على العدوان الكبير الذي تدعمه روسيا على حلب، منذ أيام، وخلف عشرات القتلى والجرحى. وقال قائد أحد تشكيلات "الجيش السوري الحر"، العقيد فارس البيوش، إن مقاتلي المعارضة حصلوا على "كميات ممتازة" من راجمات "غراد" يصل مداها إلى 22 و40 كيلومتراً، وإنها سوف تستخدم في جبهات القتال بحلب وحماة والمنطقة الساحلية.


ذات صلة

الصورة
من مجلس العزاء بالشهيد يحيى السنوار في إدلب (العربي الجديد)

سياسة

أقيم في بلدة أطمة بريف إدلب الشمالي وفي مدينة إدلب، شمال غربي سورية، مجلسا عزاء لرئيس حركة حماس يحيى السنوار الذي استشهد الأربعاء الماضي.
الصورة
غارات روسية على ريف إدلب شمال غرب سورية (منصة إكس)

سياسة

 قُتل مدني وأصيب 8 آخرون مساء اليوم الثلاثاء جراء قصف مدفعي من مناطق سيطرة قوات النظام السوري استهدف مدينة الأتارب الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة
الصورة
قبور الموتى للبيع في سورية / 6 فبراير 2024 (Getty)

اقتصاد

تزداد أعباء معيشة السوريين بواقع ارتفاع الأسعار الذي زاد عن 30% خلال الشهر الأخير، حتى أن بعض السوريين لجأوا لبيع قبور ذويهم المتوارثة ليدفنوا فيها.
الصورة
قوات روسية في درعا البلد، 2021 (سام حريري/فرانس برس)

سياسة

لا حلّ للأزمة السورية بعد تسع سنوات من عمر التدخل الروسي في سورية الذي بدأ في 2015، وقد تكون نقطة الضعف الأكبر لموسكو في هذا البلد.